2012/07/04
ميسون شباني – تشرين
المكان بدت إطلالته كأنه يعانق الشام ويحتضنها، ويحمل جمالاً بصرياً يؤكد صورة دمشق بوجهها وبيوتها وتاريخها كبصمة حاضرة في السينما والدراما،
بينما كان طاقم التصوير يتحضر لدخول المشهد الأول. أما المخرجة سهير سرميني فقد بدأت بالشرح عن جمال المكان وبدت عليها علامات الرضا التام عن خيارها قائلة: هنا الشام وهذا المكان يوثق جمال وجه الشام وأنا أرى الشام بشكل بصري جميل جداً، وأحاول البحث عن الشكل الجميل أو أي شيء جديد يشدني ويسحرني بكل تفاصيله.
نعم المرأة حاضرة بقوة وهي موضوع فيلمي الرئيسي، هكذا بدأت المخرجة سهير سرميني حديثها عن فيلم (عرائس السكر) من تأليف ديانا فارس في تجربتهما الثانية بعد (لكل ليلاه) والذي امتاز ببصمته الأنثوية أيضاً الفيلم من بطولة كل: سلمى المصري، لمى إبراهيم، نجلاء الخمري، عدنان أبو الشامات، غادة بشور ولأول مرة الفنان المطرب سامر كابرو وتقوم مروة الجابي بتجسيد دور الطفلة التي تحمل حالة داون سيدروم. وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
وقد بدأت المخرجة سرميني عمليات التصوير منذ أيام ضمن مدينة دمشق وريفها وستكون مدة تصوير الفيلم ثلاثين يوماً.
عن أهمية الفيلم وخصوصيته تؤكد سرميني بأن فكرة الفيلم غير مطروقة في السينما سابقاً، رغم أن هذا النوع تم طرحه عبر الدراما السورية والعربية عبر أكثر من حالة، ولكن هذا أول فيلم سينمائي عربي يُقدم عن متلازمة داون، وهو يدخل عوالم اجتماعية بالغة الخصوصية، ويحاول بشكل شفاف ولوج حساسيات إنسانية، إضافة إلى أن هناك عناية في التفاصيل الخاصة بهذا المرض عبر فتاة تدخل مرحلة البلوغ والتحولات الفيزيولوجية التي تطرأ عليها كأي فتاة عادية طبيعية ومعاناة هذه الطفلة في الحياة والبيئة والمجتمع وحتى المدرسة، وسنتابع البعض من ضعاف النفوس الذين قد ينظرون إليها بشكل آخر وبطريقة خاطئة، وسيكون هناك تطرق بسيط لموضوع الدمج وإمكانية حدوثه عبر أحداث الفيلم، وهو يحمل رسالة إنسانية هادفة. صحيح أن هناك جهات مهتمة بهم ولكنهم بحاجة إلى دعم اكبر وهؤلاء الأطفال لهم راع غالباً ما يكون الأم أو الأب ولكن إذا لم يكونوا موجودين ستكون هناك مشكلة بالنسبة لهم وهو السؤال الذي نطرحه هنا، لذا نسعى عبر هذا الفيلم أن يكون هناك توجه للعناية بهم بشكل اكبر والتفكير بهم أكثر على المدى البعيد لأن هناك حالات كثيرة في المجتمع لا إنسانية وحالات لا يمكن التطرق إليها أو الحديث عنها ولا أحد يسمع بها, رأيتها من خلال بحثي مع الكاتبة ديانا فارس لذا أردنا طرح هذه الحالة سينمائياً.
وحول اختيار الفتاة مروة كبطلة للفيلم تضيف المخرجة سرميني: أثناء كتابة النص شاهدنا الكثير من الأطفال الذين لديهم حالة متلازمة داون وكانت مروة الأكثر إدراكاً واستطعنا تطويعها عبر البروفات بروح النص كان هناك العديد من الاستشارات الطبية والنفسية لمثل هذه الحالات، إضافة إلى انه تم تدريب الفتاة ببروفات مكثفة مع كل الممثلين في أداء المشاهد وهي لا تملك أداء كلامياً كثيراً بل تم التركيز على الأداء الحركي ومعنا مشرفة مختصة ترافقنا في فترة التصوير فهناك كلمات يكون من الصعب نطقها نستبدلها بشيء آخر لكي تكون واضحة المعنى والحقيقة أنني سررت جدا بالنتيجة خاصة أن الفتاة متجاوبة وإدراكها جيد بالنسبة لبقية الحالات، وهي من الأطفال ذوي الإدراك الجيد ومنذ عامين ونصف وأنا أتواصل معها لأن هذا مشروعي رغم أننا مررنا بالكثير من الصعوبات إنتاجياً خاصة عندما كان العمل تلفزيونياً إلا أن الظروف اختلفت عندما تحول إلى السينما وخلال هذه الفترة استطعت تعميق العلاقة مع مروة أكثر.... وعن سبب تحويله إلى السينما والظروف التي مر بها لفتت سرميني إلى أن الفيلم اخذ فترة عامين ونصف وكانت ديانا تكتب من خلال البحث المكثف وقدم على أنه مادة تلفزيونية وان هناك إحدى الجهات التي تدعمه، ولكن لظروف معينة تحول إلى فيلم سينمائي وطُلب تغيير الصفة من سيناريو تلفزيوني إلى سيناريو سينمائي، وهذا له علاقة بالنص المكتوب أي تحويل السيناريو من دراما إلى سينما وشيء له علاقة بالصورة، وهنا تصبح الحاجة إلى التخفيف