2012/07/04
راسم المدهون - دار الحياة
حين سمعت ذلك للمرة الأولى اعتبرته مجرد خطأ حدث بسبب التباس ما عند مذيع البرنامج، لكنني ومن خلال متابعة الفضائيات العربية (على اختلافها) وجدته يتكرّر كثيراً إلى الحد الذي بتُ أعتبره خطأ مقصوداً. أتحدث بالتحديد عن مخاطبة ضيوف برامج الحوارات السياسية والفكرية بلقب «دكتور».
المسألة ببساطة أن كثراً من الذين أسبغت عليهم تلك الفضائيات لقب دكتور أعرفهم، وبعضهم من أصدقائي الشخصيين، ولا يضيرهم أو يقلل من شأنهم وشأن ثقافتهم أنهم لم ينالوا تلك الدرجة العلمية التي نتفق جميعاً أنها دلالة أكيدة على تخصص ما حققه صاحب اللقب بعد معاناة ودراسة طويلة في الجامعة. هل هي الرغبة في إضفاء هالة الأهمية لمنح الضيف ومعه البرنامج حافزاً أكبر عند المشاهدين للمتابعة؟
يقول بعض الأصدقاء أنه لقب يقارب مناداة العامة لأي متعلم بلقب «أستاذ» احتراماً لدراسته وتعليمه، ومع ذلك تظلُ المسألة بحاجة للتدقيق: أن يقال «دكتور» معناه أن صاحب اللقب يحمل اختصاصاً ما في أحد فروع العلم أو الدراسات الإنسانية، وهذا بحد ذاته يضعه (في أذهان المشاهدين على الأقل) في مقام العارف بل صاحب الكلمة الأخيرة الحاسمة في الموضوع المطروح للنقاش. السؤال هنا يتعلق بجدارة المشاركة في الحوارات التلفزيونية، وما إذا كانت تحتاج حقا إلى تلك الألقاب وتالياً الشهادات العليا وما تشير إليه من اختصاص؟
هي أيضاً إحدى الإشارات اللافتة إلى نوع من الفوضى و»اللهوجة» التي تعيشها برامج الحوارات المفتوحة في بعض قنواتنا الفضائية العربية، فوضى ولهوجة تحيلان الى نوع من الخداع الذي لا يشبه «الكذب الأبيض» كما يمكن أن يقول قائل في تبرير تلك الظاهرة.
مع ذلك فالخلط يولّد خلطاً، ففي لقب «دكتور» ذاته يجري تعميم آخر بين من يحملون اللقب باعتبارهم نالوا درجة الدكتوراه في اختصاص ما، وبين الأطباء عموماً. وهو خلط ينبع من مناداة العامة للطبيب بلقب الدكتور، وهو يساهم بدوره في إرباك المسألة أكثر وأكثر.
كيف تستضيف فضائية ما أحداً لا تملك شيئاً من سيرته الذاتية؟
ولو صحّ أنها لا تعرفه فعلاً فلماذا تستضيفه؟ وعن أي شيء يتحدث؟
أسئلة لا نظنها عابرة أو هامشية لأننا نعتقد بأن المسألة أصلاً ليست عابرة ولا هامشية.