2012/07/04
حوار : ريم خياط – البعث
لعل في الإ صغاء لكلام الموسيقار سهيل عرفة متعة تماثل الاستماع لألحانه ، فهو مثقف كبير واسع الأفق يمتاز بمنطق سديد وحدة في رفض الخطأ وعدم السكوت عنه، وهذا ما نتوق إليه في الكبار، إنه قامة كبيرة جدا في عالم الفن، وهو الحاصل على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
عندما قابلناه في مكتبه بالمهاجرين في دمشق لم يحدد زمناً للمقابلة ، كان راغبا في التأكيد على وجهات نظره التي اطلعنا عليها من أرشيفه عبر الكثير من المقابلات التي أجريت معه ولقد رأينا في ذلك حباً للوطن الحريص على ازدهاره وللفن التواق إلى وضعه على سكة الإبداع والعطاء النوعي المميز، ولأن الأستاذ عرفة نجم كبير في عالم التلحين وواحد من الكبار كان لنا معه هذا الحوار.
< ما هو سر نجاح الأغنية ...؟
<< سئل الفنان محمد عبد الوهاب وهو أستاذ الجميع، هذا السؤال فكان جوابه: اللحن، وبرهن على صحة إجابته بقوله إننا لا نفهم كلمات الكثير من الأغنيات الأجنبية التي نحبها، فنحن نعجب بلحنها أولاً، لكنني لا أنفي دور الكلمة الجيدة والصوت الممتاز وحالياً ثمة معطيات أخرى مثل التوزيع الجيد في الاستديو وطلة الفنان وقبول الميكرفون للصوت .
< هل يعني ذلك أنه علينا الاهتمام بالملحن للوصول إلى أغنية جيدة ؟
<< نعم يجب الاهتمام بالملحن السوري لأن الملحن يلحن بلهجته وهو من يعطي الهوية الحقيقية للأغنية.
< وكيف نصل إلى الملحن الجيد ...؟
<< الموهبة أولاً..يجب أن يكون موهوباً، لكن الموهبة لوحدها لا تكفي، يجب على الموهوب أن يتعلم،أنا درست على يد موسيقيين كبار أمثال ميشيل عوض متخصص بالموسيقا الشرقية ومطيع المصري متخصص بالموسيقا الغربية، كنت أذهب إلى بيت كل منهما وأتعلم أصول وقواعد التلحين وقراءة وكتابة النوطة الموسيقية. صحيح أنه في أيامنا لم تكن المعاهد الموسيقية موجودة، ولكن هؤلاء الأساتذة الكبار علمونا وكانت الإذاعة السورية مدرستنا، أنا بدأت التلحين في العام 1958 عام الزخم القومي العربي الكبير والجماهير التي تنبض بها الشوارع والحارات، وكان لحني الأول يا بطل الأحرار غناه المرحوم فهد بلان كأول أغنية من أغانيه مع الكورس، في الإذاعة السورية كانت توجد فرقة فنية هامة جداً هي الثانية بعد فرقة الإذاعة المصرية وكان في الإذاعة الكثير من الكبار المتمكنين والذواقة وكانوا ينتقدون أعمالنا ويصححون لنا مسارنا، وفي العام 1963 فتحت ثورة الثامن من آذار الأبواب لكل الموهوبين ولحنت أغنية من قاسيون أطل يا وطني لدلال الشمالي التي حققت شهرة واسعة جداً، وقد كانت إذاعة دمشق قبلة الفنانين العرب وأولهم اللبنانيين و منهم عاصي ومنصور الرحباني وفيروز ووديع الصافي كلهم بدؤوا من إذاعة دمشق
< الآن الزمن تغير وبتنا نملك عدة معاهد لتعليم الموسيقا منها المعهد العالي للموسيقا فهل هذا السبيل إلى الملحن الجيد...؟
<< قلت لك الموهبة أولاً لكنها لا تكفي يجب دعمها بالعلم، بيد أن تعليم شخص غير موهوب موسيقياً هو مثل محام أو مهندس فاشل، إذا لم تحب مهنتك لن تنجح، فالفن بحاجة إلى من يحبه وإلى صاحب مشروع فكري وطني.
أنا لست ضد الأكاديمي ولكن الأكاديمي في بلدنا ليست له علاقة بالموسيقا الشرقية أبداً، فأنا عندما أعلم ابني أعلمه اللغة العربية أولاً ثم اللغة الانكليزية، وفي المعهد العالي للموسيقا يدرّسون الموسيقا الغربية، هكذا كان الأمر في المعهد الموسيقي الذي أسسه المرحوم صلحي الوادي وغدا هذا النهج تراثاً، وتعمق الكره للموسيقا الشرقية.