من الحوار وزيادة الصورة البصرية كنص، لذا الاختلاف يكون ابتداء من السيناريو السينمائي الذي يعتمد على الصورة وعلى كثير من التفاصيل بحيث تكون كل لقطة وكل مشهد وكل تفصيل موظفاً بشكل مدروس في الفيلم, فالعرض السينمائي مختلف عن الدراما التلفزيونية من حيث التأثير واللغة وهذا ما اشتغلت عليه ديانا فارس وبهذه الطريقة تمت الموافقة عليه وأتمنى أن يظهر بالشكل المطلوب. وبخصوص البصمة الأنثوية الواضحة في الفيلم تجيب سرميني: هناك شيء له علاقة بالروح الأنثوية وخاصة أن هناك نوعاً من التوافق بيني وبين ديانا فهي عندما تكتب فكرة ما دائما نتناقش فيها وهذا الفيلم يحمل كل شيء أنثوي وشيئاً له علاقة بالأم وبأم نديم تحديدا والدة مروة والتي هي أنثى بالنهاية رغم قلة الإدراك لديها، وله علاقة بالأخت التي تمر بإشكالات كثيرة هؤلاء ثلاث إناث، إضافة إلى أن الحديث في الفيلم يتم عبر حالة خاصة من خلال علاقة مروة بأمها وهي علاقة اهتمام من قبل الأم التي تقوم بواجبها بأعلى المستويات، ومعاناة هذه الطفلة وموضوع فقدان الملاذ الآمن والراعي الوحيد لها الذي يكون بمثابة نكبة كبرى لها.. وحول علاقتها بالكاتبة ديانا فارس تقول: علاقتي بديانا هي نوع من التوافق الفكري بيننا إضافة إلى أنها صديقة وأنا أشعر أن عملي وعملها يكملان بعضهما البعض وهذه حالة من الشراكة بيني وبينها ونحن الاثنتان شريك لعمل واحد وبعد فيلم (لكل ليلاه) اجتمعنا في فيلم (عرائس السكر) وما شدني إليه هو أنه يحمل في طياته رسالة إنسانية هادفة إلى المجتمع.
وعن كيفية انتقائها لمواقع التصوير ومدى مقاربتها لروح النص قالت: المكان تم انتقاؤه بعد مشاهدة العديد من الأمكنة، وقمنا بجولة ميدانية أنا وديانا أحب اختيار الأماكن الغنية والتي هي موظفة بالفعل للتصوير في هذه الأجواء، وقمنا باستطلاعات كثيرة لهذا المكان وتم تعديل بعض الديكور وأجزاء من الحارة أيضا وكل ما له علاقة بتصوير الفيلم وهناك عملية ربط كاملة بعدة أمكنة على اعتبار أن الحالة تتحدث عن المدينة التي تعيش في حارة شعبية ودائماً أرغب باختيار الأماكن التي أستطيع توظيفها دراميا في عملي وارتأيت أن هذا المكان يضيف إلى معاناة أم نديم والدة مروة المصابة بمتلازمة داون، إضافة إلى الجمالية البصرية التي توثق لهذا المكان في دمشق وأعتقد أن هذا المكان يقارب روح النص وأستطيع توظيفه للحالة وللشخصيات التي تتحرك في هذا المكان .
ديانا فارس: المرأة موضوع «عرائس السكر»
الكاتبة ديانا فارس أكدت أن فيلم عرائس السكر موجه لشريحة كبرى من مجتمعنا فالمرأة التي هي موضوع الفيلم، سواء أكانت البنت مروة التي تعاني من حالة طبية (متلازمة داون) أم أمها السيدة الأرملة الصابرة والمعطاءة، والتي تكابد وتجاهد حتى في أضيق الحلقات الاجتماعية صغراً حتى توفر لابنتها مروة الحياة الكريمة والطبيعية التي تتمناها لها . كذلك يعرض الفيلم نموذجاً نسائياً مستقلاً يتمثل في شخصية غادة، شقيقة مروة، التي عانت من رفض حبيبها للزواج بها بعد علمه بأن أختها تعاني من حالة داون، ومن ثم زواجها من رجل أرمل له ولدان، ورفضه إنجاب المزيد من الأطفال من زوجته غادة. ولعل هذه المسألة تهم الكثيرات من النساء في مجتمعنا اللواتي يتورطن في حالات زواج مشابهة، وتكون العقدة الدرامية في الفيلم في الصراع الذي سينشأ عند غادة بين الحفاظ على بيتها وزواجها على حساب أمومتها التي ستحرم منها.
المرشدة الاجتماعية: موجودة للتوثيق السلوكي
المرشدة الاجتماعية نبال عوض تقول: أنا موجودة هنا كحالة توثيق سلوكي أي المساعدة في إخراج الانفعالات التي يتطلبها المشهد لكي يبدو أكثر واقعية وأكثر إقناعاً، رغم أن مروة بالحياة العادية إنسانة إدراكها جيد ولكن موضوع التمثيل بالنسبة لأي شخص طبيعي هو صعب فكيف بالنسبة لمروة وهذا شيء جديد عليها ومطلوب منها استخراج انفعالات معينة من فرح وحزن في بعض المواقف، وهذا الشيء سنتابعه عبر الفيلم ومروة كانت متجاوبة جدا أثناء البروفات وهي لا تعتبر طفلة داون متأخرة مثل أقرانها بل تعتبر بالتوازي مع أقران عاديين أي هي بمستوى جيد وطبيعي تقريبا ولم تظهر صعوبة كبرى في هذا الموضوع..