2012/07/04
مارلين سلوم – دار الخليج
إنه موسم “الغزل الفني” . فبعد مغازلة “الأوسكار” للسينما الإيرانية واعترافها بالفرنسية والباكستانية، جاء دور الهند لتراقص هوليوود على أنغام موسيقاها وإيقاعاتها المميزة، جاعلة “بياض الثلج” ببراءتها وجمالها تغني “أي بليف إن لاف” أي “أؤمن بالحب” بطريقة استعراضية هندية جميلة ومبتكرة .
ليس مفاجئاً أن ترى إيشواريا راي في فيلم أمريكي، لكن الجديد أن ترى ممثلة بريطانية- أمريكية في فيلم أمريكي تغني كلمات إنجليزية بلحن هندي، كما حصل في فيلم “ميرور ميرور” الذي يعرض في الصالات حالياً . هذا الفيلم الذي أدت دور الملكة الشريرة فيه جوليا روبرتس والممثلة الشابة ليلي كولنز قامت بدور “بياض الثلج”، خلا من أي خليط أو تنوع في المدارس الفنية، وبدا أمريكياً صرفاً وملتزماً إلى حد ما بالأسطورة الطفولية “بياض الثلج”، حتى وصل إلى المشهد الأخير بعد زفاف “سنو وايت” بالأمير الوسيم، ليفاجئ الجمهور بالعروس تقدم استعراضاً هندياً . وكأنها تحية من المخرج تارسيم سينغ لبلده، وبصمة خاصة يتركها في قلب السينما الأمريكية، وقد تكون بداية تزاوج بوليوودي هوليوودي قد يثمر مزيجاً فنياً ناجحاً .
طبعاً هوليوود استقطبت نجوماً من كل الجنسيات طوال تاريخها، وشهدت نجاح عبقريات من مخرجين وممثلين وكتّاب غير أمريكيين، لكنها احتفظت في أفلامها بالطابع الأمريكي، بل أصرت على مر السنين أن تحمل فكرها إلى العالم “الآخر”، وتضع لمساتها وتوجهاتها السياسية في الأفلام التي تناولت قصصاً عربية أو شرق أوسطية أو آسيوية .
لا يمكنك أن تتحدث عن فيلم “ميرور ميرور” من دون أن تتوقف عند جوليا روبرتس التي تعوَّدت الكاميرا أن تحبها مهما بدت قبيحة، ومهما حاولت أن تلبس أدوار الشر والعبث . ولعل من جماليات الفيلم، أن روبرتس تظهر فيه بسنها الحقيقية لتبدو امرأة متصابية تحاول أن تخطف قلب الأمير لتتزوجه بدلاً من “بياض الثلج” . وتحترم هذه الممثلة لأنها وافقت على أداء هذا الدور والوقوف إلى جانب ليلي كولنز الجذابة الصغيرة، التي تسرق قلوب المشاهدين وتكسب تعاطفهم معها . وتزداد “بشاعة” روبرتس كلما تقدمت الأحداث وازدادت تعقيداً، لنراها بأقبح وجه كعجوز شمطاء شاحبة اللون في نهاية الفيلم، يخاف من رؤيتها الصغار ويخبئون وجوههم كي لا تزورهم في كوابيس نومهم ليلاً .
المخرج تارسيم سينغ أعطى الأسطورة مسحة من الكوميديا والفانتازيا الجميلة، لكن يبدو أن ملامح الفتاة البريئة الساذجة بدأت تتغير في السينما كما في الواقع، وظهر ذلك الانقلاب جلياً في القصص الخيالية التي يعاد إنتاجها سينمائياً حديثاً . ففي “ميرور ميرور” تتمرد “بياض الثلج” على سذاجتها التي عرفناها في الرواية التقليدية، وتتعلم أصول القتال والدفاع عن النفس على أيدي الأقزام السبعة، لتقاتل أشرار الملكة وتستعيد مملكتها ووالدها وحبيبها . وتأتي نسخة أخرى وفي التوقيت نفسه لنرى فيها التمرد العصري نفسه للفتاة البيضاء، في فيلم “بياض الثلج والصياد” عن سيناريو للإيراني حسين أميني ومعه إيفان داورتي، وإخراج روبرت ساندرز . وتؤدي تشارليز ثيرون دور الملكة الطاغية، التي لا تتحمل طيبة “سنو وايت” (كريستن ستيورات)، وتأمر بقتلها الفتاة . “بياض الثلج” في رواية أميني تلتقي بالصياد الشاب (كريس هيمسوورث) فيدربها على فنون القتال، لتهجم على المملكة مع الأقزام السبعة، وتقضي على الملكة .
