2012/07/04
بشار إبراهيم – دار الحياة
لا دليل للمشاهدة التلفزيونية في عالمنا العربي! ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه وعلى رغم مرور وقت مناسب على هذه التجربة، قارب نصف قرن من الزمان، إلا أنه ليس ثمة مواعيد ومواقيت محددة في علاقة المشاهد بالشاشة، ولا في التلاقي بينهما. فمن أبرز سمات هذه المشاهدة، لدى الكثير من المشاهدين، أنها قائمة في جوانب واسعة منها، على أشياء من الارتجال والعشوائية، الأمر الذي يجعلها في الغالب تقع بالمشاهد العربي بين حدّي الإفراط والتفريط!
فإذا كان الإفراط يتمثّل في أن يقبع المشاهد العربي أمام شاشات الفضائيات ساعات طويلة، وأوقات مديدة، متنقلاً بين محطة وغيرها، دونما دليل، وعلى غير هدىً، متأملاً بالعثور على ما يريده، أو يناسبه، فيمرّ على عدد مما لا يريده ولا يناسبه، من برامج أو أعمال، وتكون النتيجة أن يضيّع الوقت، دونما فائدة تُذكر.. فإن حدّ التفريط سيحرم المشاهد من أن يكون في الوقت المحدد، والموعد المعيّن، للمتابعة التي لا ينبغي أن تفوته.
بين هذا وذاك؛ بين إفراطه وتفريطه، يبدو المشاهد في العالم العربي وكأنه مستسلم لما يمكن أن نسميه «علم غيب الفضائيات»!... يلوم نفسه ويؤنّبها، إذ يجد أنه كان مفرطاً، هدر أوقاته في ما لا يجديه نفعاً، بعد ساعات من التقلّب على الزجاج البارد لشاشات، تكاد تكون من صفيح... ويصفق كفاً بكفّ ندماً وحسرة، لدى اكتشافه التفريط الذي أدّى به إلى إهداره فرصة مشاهدة عمل نافع، كان له أن يقدّم منفعة ما!
ربما ما زال يبدو لبعضهم أنه لا مناص للمشاهد من المرور على عشرات المحطات، ريثما يقع اختياره على واحدة منها، ويستكين إليها، توهّماً أن ذلك من طبيعة المتابعة الفضائية، ولذلك فإن من الواجب تبيان أن هذا ليس صحيحاً، أبداً، وبالتالي فإن الارتجالية أو العشوائية ليست من سمات المشاهدة الفضائية، ولا هي قدرها المحتوم! ثمة ما ينبغي للمشاهد أن يفعله بهذا الصدد. وثمة ما ينبغي للمؤسسات أن تفعله أيضاً، بخاصة أن الكثير من القنوات الرصينة وجدت سبلاً فعالة، وطرقاً عملية، لتنظيم عملية المشاهدة المنتظمة، لدى جمهورها، وتأسيس ما يمكن أن ندعوه «ثقافة المشاهدة»، تلك التي تجعل المشاهد قادراً على تحديد ما يريد، ويكون معه على الموعد.
بعيداً من الإفراط والتفريط، وفي المسافة المتوازنة بينهما، تنشأ «ثقافة مشاهدة» تجعل مشاهدنا العربي يعرف ما الذي يريد مشاهدته، ومتى، وعلى أيّ شاشة؟ وتمكّنه من أن ينجو من العشوائية والارتجال، والوقوع صدفة على مشاهدة غير منتظرة!
أضحت الفضائيات جزءاً من حياتنا، ولا يجوز أن يبقى المشاهد تائهاً، وحائراً على إيقاع أزرار جهاز التحكم «الريموت كونترول»، وأمام شاشات، لا يعرف هذا الصباح، ماذا سيشاهد عليها في المساء.