< أنت ملحن كبير وموسيقي مهم فلماذا لا تقوم بتدريس الموسيقا الشرقية في المعهد العالي للموسيقا؟
<< أنا ملحن ولست معلماً ليس لي "خلق" على التدريس و لم يطلبوا مني ذلك، أنا أحترم الفرقة السيمفونية فهي إنجاز كبير وحضارة، ولكن لا توجد عندنا موسيقا شرقية حاولنا مراراً تأسيس فرقة موسيقية شرقية مثل فرقة الإذاعة في الزمن الجميل ومنذ عشر سنوات لكننا لم نستطع تحقيق هذا الهدف .
< برأيك كيف نستعيد الزمن الجميل زمن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، زمن الأغنيات الرائعة والألحان المبهرة، ومن خبرتك الكبيرة كيف يمكن أن نصنع فناً جيداً...؟
<< يحتاج الفن إلى ثلاثة عوامل : الكرم ثم الكرم ثم الكرم ...!
أي "مصاري ثم مصاري ثم مصاري" لا أستطيع أن أعمل فناً عظيماً بالقروش، تعالي نتساءل: لماذا لا يقدم تلفزيوننا برنامج منوعات مثل أي برنامج منوع في فضائيات لبنان، وسورية دولة كبيرة...؟ السبب هو التكاليف .
لقد استضافني الفنان زاهي وهبي في برنامج خليك بالبيت وكانت ضيفتي أمل عرفة ابنتي، أقمنا في فندق خمس نجوم وكان زاهي ومساعدته يأتيان لعندنا يفطران معنا ويلحان أن نتغدى معاً في أرقى المطاعم وكان زاهي يقول لي أنا أريد أن أعرف كيف يفكر سهيل عرفة كيف يأكل وكيف يضحك، وقد سألته: أنت تنفق الكثير من أجل برنامجك فهل لديك كل هذا التمويل؟ أجابني معي( كارت بلانش) أي مسموح لي أن أصرف ما أريد لينجح البرنامج، أما الفنانون الذين يستضيفهم (لمدة ساعة ) فإنهم يحصلون على خمسة آلاف دولار إضافة للإقامة والحفاوة !!
الإعلام والفن يحتاجان إلى سخاء في الإنفاق من أجل النجاح والوصول إلى أعمال نوعية مبهرة، ولو كنت صاحب قرار لجعلت ميزانية الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون خمسين مليار ليرة وليس ثلاثة مليارات، ولو أننا بهذه الثلاثة مليارات لا نستطيع أن نعمل أي شيء، وأكرر إننا دولة كبيرة وقوية ولا نعاني من ديون خارجية .
أنا عندما استلمت مهرجان الأغنية كانت ميزانيته 14 مليون ليرة سورية انكسرنا دفعت للملحن ولو كان هاوياً دفعت للمؤلف حتى ولو كان هاويا ورأيت أن هذا المطرب (المتسابق) يحتاج إلى 25 ألف ليرة ثمن طقم يلبسه والمطربة تحتاج إلى فستان بالمبلغ ذاته ، أعطيتهما فقال لي الفنان صباح فخري (وهو حبيبي وصديقي) يجب ألا نعطيهم مالاً نحن نقدم لهم فرصة، فقلت له أي فرصة، نحن لم نكن ننتج الأغنية فنياً بشكل جيد ولم نكن نحولها إلى أسطوانة أو شريط أو قرص مدمج.
< ومن وجهة نظرك لماذا لمعت الدراما السورية؟
<< لأنها إنتاج قطاع خاص ، أخذت حقها من الإنفاق المالي، المسلسل الآن يكلف الملايين والفن ليس شحادة، لقد قامت القيامة عندما صرفنا 1،5 مليون ليرة في مهرجان الأغنية زيادة عن الميزانية، المدراء السابقون كانوا يعيدون المال من الميزانية ذاتها إلى الخزينة ، لماذا؟
أعطوا الناس حقهم كي يبدعوا وعندما منحني السيد الرئيس وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة وجه رسالة إلى أصحاب القرار للاهتمام بالملحن وبالفنان بشكل عام، كما أنني أكن للسيد الرئيس بشار الأسد الاحترام والتقدير والمحبة لقد أعطانا الكثير وسعى إلى النهوض بالفن في بلادنا و أنت تعلمين أن الفن أساس الحضارة وأساس النصر عندما يتراجع الفن تتراجع السياسة وتتراجع أخلاق الناس .
