2012/07/04
مارلين سلوم – دار الخليج
يعيش في قلب موهبته، تراها في ملامحه، في مشيته، في كل ما فيه قبل أن ينطق ليخبرك عنها . هي تدلّك عليه، وسواء وجد فرصته للوصول إلى المشاهدين أم ظل خلف الأضواء، موهبته تخرج عن إرادته لتصل به إلى الناس .
هكذا تولد الموهبة مع الإنسان، فتسيّره وتحركه وتأخذه إلى حيث تشاء . لا يفتعلها بل ينساق خلفها لأنه يتوحد منذ طفولته معها دون أن يفهم كيف ولماذا . أما ذاك الذي يفتعل الموهبة، فتجده يحاول إجبار الناس على الاقتناع به وتقبّله، لكنه يقف في الحلق كاللقمة التي لا يمكنك أن تبتلعها، وإن اضطررت إلى تقبلها يوماً، فإنك تلفظها في اليوم التالي .
يعيدنا برنامج اكتشاف مواهب العرب “عرب غوت تالنت” الذي تعرضه قناة “إم بي سي 4” حالياً، إلى الحديث عن هذه البرامج وما تقدمه للمشاهدين . ولا بد في البداية من الإشارة إلى أن كل الأحداث التي تعصف ببعض الدول العربية، لم تثن قنوات المنوعات عن عرض برامج فنية، وخصوصاً “إم بي سي” التي تحدت الأحوال العامة والتوترات السياسية وموجة برامج ال “توك شو” المنتشرة بشدة، وجنوح الناس نحو متابعة النشرات والقنوات الإخبارية، وراهنت على إنتاج وتقديم برامج لاكتشاف المواهب مثل “عرب آيدول” الذي تبعه مباشرة فور انتهائه برنامج “عرب غوت تالنت”، إضافة إلى البرامج المنوعة ومنها “نورت” الذي تقدمه وفاء الكيلاني .
الرهان ليس سهلاً، خصوصاً أنه يأتي خارج الموسم الرمضاني، وقد نجحت “إم بي سي” في تغيير الخريطة والمعادلة التي سارت عليها القنوات العربية لسنوات طويلة، وأعادت إلينا العهود السابقة، حيث كانت القنوات تجدد خريطتها البرامجية وفق المواسم الفصلية بين الشتاء والصيف، ووفق الإجازات المدرسية والعطل السنوية . وإذا بها تراهن اليوم على كسر الروتين وتقديم سلسلة من البرامج والمسلسلات، وتنجح في جذب المشاهدين إليها، ما يدل على أن الخروج من سيطرة الموسم الرمضاني مفيدة للجميع، ومطلب قديم حرص على تكراره الجمهور لكن الفضائيات لم تكن تعره أهمية، بحجة أن المعلن يريد ذلك . لكن ما تبين من خلال التجربة الحديثة، أن المعلن لحق بالخريطة الجديدة، وها هي الشاشات الناجحة لا تخلو من “زحمة الإعلانات”، كما أن المسلسلات التركية التي تجتاح الشاشات العربية، متخمة أيضاً بالإعلانات .
“عرب غوت تالنت” الذي عاد بموسمه الثاني مع لجنة تحكيم ظريفة قريبة من القلب، مكونة من الثلاثي: نجوى كرم وعلي جابر وناصر القصبي، يجذب الكبار والصغار لما فيه من تنوع للمواهب . وما نلاحظه أن لجنة التحكيم مختلفة هذه المرة، وقد أفادها تبديل عمرو أديب (لا نعرف إذا كان مقصوداً أم لا)، ليحل محله الفنان المبتسم صاحب البهجة الطفولية، ناصر القصبي . وأما اختلافها، فينبع من الدور الذي تلعبه اللجنة في بث روح حيوية في المتنافسين، من خلال تفاعلها معهم، بل نشعر بأنها تخلق أجواء حميمية بينها وبين المتنافسين من جهة، وبينها وبين المشاهدين من جهة أخرى، وهو ما ينعكس إيجاباً على البرنامج ويخرجه من النمطية . والملاحظ أيضاً أن الحوار والتفاعل بين المتسابقين وأعضاء لجنة التحكيم، وبين أعضاء اللجنة وبعضهم بعضاً، لا يأخذ طابع المشاحنات أو العداء، كما كان الحال مع لجنة “عرب آيدول”، أحلام وراغب علامة وحسن الشافعي . حتى “المناكفات” بين نجوى وعلي، لا تخرج عن أصول الحوار المحترم، بل هي محببة ويتابعها المشاهدون وكأنه مسلسل ينتظرون توالي أحداثه مساء كل جمعة . أما القصبي فيضفي لمسة “جميلة” -على حد تعبيره- على البرنامج، ويقع في المنطقة الوسطى بين الجنوح السلبي لعلي جابر برفضه لمعظم المواهب، والجنوح الإيجابي لنجوى التي تكاد تقبل الجميع . وبين هذا وتلك، يجد القصبي نفسه كفة الميزان التي يقف عليها تحديد مصير المتسابقين .
