2012/07/04
عباد يحيى – الأخبار
الأخطاء لا تُغتفر في عالم حيث تؤدي «الصورة» بطولته المطلقة. ومن السذاجة أن نعتبر استخدام صورة ضحايا عراقيين جرت تصفيتهم عام 2003 ونسبها إلى ضحايا مجزرة الحولة بأنّه خطأ بريء، وخصوصاً عندما يكون مرتكب هذا «الخطأ» منبر إعلامي عالمي بحجم BBC. هذه الأخيرة نشرت على موقعها الإلكتروني يوم الأحد صورة لصفوف طويلة من الجثث يجري بينها طفل. وادعت «هيئة الإذاعة البريطانية» أنّها صورة تعود إلى ضحايا مجزرة الحولة الفظيعة في سوريا، فيما هي التُقطت لضحايا عراقيين سقطوا في منطقة المسيّب عام 2003.
كشف الأمر هذه المرة ماركو دي لورو (1970) على صفحته على فايسبوك، قائلاً إنّ «أحدهم في BBC يستخدم صورته بطريقة غير قانونية كجزء من البروباغندا ضد النظام السوري». ولدى تواصل «الأخبار» مع المصوّر الإيطالي، قال إنّه «عند السابعة من مساء الأحد بتوقيت غرينتش، فوجئ على الصفحة الرئيسية من موقع BBC برؤية الصورة التي التقطها في المسيّب جنوب بغداد يوم 27 آذار (مارس) 2003. وقد عُرِّف عنها بأنّها من مجزرة الحولة في سوريا». وشرح ماركو أنّ «الصورة أخذها بكاميرته خلال حرب العراق، لكنّ «بي.بي.سي» استخدمتها وعرّفت عنها بأنّها تعود إلى ضحايا المجزرة السوريّة، وأنّها ملتقطة بعدسة أحد الناشطين الذي تعذّر معرفة هويته». ولفت ماركو دي لورو إلى أنّه نشر الصورة على موقعه على الإنترنت ضمن نافذة «تحقيق»، مرفقاً إياها بتفاصيل المجزرة العراقيّة. واستغرب وقوع BBC في هذا الخطأ، وعدم تأكدها من مصادرها قبل نشر الصورة. وحالما انتشر الخبر، خرج الناطق الرسمي باسم «بي.بي.سي» ليعتذر من المصوّر قائلاً: «بذلنا جهوداً طيلة الليل لإيجاد مصدر الصورة الأصليّ، وعندما توصّلنا إليه، قمنا بسحبها على الفور».
المشكلة أنّ الخطأ ارتكبته BBC، ما يجعل تأثيره مضاعفاً بسبب الأهميّة التي توليها مختلف وسائل الإعلام لخبر أو صورة مصدرهما وسيلة إعلاميّة بحجم المنبر البريطاني. وهو ما يجعل السؤال مشروعاً عن مدى صدقيّة ما يملأ وسائل الإعلام من صور ومقاطع فيديو. وهذه الحادثة تزيد من نسبة التشكيك في المواد المصورة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولولا تتبع ماركو لصورته وتسجيل اعتراضه، لدخلت الصورة التاريخ بوصفها مادة توثيقية للمجزرة السورية البشعة، وخصوصاً أنّ استخدام هذه الصورة لم يقتصر على «بي. بي. سي»، بل نشرتها «صفحة الثورة السورية» (باللغة الإنكليزية) على صفحتها الخاصة على فايسبوك، إضافة إلى انتشارها على نحو واسع على مواقع التواصل الاجتماعي كفايسبوك وتويتر.
يتجاوز الأمر هنا مجرّد خطأ مهني قاد صحافيّاً إلى نشر صورة ثم تراجع عنها، إنّه يعبّر عن انعدام أي تدقيق في الكم الهائل من الصور ومشاهد الفيديو، وهو ما يثير جدلاً متواصلاً بين أنصار طرفي الصراع في سوريا، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعلّ هذه الأخطاء زادت على نحو خاص في الملف السوري، مع التعتيم الإعلامي الذي يمارسه النظام على مختلف وسائل الإعلام. هكذا، لم تجد الفضائيات والمنابر الأخرى أي طريقة لتلقّي الخبر سوى الإعلام البديل والناشطين و«شهداء العيان» المجهولين. وقد شهدنا طول الأشهر الماضية أخطاءً كبيرة وقع فيها الإعلام العربي والغربي في ما يخصّ تغطية الأحداث في سوريا.
في حالة «بي. بي. سي»، بُرِّر الأمر بأنّه «خطأ أوقعنا فيه ناشط سوري، بعث إلينا الصورة على أنّها لضحايا الحولة» وفق الناطق باسم هيئة الإذاعة البريطانية، لكنّ ماركو دي لورو الذي التقط صورة المجزرة العراقية لصالح وكالة «غيتي»، لا يهمّه الاعتذار الذي قدّمته إليه «بي. بي. سي» ولا قضية طلب موافقته المسبقة على نشر الصورة أم لا، كل ما في الأمر أنّه استنكر فكرة أن يقوم «أحد باستخدام متعمّد لصورة التقطها شخص آخر لأهداف البروباغندا».