2012/07/04
علاء الدين العالم – تشرين
عملت السينما الهوليوودية بُعيد منتصف القرن الفائت على تشكيل صورة للبطل الامريكي الخارق الذي لايهزم، ويستطيع بذاته ووحده قهر جيوش جرارة، ويتمكن دوماً من الإفلات من الموت في آخر لحظة هذه الصورة التي كرستها هوليوود للبطل الأمريكي الخارق، كان مردها أسباب سياسية أهمها ترسيخ فكرة أن الأمريكي هو البطل العظيم الذي لايمكن قهره. واستطاع هذا البطل المكرَّس أن ينال إعجاب الكثير من المشاهدين، خاصة أفلام الاكشن.
مع بداية القرن الواحد والعشرين، بدأ الإعجاب بشخص البطل الأمريكي الخارق يتضاؤل، وذلك يعود لعوامل عدة أبرزها ملل المشاهد من هذا النوع من الأبطال الخياليين، مع العلم أن هذا التضاؤل لم يؤثر في حركة الإنتاج الهوليوودية في هذا الإطار.
إن أردنا البحث عن البطل الخارق في الدراما السورية، يتصدى لنا من المقام الأول أبطال ما يسمى بـ «دراما البيئة الشامية»، إذ يتميز بطل هذه المسلسلات بميزات عدة تجعل منه شبيهاً بذاك البطل الأميركي الهوليودي الذي لا يقهر، لكن باختلاف بنية شخصية هذا البطل، أي بطل مسلسلات دراما البيئة الشامية. ولعل المسلسل الأول الذي اشتغل على تظهير بطل مسلسل البيئة الشامية وطرحه بطلاً صنديداً لا يقهر كان مسلسل «الخوالي» سيناريو وحوار احمد حامد، إخراج بسام الملا، فبطل المسلسل «نصار ابن عريبي، بسام كوسا» هو بطل الحارة الثوري الذي يثور على العثمانيين وعلى ظلمهم وعلى استبدادهم، ويحضّر لعمليات ضد مخفر العثمانيين في حي الشاغور، بل يستطيع تكوين مجموعة من الثوار ساهمت، بشكل فانتازي، في القضاء على العثمانيين في دمشق.. إلى هنا «نصار» مازال ضمن حدود البطل وقّاد الذكاء الذي يتميز بصفات عدة أهمها قدرته على القيادة، لكن أي متتبع لخط سير شخصية «نصار» تظهر له، وبشكل جلي، تلك الصفات التي تجعل من «ابن عريبي» بطلاً خارقاً، فبالرغم من قلة عدد الثوار الذين يقودهم «نصار» إلا انه لا يتعرض إلى أي خسارة في أي من المعارك التي يخوضها ضد العثمانيين، ليس هذا وحسب، بل إن «نصار» هو ذاك الشخص الذي لا ينفك عن الخروج من قلب الموت بعد ان يتعرض لأكثر من رصاصة يستطيع الهرب منها، والمثال الأكبر على الإفلات من الموت هو المشهد الأخير الذي يقدر فيه «نصار» أن يفلت من حبل المشنقة بعد أن يأتي رفاقه في آخر لحظة وينقذوه, كل ذلك جعل من «نصار ابن عريبي» بطل مسلسل «الخوالي» بطلاً خارقاً.
أما في مسلسل «ليالي الصالحية» سيناريو وحوار احمد حامد واخراج بسام الملا، فان البطل الخارق في هذا المسلسل، إضافة إلى صفاته الجسدية المتمثلة بالقوة في القتال، لديه صفات نفسية تجعل من شخصية «المعلم عمر، عباس النوري» بطلا خارقا في الأخلاق، بمعنى أن الأخلاق والحكمة التي يتحلى بها «المعلم عمر» هي ما تجعل من شخص «عمر» بطلاً خيالياً سلاحه العقل، فـ«عمر» وعلى مدار ثلاثين حلقة لم يقع في زلل، فهو الحكيم الدائم، والصبور المتسامح مع ابن عمه «المخرز، بسام كوسا»، «عمر» هو الشخص الكامل الذي يجمع بين قوة الجسد ورجاحة العقل وسداد الرأي الذي لا يخطئ أبداً، وعلى الرغم من كل المظالم التي يتعرض لها «المعلم عمر» يحافظ على مبادئه، ولا يتنازل عن صلة القرابة مع ابن عمه المخرز مع أن الأخير كان قد سرقه واثر بشكل كبير على الحالة المادية لـ«عمر».
إن هذا الكمال المبالغ فيه على صعيد نفسية «المعلم عمر» هو ما جعل من هذه الشخصية بطلاً دمشقياً خارقا لا يمكن له أن يقع في وحل الخطأ بينما نجد أن حالة البطل الدمشقي الخارق في مسلسل «باب الحارة» إخراج الملا أيضاً، هي حالة ركز فيها الكاتب على الجانب العضلي والحركي للشخصية أكثر من التركيز على الجانب النفسي، لتكون شخصية «أبو شهاب، سامر المصري عكيد الحارة»، بطلاً خارقاً لا يهزم البتة. «أبو شهاب» من المستحيل أن يقدم رأياً خاطئاً أو يُقدم على فعل غير سوي، والاهم من ذلك، انه يتميز بقدرة جسدية (عجيبة) تساعده في تحقيق الانتصارات على الرجالات الآخرين الذين يتعارك معهم، لا يجرح، ولا يضرب، ولايهان، أثناء أي من معاركه البطولية مع أبناء الحارات الأخرى، هذا كله صقل شخصية «أبو شهاب» بصفات تمكنه من أن يكون بطلاً خارقاً بامتياز.
يكاد لا يخلو مسلسل دراما بيئة شامية من شخصية البطل الدمشقي الخارق الذي لا يهزم، والأمثلة كثيرة على ذلك، ابتداء بـ «الدبور» في مسلسل «الدبور» وانتهاء بـ«عبود» في مسلسل «رجال العز», وهذا الحضور للبطل الخارق إن دل على شيء فهو يدل على أن القائمين على عمل دراما البيئة الشامية يسعون وبشكل دؤوب إلى تكريس صورة البطل الدمشقي بهذا الشكل، ظناً منهم ان هذا الشكل الخارق، يضيف الكثير للإنسان الدمشقي، لكن في الواقع ان إظهار البطل الدمشقي بهذه الصورة يفقد مسلسل البيئة الشامية مصداقيته، المفقودة أصلا، ويغيّب الصورة الواقعية للثائر الدمشقي الذي تمكن في وقت من الاوقات من دحر المستعمرين، لكن من المؤكد أنه كان يخطئ ويخسر ويتعثر.