لقد طلبت من السيد الرئيس إنصاف الفنانين لجهة التقاعد حيث كان تقاعد النقابة رمزياً يضيف مبلغاً على الراتب التقاعدي للفنان من مؤسسته أو وزارته ليصبح مساوياً لراتبه يوم كان موظفاً، ولقد استجاب السيد الرئيس و أصدر قانوناً منحنا بموجبه تقاعداً كاملاً إضافياً مقداره خمسة عشر ألف ليرة، كما كنا قد طلبنا إصدار قانون حماية حقوق المؤلف وصدر فعلاً لكنه لم ينفذ للأسف الشديد، فلو نفذ هذا القانون لظهرت شركات في سورية قادرة على بيع نصف مليون "سي دي" ناجح قياساً إلى عدد السكان ، بينما الشركات في لبنان لا تبيع أكثر من 50 ألفاً، ولو نفذ القانون لظهر الكثير من المطربين الشباب لأن صناعة النجم مهنة وأغلب المطربين يذهبون إلى مصر لأنها تحسن صناعة النجوم.
نحن في سورية لا نعرف أن نصنع نجماً إنما نحطمه، إنها عقدة الخواجة حماية حقوق المؤلف موجودة في الوطن العربي وأنا عضو في الجمعية ومقرها باريس أشارك فيها منذ الستينيات عن طريق لبنان، وعندما أنجزنا أغنية "غنوا معنا يا أطفال العالم" في إيطاليا كان من شروط الاشتراك في المسابقة أن يكون المؤلف والملحن عضوين في جمعية الحقوق في باريس ولم يكن الشاعر عيسى أيوب رحمه الله عضواً فأحضرت له هوية عن طريق بيروت وأصبح عضواً في الجمعية وحصل على حقوق كثيرة منها، لأن قانون الجمعية ينص على أنه كلما أذيعت أغنية يحصل المطرب والملحن والمؤلف على تعويض.
< لقد حققت الطفلة هالة الصباغ في تلك الأغنية نجاحاً ملفتاً وهي من ألحانك أين أصبحت الآن...؟
<< كان المهرجان في إيطاليا اسمه النقود الذهبية تشرف عليه الكنيسة ويذهب ريعه إلى أطفال العالم الفقراء، شارك في المهرجان 14 دولة وكانت سورية الدولة العربية الوحيدة وفزنا بالجائزة الأولى، وكان يتوجب على الطفلة هالة وكان عمرها 10 سنوات في العام 1999 أن تغني باللغة العربية ثم بالإيطالية وقد دربناها هناك وهي تعمل مع رواد الطلائع، لأنها لا تستطيع أن تعيش من الفن الأصيل والعمل مع الطلائع أفضل لها من العمل في المطاعم.
< لكننا خسرناها كصوت مميز نحن بحاجة ماسة إليه...؟
<< نحن بخلاء على بعضنا، ألم أقل لك إننا نحطم النجوم ...؟
< تبدو أستاذ سهيل متشائماً وأنت الكنز ويجب أن تؤسس لمستقبل أفضل للأغنية فلماذا التشاؤم ...؟
<< أنا لست متشائماً لو كنت متشائماً لما كنت لحنت ولكنت مكثت في البيت علماً أنني أذهب دائماً إلى إذاعة دمشق، ومكتبتي الغنائية موزعة في كل الإذاعات العربية لكنني بالفعل سئمت الكلام عن الحلول، تكلمت كثيراً والمهم أن ينفذوا ما قلته.
لقد أصبحت الأغنية مثل محرمة الورق تمسح دمعتك وترميها ، فقدت هويتها، تحولت إلى فيديو كليب على "الفضاحيات" وأنا أعني ما أقول لأن الأب يخجل أن يشاهد الأغنية مع ابنته.
< هل أنت مرتاح في حياتك ...؟
<< أنا أغنى رجل في العالم لأنني درّست أولادي مجاناً، أمل درست في المعهد العالي للفنون المسرحية وهي الآن فنانة مشهورة لو كنت سأرسلها إلى باريس لكان يجب أن أنفق عليها الملايين، ابني عادل طبيب أسنان، وعندما كنا صغاراً كان الأطباء أبناء العائلات الغنية، اليوم الطبيب، المهندس، المحامي، الصحفي يمكن أن يكون ابن عائلة فقيرة وهنا أتساءل لماذا لا ترى المعارضة هذه الحقائق ...؟
وأنا من مواليد دمشق 1935 أشعر أنني أغنى رجل في العالم لأنني أحظى بالاحترام والتقدير في وطني ولأنني أحب بلدي وأتفانى في خدمة الأجيال الجديدة .