2012/07/04
سامر محمد إسماعيل – تشرين
كأن رحيل عدنان بوظو عام 1995 كان فاصلاً بين تاريخين، فالمعلّق الرياضي الذي كان يصرخ في ملاعب دمشق: «غووووول لسورية..غووول لسورية..
سورية إلى نهائي كأس العرب.. غوول لسورية.. أربعة سورية تلاتي مصر» لم يكن يعرف أن بعد رحيله بعام سيتم احتكار كل شيء، حتى هواء صرخاته المغرورقة بدموع مازالت تتردد في نفوس عشاق الكرة السورية، فكما احتكرت قناة «الجزيرة» الإخبارية الحقيقة، وصادرت العقل العربي، احتكرت قناة «الجزيرة الرياضية» كل بطولات الرياضة العربية منها والدولية، ولاسيما بعد أن اشترت حقوق بث شبكة ART مستكملةً بذلك خطتها في الهيمنة على حقوق العروض التلفزيونية، من بطولات كؤوس الأمم الأوروبية إلى بطولات كأس العالم والتنس والسلة وسواها من الألعاب والمنافسات الرياضية؛ نتذكر يا أستاذ عدنان شهقتكَ قبل اختراع جزر الرياضة, شهقتكَ السورية السورية.. لم تكن كرة القدم.. ولا نادي بردى الذي لعبتَ معه سنوات.. ولا الاتحاد الرياضي الذي ظلمكَ.. ولا مقبرة الدحداح التي تحتضن الآن رفاتك الطاهر هي هذه «الغووول لسورية» التي أصابت منك القلب بذبحة الحب.. الحب الذي لن يعرفه من أخذته اليوم برامج «الجزر الرياضية» هذه الجزر التي تتحكم اليوم بخزان هائل من حقوق العرض الحصري على أقمار النايل والعرب سات والهوت بيرد، هذه القنوات التي أخذت فيما أخذته أهم معلقي سورية الرياضيين، وفي مقدمتهم (أيمن جادة) الذي أسس «الجزيرة الرياضية» وتولى إدارتها، إضافةً إلى (منقذ العلي)، مع كثيرين عملوا مراسلين لهذه القناة من سورية مثل (محمد ذو الغنى) و(كامل نجمة) وسواهم.
لم تبقِ قنوات العرض الحصري على أهم الأصوات في التعليق الرياضي السوري، فكان (ياسر علي ديب) في مقدمة المهاجرين للعمل في شبكة تلفزيون أوربت، فيما غادر (مصطفى الآغا) بلاده لتقديم برنامجه «صدى الملاعب» على قناة الـ MBC ، في حين توارى (وجيه شويكي) عن برنامج «الأحد الرياضي» الذي كان يقدمه إلى جانب عدنان بوظو، لتظهر فيما بعد أسماء لمعلقين جدد لم يكن لهم كثير الحضور كمن سبقهم، على نحو الزملاء: «جوزيف بشور، إياد ناصر، موسى عبد النور» حيث جاء جيل جديد من المعلقين الذين يبذلون أقصى طاقاتهم من دون جدوى، وذلك بسبب سطوة إمبرياليات الإعلام النفطي الرياضي على أكبر قطاع من جمهور عشاق الملاعب، إقطاعيات نفطية أسست لإقطاعيات بصرية احتكرت كامل حقوق العرض، تاركةً تغطية بطولات الدوري «الحصرية» لتلفزيونات بلادها!. من هنا لم تعد القنوات الوطنية العربية، وفي مقدمتها التلفزيون العربي السوري وشبكة النيل المصرية، قادرة على مجابهة غيلان البث الفضائي الخليجي الذين نهبوا سوق الفرجة الرياضية، وأحكموا نفوذهم على كامل حقوق التغطية الحصرية عبر شركات الكيبل، وبدفق مالي هائل تجاوز مليارات الدولارات، مبالغ فلكية تم دفعها من قبل المال النفطي الجاهل، كانت خاتمتها «السعيدة» فوز الدوحة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، كأول دولة عربية تنال هذا السبق الدولي، لتكون دول مثل مصر وسورية والجزائر على قائمة انتظار طويلة ربما لن ترشحها لاستضافة حتى كأس العالم في كرة الريشة, فرغم عراقة هذه الدول في ميدان الكرة، ولمعان نجومها وحكامها ومعلقيها، ومنتخباتها الأولمبية في المحافل والبطولات الدولية، فإن ذلك ليس له وزن كما يبدو اليوم أمام منطق سوق العروض التلفزيونية الرياضية وطغمة المال النفطي. هكذا يفعل اليوم الغول البصري الخليجي المدعوم بأقوى إمبراطوريات الهيمنة الإعلامية والسياسية في العالم!!...، هكذا تضمحل برامج الرياضة على التلفزيونات الوطنية التي لم يعد لها لا حول ولا قوة في نقل المباريات ومنافسات دوري الكؤوس، وصار المعلق المحلي يرثى له ولحزنه المقيم داخل جدران استوديو بارد يعزله عن تلك الصرخات الهادرة التي كان يطلقها في “ملاعب الغد” صرخات غير قادرة على انتزاع وجعه الدفين عبر برامج لا تنتظم على شاشاتها القديمة، وهي في مواجهة تنين العروض الحصرية لن يؤاخذها أحد إذا علّقت على لعبة الدوري، أو مباريات ودية قائلةً: «أرضية زاحفة تعلو المرمى بثلاثة أمتار»!