2012/07/04
عمار أبو عابد – تشرين
كل نجاح تحرزه قناة تلفزيونية سورية هو نجاح أكيد لسورية الوطن والنهج والفكر، وكل حضور ناجح لأي قناة سورية هو حضور للسوري في الداخل والخارج.
وإذا كانت الحرب التي تتعرض لها سورية الوطن ترتكز أساساً على حرب إعلامية همجية مضللة ومدفوعة الأجر، فإن امتلاكنا أيّ سلاح فضائي تلفزيوني، هو امتلاك لسلاح يتصدى لأهداف هذه الحرب ويحبطها. وعلى هذه القاعدة، فإن من حقنا أن نشعر بالفرح والارتياح، عندما تنجح كوادرنا ووسائلنا الوطنية في إحراز النجاح، وفي إعلاء صوت وحضور سورية على ساحة الإعلام الفضائي.
من هذا المنطلق، يشعر الناقد والمراقب المدقق أن قناة الدنيا السورية الخاصة قد استطاعت وفي وقت قصير أن تكرس حضوراً ناجحاً وفاعلاً على الساحة الإعلامية، وأن تلعب دوراً بارزاً في كشف خفايا التضليل الإعلامي، وفي تعرية قنوات الكذب وتأجيج الفتنة، وفي تسليط الضوء على من يطبخون وجبات التحريض والتضليل وإسقاط مصداقيتهم!
وإذا كانت هذه القناة الوطنية الخاصة قد أحرزت النجاح، وتواصل العمل لتعزيزه، فإن ما يلفت النظر هو أنها لم تفرّط بالمعايير المهنية والفنية للعمل الإعلامي، بل أقامت نوعاً من التوازن الدقيق بين الرسالة السياسية والفكرية ومتطلبات العمل التلفزيوني الناجح، وإن كانت قنوات الفتنة والتحريض قد استنفرت كل إمكاناتها وبرامجها لشن الحرب ضدنا طوال أربع وعشرين ساعة.
لقد كانت القاعدة في إعلامنا: عندما تكون هناك معركة أو احتفالية، نلغي كل البرامج والاهتمامات الأخرى لنتفرغ للمعركة. وقد يرى البعض أن هذا ضروري، لكن البعض الآخر قد يرى أن هذا تصرف مهني خاطئ ومتعسف. وربما يضيف هذا البعض الآخر أن المقاتل في جبهة القتال يجد وقتاً رغم كل المخاطر والضرورات ليغني منفرداً أو يرتاح متأملاً. وهو في طبيعة الحال يتناول طعامه ويأخذ قسطاً من الراحة، فإذا كانت ظروف الحرب بالنار لا تلغي جوانب الحياة الأخرى، فمن باب أولى أن أي معركة يخوضها الإعلام يجب ألا تلغي جوانب الحياة الأخرى.
وتلك هي الفكرة الناجحة التي أثبت صحتها قناة الدنيا، فهي مع بلائها الحسن في معركة الوطن الإعلامية الشرسة، لم تتوقف عن عرض المسلسلات وتقديم البرامج المنوعة، وبرنامجها الصباحي (صباح الخير على الدنيا).
وفي كل ذلك، فإن القناة تعتمد توازناً مميزاً بين متطلبات المعركة، واحتياجات الحياة اليومية الاعتيادية، فمع البرامج السياسية والحوارية والإخبارية تستطيع أن تشاهد مسلسلات درامية وبرامج منوعة وفنية، ما يعكس أجواء الحياة الطبيعية للمشاهد السوري، في وقت يخوض فيه معركة الدفاع عن وطنه وحريته وأمنه وأمانه، وتلك ميزة ذكية تسجل لقناة الدنيا. أما الهدوء، فهو يشكل ميزة أخرى في الحوارات السياسية وعرض الأخبار على نحو موضوعي، لكن ما يشكل نشازاً (مهنياً) في هذا التوجه هو تلك الخطابات الإنشائية الطنانة التي لم تعد تناسب العصر، وهي لحسن الحظ لا تشغل إلا دقائق معدودة من فترة البث.
انطلاقاً من هذه النظرة الإيجابية لمشروع إعلامي وطني يقوده القطاع الخاص، استوقفني برنامجان منوعان فنيان تبثهما قناة الدنيا، الأول: (دراما زوم) الذي تعده تهاني عبود وتقدمه ريم معروف ويخرجه باسل سليمان، ففي هذا البرنامج تذهب بنا المذيعة إلى محطات فنية متنوعة، تعكس الحراك الفني المتعدد في سورية، وفي الحلقة الأخيرة منه، توقفنا مع تغطية رحيل الفنان الكبير خالد تاجا، لننتقل إلى أجواء الدراما السورية من خلال مسلسل جديد لأيمن رضا والمخرج زهير قنوع يحمل عنوان (سيت كاز) ليقدم كوميديا شعبية بسيطة متخذة من محطة وقود مركزاً لأحداثها وحواراتها.
ثم يحملنا أثير الدنيا إلى محافظة حلب لنحط في عالم المسرح الحلبي مع مسرحية (الطاهي) للمخرج خالد أبو بكر وفناني حلب، يلي ذلك تقرير عن فيلم (حراس الصمت) لسمير ذكرى، وآخر عن فيلم (29 شباط) القصير للمخرج الشاب مهند كلثوم.
والحصيلة أن هذا البرنامج يقدم مجموعة تقارير ميدانية عن الحراك الفني السوري بشكل جميل. أما البرنامج الثاني الفني المنوع، فهو (ميديا) الذي يعرض على نحو يومي الأخبار الفنية المحلية والعربية والعالمية، حيث يقدم جرعات خفيفة فنية يتوقف فيها عند موجة الأفلام السينمائية القصيرة التي تتيح فرصاً للمخرجين والممثلين الشباب، ثم مسلسل (البرغوت) الذي يقوم ببطولته الفنان أيمن زيدان، وهو من أعمال البيئة الشامية، لينتقل من المحلي إلى العربي، فالعالمي.
وهذه الجرعات الفنية التي تقدمها قناة الدنيا إشارة إلى أن الحياة أو الدنيا لا تسير على سكة واحدة، بل لا بد من أن تكون متعددة الدروب، فنحن في إمكاننا أن نحيا، حتى ونحن نحارب في معركة مصيرية.