فيلم “بياض الثلج والصياد” يميل أكثر إلى الأكشن ويبدو قاتماً إلى حد ما على عكس الكوميدي “ميرور ميرور”، وننتظر وصوله إلى الصالات لنرى اللمسة الإيرانية في الفيلم الأمريكي، وإذا ما جاء دور إيران اليوم لتغازل هوليوود .
* * *
“الغزل الفني” لا يقتصر على السينما، فها هي قنواتنا العربية تغازل تركيا، وتفتح الأبواب واسعة لتنتقل من عرض المسلسلات إلى الأفلام التركية، في ظاهرة فريدة من نوعها، حيث أعلنت قناة “إيه آر تي أفلام 1” عن عرض سلسلة من الأفلام التركية، بدأتها بفيلم “عشق بالصدفة” . فهل تنجح التجربة كما نجحت درامياً، علماً أن تركيا لا تشتهر بإنتاجها السينمائي كما هو الحال في الدراما التلفزيونية، ولا ندري على ماذا تراهن “إيه آر تي”؟
هل هو “حريم السلطان” الذي فتح شهية القنوات على البحث عن الأفلام لكسب جمهور جديد؟ علماً أن البعض راهن على “حريم السلطان” في زمن تحررت فيه الحريم من عبودية الجسد ومن أفكار سجنتها سنوات داخل البيت ومنحتها أدواراً صغيرة في المجتمع، وهضمت الكثير من حقوقها، والغريب أنه كسب الرهان . هل هو عشق الجمهور لكل ما هو تركي والذي بدأ مع عصر “مهند” وامتد إلى عصر “السلطان”؟ طبعاً هناك جماليات في الدراما التركية تشد المشاهد إليها، ومنها التصوير الخارجي والصورة التي تراها أقرب إلى السينما منها إلى الدراما التلفزيونية . لكن، ما السر في “حريم السلطان” كي يجذب كل هذا العدد من المشاهدين ومن مختلف الفئات المجتمعية؟
من المؤكد أن المسلسل لا يخلو من العيوب، وأهمها تهميش الكثير من الجوانب التاريخية للدولة العثمانية ولتلك المرحلة من حكم السلطان سليمان بن سليم الأول، عاشر سلاطين الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، لنرى الأحداث في غالبيتها تدور حول الحريم ومكائدهن ودورهن الخفي في حياة السلطان . والطريف أن النساء يشكلن غالبية مشاهدي المسلسل، ويحددن مواعيدهن اليومية وفق توقيت عرضه .
غريبة مزاجية المرأة، تعشق عصر الحريم وتنادي بالتحرر وبالحقوق، وتغضب من استغلالها في الإعلام وفي الإعلانات . أليست هي المروّج الأول لكل السلع، من السمنة والزيت إلى الصابون والأحذية؟ وهي عنصر جذب لبعض الأفلام والبرامج؟
* * *
الفنانون يتّحدون و”يتغازلون” غنائياً، وهو غزل مطلوب وصحي . فبعد موجة الحروب الفنية التي اشتعلت على كل الجبهات وفي كل الدول العربية، وكاد لا يفلت منها نجم كبير أو صغير، تبدل المشهد لنرى منذ أسابيع قليلة مجموعة من الفنانين تتبادل التهاني وجلسات الغناء . بدأنا نسمع فناناً يدافع عن زميله وزميلته بعدما تشبّعنا تهكمات وكلاماً مرسلاً عبر الصحافة بين المتنافسين وكأن الحقد يملأ قلوب أهل الفن ولا مكان للسلام فيها .
ظاهرة جميلة نتمنى أن تدوم وتنتشر فيرحمنا أهل الفن من الشتائم والكلام المهين والفضائح التي وصلت إلى مداها، وكنا نخجل من قراءتها فما بالك بالتلفظ بها؟ فهل هناك أجمل من مشهد نجوى كرم تغني على مسرح برنامج “أراب أيدول” في حلقته ما قبل الأخيرة وتقدم “ميدلي” رائعاً ممزوجاً بأغانٍ لها ولراغب علامة وأحلام، لتخلق حالة فنية راقية في تلك الأمسية؟ وهل أجمل من سماع “ديو” راغب وعاصي الحلاني وتواكبهما نجوى وينضم إليهم كوكبة من الفنانين غناء ورقصاً؟
“الغزل الفني” مباح وصحي ويدل على رقي أهله، ففي النهاية الساحة تتسع للجميع، والموهبة تفرض نفسها أينما كانت، فهل استطاع أحد أن يزيح أم كلثوم عن عرشها حتى الآن وهي غائبة جسدياً منذ سنين؟ أم هل جاء من يشطب من ذاكرتنا عبدالحليم وفريد وعبدالوهاب وفايزة ونجاة وغيرهم؟
لا أحد يشطب أحداً، والرواد الأوائل يفرضون أنفسهم على مر الأجيال، لكن يبقى للجدد متسع من الأماكن ليملؤوها طرباً وفناً.