2012/07/04
عدنان حبال - الوطن السورية
هو فرع مهم جداً من فروع الإنتاج التلفزيوني لدى أي بلد متطور. وهو فرع كبير ومستقل إدارياً ومالياً عن غيره من فروع الإنتاج، وأن ميزانيته السنوية تفوق ميزانية أي فرع منها بكثير، لأن الأطفال واليافعين يشاهدون التلفزيون فترات أطول بكثير وعلينا بدلاً من أن نمنعهم وننهرهم، إعداد وإنتاج البرامج والأعمال الدرامية المناسبة لهم في إطارات جذابة من التسلية والمتعة والضحك بحيث يمكنهم أيضاً حسب أعمارهم وعقولهم أن يستخلصوا منها النتائج والعبرة والفائدة... علينا أن ندخل الفرح إلى قلوبهم والمعرفة والعلم إلى أذهانهم في آن واحد.
إن العاملين لدى التلفزيون التربوي في البلدان المتقدمة يعتمدون على نخبة مختارة من أفضل الكتاب والمخرجين والفنانين الكبار والصغار الموهوبين وهؤلاء يتعاونون تعاوناً وثيقاً مع علماء التربية والمجتمع والمعلوماتية.. وأعترف بأننا مقصرون، سواء في سورية أو في الوطن العربي كله من هذه الناحية، إننا نعامل الأطفال وكأنهم مخلوقات متخلفة عقلياً وغبية أو ساذجة لدرجة أنها لا تدري ولا تسمع ولا تفكر إلا ما يخص طعامها وشرابها ولعبها ونومها.
أما أعمالنا الدرامية التربوية فهي إما نصوص سطحية تعليمية مباشرة أو حكايات اسطورية خيالية يتصارع فيها الخير المطلق ضد الشر المطلق وتنتهي حتماً بانتصار الأول دون سبب عقلاني مقنع، بحيث يطمئن الأطفال المشاهدون ويستسلمون لهذا الانتصار وحتميته القدرية، ويتكلون عليها حتى تفاجئهم الحياة فيما بعد بصراعاتها الواقعية ومشاكلها المعقدة دون أن يكونوا قد أعدوا لمواجهتها، وثمة قبل كل شيء خطيئة أساسية هي أن دراما الأطفال بمعظمها لا تميز بين فئات الأطفال وفق أعمارهم ودرجات فهمهم ووعيهم ومقدار تعليمهم.. إنها تخاطب الجميع باللغة نفسها توجه إليهم النصائح المباشرة المجردة:
- افعلوا هذا الأمر واتركوا ذلك...
- أحبوا هذا الشخص واكرهوا ذلك!
- لا تعترضوا على ما يأمركم به الأهل والمعلمون ولا تناقشوه، بل نفذوه بصمت وانصياع... وهكذا كما أن القيم الأخلاقية والاجتماعية غالباً ما ترتبط عندنا برباط واحد هو التعاليم الدينية والتقاليد الموروثة فالصدق حلال، ثوابه الجنة والكذب حرام وعقابه النار.. وكم يخاف أطفالنا من النار وعذابها الأليم دون أن يذكروا أو يذكروا بأن الله غفور رحيم وتواب وعادل وإنه هو الذي خلق البشر ولا يريد لهم إذا آمنوا به سوى الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم إن علينا أن نميز بين فئات الأطفال واليافعين وفق أعمارهم وهي:
1 – فئة الطفل الصغير الذي لم يبلغ سن دخول المدرسة بعد، أي إن عمره لم يتجاوز السنوات الست هذا الطفل يحتاج إلى برامج خاصة لا يشاهدها غيره ولا يشاهد غيرها (ويتم ذلك طبعاً بتوجيه الأهل دون إكراه) وهذه البرامج تلبي رغبات الطفل الأساسية في اللعب والضحك كما تهدف إلى إثارة فضوله العلمي والمعرفي وتحثه على التفكير وطرح الأسئلة بقصد التعرف على العالم الذي يعيش فيه، دون أن تقحمه في هذه الفترة داخل صراعات الخير والشر وتعقيداتها وتفسيراتها المنطقية والعلمية لأنه ما زال غضاً طرياً قد لا يتحمل قسوتها أو لا يتفهم أحداثها ومقولاتها.
2 – فئة الطفل الذي دخل المدرسة الابتدائية وسيبقى فيها حتى التاسعة أو العاشرة من عمره، وصار الآن تلميذاً يتعلم يومياً المزيد من القراءة والكتابة والرياضيات والتاريخ ويتعامل مع الحاسوب، لقد أثارت المدرسة المزيد من فضوله واهتماماته وكشف أيضاً بمساعدة الأهل ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، عن مواهبه وقدراته وراح يطرح بالتالي المزيد من الأسئلة حول مواضيع مهمة أخرى أكثر تعقيداً مثل الولادة والموت، الكون والوجود، الدولة والمجتمع وهو لا يكتفي غالباً بإجابات تتوخى الحذر والبقاء على السطح وتخشى التعرض للدين أو التقاليد.
