2012/07/04
صحيفة تشرين
يروي الفنان أسعد فضة تجربته الشخصية كمن يروي تفاصيل فترة مهمة في تاريخ المسرح السوري، أرسيت خلالها البنية التحتية للحركة المسرحية في سورية خلال نحو نصف قرن لم تثمر عن حراك مسرحي لافت وحسب، وإنما أسست لحالة فنية على صعيد السينما والتلفزيون والإذاعة، وأفرزت نجوماً للدراما السورية ذاع صيتهم في كل أنحاء الوطن العربي.
ولعل من مفارقات الاستماع للفنان أسعد فضة، والتي تدعونا لتقدير تجربته، هو أن هذا الأخير كان كلما أعلن عن نيته الحديث عن تجربته الشخصية، سرعان ما يغادر التفاصيل الشخصية ليتحدث عن الشأن الفني العام السوري الذي عمل فيه منذ سنوات مبكرة من عمره، ولم يغادره إلا بعد فترة طويلة أعطى خلالها من سنوات عمره الكثير للحركة الفنية، ولا غرابة في ذلك، سيعلق الفنان فضة في نهاية مداخلته، فـ «مسيرة عملي كانت في الشأن العام، وحياتي كذلك، ولا يمكن أن أفصل بين الشأن العام والعمل الإبداعي، ولا يمكن أن أكون مبدعاً في شغلي وفي فني ما لم أكن مبدعا وناجحاً في عملي الإداري».
نقيب الفنانين السوريين السابق، وأبرز من تولى مهام إدارة مفاصل العمل الفني في سورية، رجل المسرح ونجم التلفزيون الأول أسعد فضة كان على موعد مع جمهور مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما في الإمارات العربية المتحدة، في ندوة أدارها الشاعر والزميل الإعلامي زاهي وهبي، حيث بدأ الرجل حديثه عن البذرة الأولى التي أنبتت في قلبه حب الفن، كان ذلك في مدرسته الخاصة في مدينة اللاذقية، حيث كان عليه أن يتعلم الفرنسية، كما يقتضي منهاج مدرسته، من المسرح الفرنسي، فتعرف على مسرحيين فرنسيين كبار من أمثال موليير.. ولم يكن قد تجاوز مرحلة دراسته الثانوية بعد، ويبدو أن هؤلاء قد أثاروا في قلب الشاب الرغبة بأن يصاحب الفن ويعشقه، وهو الأمر الذي ظهر جلياً حين اختار التمثيل والإخراج مادة لدراسته العليا المتقدمة، رغم أن مجايليه كانوا يسعون في ذلك الوقت إلى دراسة الطب.
نتيجة الوحدة بين سورية ومصر، ستبدأ دراسة أسعد فضة من القاهرة ومنها سينتقل إلى باريس لمواصلة دراسته العليا، كان ذلك في بداية الستينيات، وكان الجو الثقافي في مصر وقتها في أوجه، الأمر الذي ساعد فضة في أن ينهل علومه من أساتذة كبار منهم نبيل الألفي ومحمود مرسي، ومحمد مندو... وعلى يد هؤلاء تعرف على كبار المسرح العالمي، واطلع على عروض مسرحية محلية وعالمية أغنت تجربته.
في سورية، سيبدأ أسعد فضة مشواره العملي الحقيقي.. يقول الفنان فضة: كانت وزارة الثقافة وقتها حديثة العهد، وكان علينا أن نهيئ كل شيء من أجل العمل في المسرح، ولم يكن في دمشق وقتها سوى مسرح القباني، فسعينا لبناء مسارح، وريثما ننجز المهمة لم يكن أمامنا مفر من البحث عن مكان بديل، وهو ما وجدناه في سينما الحمراء... فجعلنا منها مسرحاً وبدأنا بالبحث عن البنى التحتية الأخرى اللازمة لعملنا، فأسسنا مجلة الحياة المسرحية وتواصلنا مع الصحف الرسمية لدرجة أن إحدى الصحف المحلية خصصت لنا صفحة أسبوعية كنا نكتب فيها أنا والراحل سعد الله ونوس.
مع بدء العمل في المسرح، سيرى أسعد فضة أن المسرح السوري لم يزل يحتاج لاستحقاق أساسي إنشاء معهد عال للفنون المسرحية، و«من دونه كنا نجزم بأننا لن نتقدم»، يقول فضة، «فاشتغلت على إنشاء المعهد، وفي الطريق إلى إقرار إنشائه، جعلنا المسرح القومي بمنزلة أكاديمية، فكان كل عرض يجري فيه يتحول إلى دورة تدريبية للمشتغلين فيه».
