2012/07/04
سهام خلوصي – الكفاح العربي
"لو كانت مارغريت تاتشر اميركية لكان انتج عنها ما يفوق الخمسة عشر فيلماً". يقول منتج فيلم "Iron Lady" أو "المرأة الحديدية" الذي يتحدث عن أول امرأة بريطانية، وهي الوحيدة حتى الآن، تسلمت رئاسة الحكومة وحكمت بيد من حديد.
ولتجسيد امرأة استثنائية على الشاشة كان لا بد من نجمة استثنائية هي ميريل ستريب بالطبع، التي اثارت الاعجاب العالمي بدورها وحازت عليه الاوسكار كأفضل ممثلة للعام 2011. كيف حضّرت ميريل ستريب للدور؟ وماذا عن الفيلم ورؤياه عن المرأة الحديدية؟
ميريل ستريب الممثلة الاميركية جسدت شخصية مارغريت تاتشر البريطانية. فاستطاعت أن تحظى باعجاب الجميع خصوصا الصحافة البريطانية، لناحية تقمصها للشخصية وأدائها لها شكلاً ولفظاً وحتى الحركات. الصحافة البريطانية لم تكن راضية عن الفيلم ككل، ولكنها كانت راضية عن اداء ميريل ستريب للمرأة الحديدية. واستحقت عن هذا الاداء جائزة الاوسكار لأفضل ممثلة. كما استحقت قبلها جائزة "الغولدن غلوب" والـ"بافتا" (الجائزة البريطانية الموازية للأوسكار).
ميريل ستريب التي تدهش الجمهور والنقاد وتتفوق على نفسها من دور الى آخر. رشحت حتى الآن لسبعة عشر مرة لجائزة الاوسكار. وفازت بالاوسكار مرتين في بداية مهنتها، المرة الاولى في العام 1980 عن فيلم "كرامر ضد كرامر" حيث فازت بأوسكار افضل ممثلة في دور ثان، والمرة الثانية في العام 1983 عن دورها في فيلم "خيار صوفي" حيث فازت بأوسكار افضل ممثلة. واليوم ها هي تفوز بثالث اوسكار لها عن افضل ممثلة في تجسيدها للمرأة الحديدية. في بريطانيا حيث كان اول عرض لفيلم "المرأة الحديدية" (وهذا تكريم لبلد مارغريت تاتشر) اثار الفيلم الكثير من الانتقادات العدائية، ان كان من جهة عائلة تاتشر والموالين لها وان كان من جهة منافسيها السياسيين. المقربون من تاتشر انتقدوا مخرجة الفيلم وهي البريطانية فيليدا ليود لأنها وصفت شخصية عجوز وقريبة من الموت. أما المنافسون فقد تعجبوا من حجب المظاهر الاكثر يمينية في سياستها.
الواقع ان الفيلم ليس مديحا وليس انتقادا للسنوات الاحدى عشرة التي قضتها تاتشر في السلطة (من 1979 حتى 1990) حيث كانت تاتشر المرأة الوحيدة في مركز رئاسة الوزراء في تاريخ انكلترا.
تقول المخرجة فيليدا ليود: "اعتقد ان الناس سيفاجأون كم ان هذا الفيلم بعيد عن السياسة. هذا ليس هدفنا... وتضيف:
"عندما قرأت السيناريو فهمت رأساً انني لست بمواجهة فيلم سياسي ولكن اكثر بمواجهة قصة شكسبيرية نوعا ما، قصة مصير قائدة وقصة استثنائية غير عادية".
وتتابع: "مارغريت تاتشر كانت نجمة استثنائية لذلك وجب اختيار ممثلة استثنائية كي تجسدها. ميريل تفهم اكثر من اي كان هذه الوحدة الملازمة للسلطة. كنت احببت ان التقي مارغريت تاتشر او اولادها، ولكن لم تتح لي الفرصة لذلك. كنا واعين ان الموضوع حساس وفعلنا كل ما في استطاعتنا كي تكون "البورتريه" لائقة بها. بعد هذا نحن لا نستطيع ان نمنع عائلتها من ان تكون متشككة تجاه الفيلم.
على العموم، تضيف فيليدا ليود: "المرأة الحديدية" فيلم لا يبحث عن الحديث في السياسة، ولا على البرهان ان تاتشر كانت على خطأ او على صواب. انه اضاءة اكثر شكسبيرية عن ثمن السلطة، عن الوحدة التي تفرضها هذه السلطة، وعما يحدث بعد فقدان السلطة قبل ان ينتهي المرء معزولا في الشيخوخة".
المرأة الحديدية اذاً فيلم يحكي حياة مارغريت تاتشر منذ الطفولة، عندما كانت ابنة تاجر، وصعودها في العالم السياسي ـ وهو عالم رجالي او ذكوري ـ حيث كان عليها ان تصارع من اجل ان تجد مكانها.