إن هذه الفترة من عمر الطفل مهمة وحساسة جداً وعلينا وأعني نحن العاملين في الإذاعة والتلفزيون، أن نعالج المفاهيم والقيم التي آمن بها الطفل في المدرسة، بأسلوب واقعي وفكري مختلف علينا أن نقنعه مثلاً أن الصدق سيفيده في حياته القادمة ويسبب له النجاح والسعادة وأن الكذب سيؤذيه شخصياً ويعود عليه بالضرر قبل غيره. ولا يجوز لنا الاكتفاء بالتعاليم الدينية والترغيب في الجنة والترهيب من النار، علينا أن نشرح له ونقنعه بأن حب الوطن هو في الوقت نفسه حب الإنسان لنفسه وأهله ورغبته في حياة حرة كريمة لا يفسدها تسلط الغرباء الأشرار المعتدين، وأن الحرية الفردية هي تحقيق الإرادة واختيار القرارات وتنفيذها بشرط ألا تتعارض مع حرية المجتمع والوطن والأمة وقراراتهم العامة بما فيها القوانين والأنظمة التي تنطبق على الجميع دون استثناء.
إن على الإنتاج التربوي التلفزيوني أن يكون داعماً أساسياً مهماً للعمل التربوي الذي تقوم به المدرسة، أو يفترض أنها تقوم به إلى جانب الأهل في هذه الفترة من عمر الطفل.
3 – الفئة الثالثة هي فئة اليافع الذي يتراوح عمره بين التاسعة والسادسة عشرة وقد انتقل من زمن الطفولة إلى زمن المراهقة وتعلم الكثير نسبياً وكون لنفسه شخصية وملكية وأسراراً خاصة مستقلة وصار يلتقي بأصدقاء جدد صغار ويناقش معهم ويقوم على ما يراه حوله من أشياء وظواهر اجتماعية لقد نما إحساسه بالجمال والذوق العام ونقيضها القبح والشواذ صار يشعر بالقوة والضعف، بالصحة والمرض وبغير ذلك من المتناقضات لقد نما عقله وذكاؤه وتطلع للبحث في مواضيع تهم الرجال والنساء كالحب والكراهية، الثروة والفقر، الحكم والطاعة، التعاون والانعزالية، التفوق والتقصير، الاجتهاد والإهمال والثقة والشك وهكذا علينا قبل كل شيء احترام عقل وإحساس هذه الفئة من الأطفال وأن نتجنب خطر الاستخفاف بهم أو السخرية منهم، بل علينا منذ الآن معاملتهم نداً لند وأن نحترم آراءهم ونناقشها معهم بموضوعية وصبر، إن على برامجهم وأعمالهم الدرامية أن تكون عميقة ما أمكن وبعيدة عن المباشرة والوعظ والشعارات وتفضل الأعمال الدرامية المكتوبة خصيصاً لهم اقتباساً أو تأليفاً سواء عن حكايات اسطورية قديمة أو قصص واقعية معاصرة دون أن يكون أبطالها أطفالاً بالضرورة، وثمة صيغ متعددة تتيح للطفل من هذه الفئة أن يناقش ما يسمعه ويراه ويعلق عليه بصوت عال وأمام الكبار من أصحاب العلم والخبرة في المواضيع المطروحة ولاسيما مواضيع الحب والزواج والأسرة، والوفاء والخيانة، والنجاح في المهنة أو الفشل، والتفاؤل والتشاؤم والجد والعمل والطموح مقابل التبلد والخنوع، والانخداع بالوهم مقابل الحرص والحذر وهكذا.. كما تبدأ في هذه الفترة العمرية ومرحلة التوعية الوطنية والسياسية الناضجة، ولكن بالموضوعية والواقعية ودون إملاء فوقي أو ترهيب أو مبالغة.
هذا هو التلفزيون التربوي الذي يتمناه الفنانون في سورية وقد جلسنا مراراً وتحدثنا في التفاصيل ووصلنا إلى نتيجة مفادها أن الاهتمام الجاد ببرامج التربية التلفزيونية يساهم بفعالية في إنشاء جيل شباب المستقبل ورجاله ونسائه بناء على المبدأ الطبي العربي القاتل: درهم وقاية خير من قنطار علاج، كما اعترفنا بأن إنتاج دراما الأطفال في سورية جيد نسبياً من حيث النوعية لكنه غير كاف من حيث الكمية والأشكال الجذابة المتوخاة.. إنه يحتاج إلى الاستقلال ابتعاداً عن الرقابة البيروقراطية وإلى مزيد من الدعم المادي والمعنوي والإبداعي.. واختتمنا حديثنا بمسألة اللغة التي تتكلم بها برامج الأطفال فاتفقنا بسرعة على أنها ستبقى العربية الفصحى السهلة المتطورة والممتنعة على الغرق في بحر اللهجات واللكنات المحلية، بحيث يفهمها الجميع صغاراً وكباراً ويحبونها وتجمع بين قلوبهم من المحيط إلى الخليج.