مجموعة ظواهر تبرز في الحلقات الأولى للبرنامج، بعضها إيجابي وبعضها سلبي . أهم الظواهر إقبال الشباب العربي على الأسلوب الغربي في الرقص والغناء وعودة ال “بريك دانس” وال “هيب هوب” وال “راب” . . ثانياً كثافة المتقدمين من دول المغرب العربي . ثالثاً مشاركة الفتيات في معظم الفئات من غناء غربي وشرقي وشبابي عصري، والرقص والشعر والعزف والمشاركة ضمن فرقة الطبول وفرقة ألعاب الجمباز وغيرها . .
السلبي من المظاهر، هو تكرار “العروض الخارقة” تقريباً في كل حلقة ومنذ بدء الدورة الثانية من البرنامج، والدماء التي تسيل من متباريها . متسابقون يأتون لعرض قدراتهم الخارقة في تحمل الألم من خلال الوقوف على الزجاج المكسور، وأكل الزجاج، وتحمل أثقال، والنوم على المسامير . . وآخر هؤلاء “سوبرمان المغرب” بائع الخضار الذي جاء يبرز “موهبته” في ليّ السيف بعينه، مرة وبجسده مرة، وتحمّل ما لا يمكن للمشاهد تحمله ولو بالنظر إليه . لجنة التحكيم تعترض وترفض هؤلاء المتبارين، لكنها تهاونت مع عبد الحفيظ المحورك الملقب ب “سوبرمان المغرب”، ومنحته فرصة الانتقال للمرحلة الثانية لتقديم شيء مختلف عن ليّ السيف وأكل الزجاج . . لم نفهم لماذا التساهل هذه المرة، بينما تم رفض من سبقوه علماً أنهم لم يكونوا أسوأ منه؟ وإذا كانت اللجنة تعترض على تقديم هذا النوع من المهارات، حتى لا تعترض لجنة حقوق الإنسان، كما قالت نجوى كرم، فلماذا يقبلون أساساً مشاركتهم في البرنامج؟ وهنا لا بد من التنبيه إلى أن البرنامج يحظى بمشاهدة نسبة كبيرة من الأطفال، لا سيما أن من متسابقيه أطفالاً من كل الأعمار . إذاً، لماذا لا يتدارك القيمون على البرنامج ما سيشاهده الصغار من مشاهد عنف، ويمنعونها قبل عرضها؟ فهؤلاء يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى المشاهدين الصغار، ويشمئز الكبير من رؤيتهم، كما لا نجد في تلك “المهارات” أي موهبة .
هنا لا بد من الإشادة باعتراضات علي جابر فهي ليست دائماً سلبية أو قاسية، بل يكون محقاً حين يعترض على بعض المواهب المستفزة .
المواهب الحقيقية تكون خارقة بلا عضلات ولا عنف، ولا تحتاج إلى مراجعة نفسك مرتين والتشاور مع معارفك عنها، فتحبها وتتحمس لها وتتمنى لها الوصول إلى الشهرة سريعاً، بل تسهم في الترويج لها في محيطك وكأنك متبنّيها . وهو ما يحصل كلما شاهدنا أحدها في برنامج اكتشاف مواهب العرب “عرب غوت تالنت” . ومن هنا يجب التركيز على هدف البرنامج في تقديم الفرصة المناسبة لأصحاب المواهب الحقيقية كي يقدموا أنفسهم إلى العالم، وإن لم يكن مصيرهم الفوز بالجائزة الكبرى، على أمل أن يجدوا من يتبناهم ويحسن تقديمهم في أعمال فنية جيدة، يحتاج إليها السوق العربي.