إلى فرنسا سيسافر أسعد فضة لمتابعة دراسته العليا، وسيغيب سنتين قبل أن يستدعيه وزير الثقافة بين العامين 1966-1967 ليتولى مهام إدارة المسرح القومي، حيث نجح في تفريغ الممثلين خصيصاً للعمل في المسرح، وبدأ العمل على النصوص المسرحية، ابتداء من النصوص العالمية .
طموح أسعد فضة تجاوز إنشاء المعهد وتنفيذ مسرحيات سورية إلى إقامة مهرجان مسرحي عربي، يقول الفنان فضة: أردت أن نجتمع كأسرة عربية مسرحية في دمشق، فكان مهرجان دمشق المسرحي الذي أطلقته نقابة الفنانين في سورية، ومن خلاله استطعنا أن نعرض المسرح السوري في البلدان العربية، وكان المهرجان من دون جوائز لذلك كان المهرجان مهرجان حب وإبداع وسهر، ومن خلاله اكتشفنا مبدعين عرباً هم اليوم نجوم للمسرح العربي.
مع انتقاله إلى إدارة مديرية المسارح والموسيقا في سورية، قام أسعد فضة بتأسيس المسرح التجريبي في سورية، وقد تحمس الكاتب الراحل سعد الله ونوس للفكرة، وتولى إدارة المسرح التجريبي، وخصص مسرح القباني له.
حتى العام 1976، يقول أسعد فضة: كنت قد ضربت بالعمل في التلفزيون عرض الحائط، ولكنني كنت أعمل في الإذاعة في برنامج يومي اسمه «الأرض الطيبة» والذي استمرت إذاعته نحو سبع سنوات، إلى أن جاء المرحوم محمود دياب بنص «انتقام الزباء» وقدمه للتلفزيون بشرط واحد هو أن يجسد أسعد فضة شخصية زبداي.. ومع هذا الدور بدأت تجربتي في التلفزيون.
في هذه الفترة اشتغل أسعد فضة للمسرح عدداً من المسرحيات منها «الملك هو الملك» و«سهرة مع أبي خليل القباني» ويبدو أنه اختص وقتها بمسرح سعد الله ونوس.. كما قدم «عرس الدم» للوركا.. وعدداً من النصوص المسرحية السورية.
في العام 1976، وخلال أيام مهرجان دمشق المسرحي، أعلن عن إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية، وتولى التدريس فيه إلى جانب أسعد فضة الراحل فواز الساجر.. وقد تم اختيار مبنى لمحافظة دمشق في دمر مكاناً للمعهد، وتم اختيار الدفعة الأولى للمعهد التي تخرجت وقدمت للفن السوري أشهر نجومه منهم الفنانون أيمن زيدان، جمال سليمان، فايز قزق وآخرون.
كتب أسعد فضة للمسرح كما مثّل فيه وأخرج له... ويقول الرجل إنه في كل مسرحياته كان يتوخى التوازن بين ما هو جماهيري وما هو فني.
في التلفزيون سيعمل أسعد فضة وفق آلية اختيار دقيقة لأعماله، فكان انتقائياً لما يعرض عليه من نصوص.. وقد ساعده الاختيار -كما يقول- على تحقيق النجاح في التلفزيون.
أما السينما، ورغم إنتاجها القليل، فقد عمل أسعد فضة في أكثر من فيلم سينمائي.. واستطاع الرجل أن ينال جوائز على أعماله فيها.. ومن تلك الأعمال: «ليالي ابن آوى» و«رسائل شفهية» و«قمران وزيتونة» و«القلعة الخامسة».
مداخلات الندوة تركزت في معظمها على أهمية تجربة الفنان أسعد فضة وعلى جاذبيته ممثلاً، وملهماً لمن يقف أمامه، فضة، وعلى أنه واحد من الأساتذة الكبار.. فيما قال الفنان فضة، رداً على أسئلة المتداخلين: إن الفنان عندما يصاب بالإحباط يخسر المعركة، والفن لا ينفصل عن الواقع وكل فنان يقرأ الواقع وفقاً لتجربته وثقافته وانتمائه .