انه يحكي ايضا شجاعتها السياسية، وعنادها وإرادتها الثابتة، وأحيانا طبعها العنيد المتصلب الى اقصى حد، وكل ذلك جعل منها شخصية محترمة ومكروهة في الوقت نفسه.
ولكن الرهان الذي اخذه الفيلم كان الانطلاق من المرحلة الحالية، مستخدما الفلاش ـ باك للتحدث عن الماضي. اذاً نحن ننطلق من مارغريت تاتشر كما هي اليوم اي في عمر 86 سنة المعتزلة في منزلها والمصابة بمرض الزهايمر، والتي تفقد أحيانا الذاكرة، معتقدة انها تتحدث الى زوجها (المتوفي).
وكل هذا جسدته ميريل ستريب بأداء فائق الدقة وبعظمة مدهشة. وإذا كان الفيلم حظي بنقد سلبي، إلا أن اداء ميريل ستريب حظي بالمديح والثناء من كل الجهات.
تقول ميريل ستريب:
"عندما اعلمتني فيليدا ليود (المخرجة التي ادارتها في فيلم "Mama Mia") انها تحضر لفيلم عن مارغريت تاتشر قلت لها رأسا: اريد ان أكون في هذا الفيلم. كم من الممثلات لديهن الفرصة لتجسيد اول امرأة غربية اصبحت رئيسة حكومة؟ واعتقدت ان لدي الوقت الكافي لأحضر نفسي، ولكن مرض زوجي وخضع لعدة عمليات صعبة، ثم فقدت افضل صديقاتي. ولكن اخيرا عندما ذهبت الى لندن في كانون الثاني (يناير) 2011 اقفلت على نفسي الباب لأسبوع كامل وعملت 24 ساعة في اليوم كي اغوص في حياة تاتشر ومحاولة أن استجمع الشخصية وان احدد كل معالمها. وفي اول يوم من التصوير كنت جاهزة".
كيف حضرت للشخصية؟
تقول ميريل: "لقد اشتغلت كثيرا على الصوت. فعلى مدى الاعوام تعلمت تاتشر ان تتحدث بشكل مختلف، ان تجعل رنة صوتها اكثر عمقا وأن تتحكم بنفسها من اجل ان تقدر على التعبير عن ذاتها بشكل اطول امام الجمهور. كان عليّ اذاً ان امتلك صوتين: الصوت الذي كان لها في بداية مهنتها السياسية والذي كان ناعما بعض الشيء وخفيفا، والصوت الذي يمكنه من رنة واحدة أن يشيع سلطة جنونية. لذلك بدل ان اختار مشاهدة مقاطع تلفزيونية، فضلت أن استمع الى احاديثها. وعندما امتلكت الرنة الملائمة رحت اقرأ اشعارا وخطابات لشخصيات اخرى كي تصبح الرنة كأنها طبيعة ثانية لدي. كان علي أن "افكر" بهذا الصوت كما لو كنا نتعلم لغة ثانية".
اما بالنسبة الى الشكل فتقول:
"كانت لدي افكار محددة عن مظهرها، وأنا أعرف انه بالتركيز على بعض التفاصيل المحددة سيكون اسهل عليّ أن اشبهها، طريقتها في المشي، بالنهوض وبالجلوس، كيف تضع رجلا على رجل، وضعية رأسها عندما تناقش. كل هذه الاشياء كانت مهمة".
لماذا قبلت ميريل ستريب الفيلم؟ تقول:
"أنا لم ألتزم بهذا الفيلم من اجل دعم برنامج مارغريت تاتشر السياسي. اعترف انه قبل هذا الفيلم كنت اعرف قليلا عن سياستها. وقراراتها السياسية لا تهمني إلا بقدر ما اثرت في حياتها الخاصة وعليها ككائن بشري".
مارغريت تاتشر امرأة سياسية استثنائية تركت علامة في تاريخ بلادها. وهي ذات مسيرة لامرأة ليست كالأخريات. هذان الوجهان للشخصية هما ما يركز عليهما الفيلم الذي لم يعمل لتغيير رأي الموالين ولا المعارضين للمرأة الحديدية.
تتابع ميريل: "رؤيتي عن المرأة التي كانتها مارغريت تاتشر تغيرت بعد تجسيدي هذا الدور. حتى لو انني ما زلت لا اتوافق مع الكثير من مظاهر سياستها، إلا أنني أحترم ما انجزته، وقدرتها الفائقة والغير عادية على النجاح في المنافسة. أتمنى أن ترى الفيلم كما اردناه: محاولة لاستيعاب سعة حياتها وتحديد مكانتها في التاريخ".