2012/07/04
ثناء عليان - تشرين
محمود خضور وجه مسرحي لأكثر من ثلاثين عاماً، اشترك بمكان الولادة «حصين البحر» في محافظة طرطوس مع عملاقين، واحد في الرواية والآخر في المسرح. وهما حيدر حيدر وسعد الله ونوس، اللذان كانا لهما شأناً في توجهه، بعد عودته من موسكو عرّفه «ابن البلد» حيدر حيدر على الكاتب الكبير ممدوح عدوان ليشكلا ثنائياً بعد ذلك، شغلا خشبة المسرح في سورية لزمن طويل وبقيا معاً حتى وفاة الأخير
بدأ خضور مشواره من خلال المسرحية الذائعة الصيت «هاملت يستيقظ متأخراً» وتلتها مسرحية «دون كيشوت» في موازاة ذلك مارس التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان ثمة لقاء في مسرحية تجريبية «عزيزي مارات المسكين» للكاتب الروسي أريزوف، بطولة جمال سليمان، جيانا عيد، وواصف الحلبي، وبعدها مسرحيات الكوميديا السوداء، «الخدامة، جوارب النجاة»، عن كل تفاصيل هذه السيرة الإخراجية في المسرح كان لـ «تشرين» وقفة مع المسرحي محمود خضور.
فإلى التفاصيل:
مظلة فنية
حصين البحر تجمعك بالولادة مع المسرحي الراحل سعد الله ونوس، بماذا اشتركت مع الراحل ونوس بغير «حصين البحر»؟
لقد أنجبت حصين البحر الكثير من المبدعين بشتى المجالات، وذلك بفضل طبيعتها الخلابة، التي أضفت عليها طبيعة خاصة، إضافة إلى إطلالتها الساحرة على الوديان والبراري والبحر، فكان لها الفضل أن تجمعهم تحت مظلتها الفنية، فأغنتهم بالفكر والثقافة والإبداع أمثال: حيدر حيدر، لطف الله حيدر، ابراهيم وطفة، وسعد الله ونوس وغيرهم الكثير، يكفيني أن أشارك سعد الله ونوس بعوالم حصين البحر الذي ذكرت، ولكل إنسان عالمه الخاص كاتباً كان أو فلاحاً أو عاملاً.
حسب معلوماتي رغم كل هذه «الشراكة» مع ونوس غير أنك لم تخرج له نصاً مسرحياً وهو الذي تهافت المخرجون – سوريون وعرب- على تقديم نصوصه على الخشبة؟
لكل كاتب ومخرج ومبدع، انتماؤه الفكري الخاص به، وقناعاته التي يعبّر عنها بطريقته، سواء الكاتب للنصوص المسرحية، أو المخرج الذي يقدم على إخراجها، وإذ ما صادف هذا المخرج ولم يتناول نصاً لكاتب معين، فهذا لا يعني أنه لا يتفق معه، والراحل سعد الله ونوس من الكتّاب المميزين في النصف الثاني من القرن الماضي، الذي ركز على المسرح السياسي من خلال تناوله للأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة ومعالجتها معبراً عن رأيه من خلالها، هذا إضافة إلى معالجته لأحداث أخرى، وقد اختار البناء الدرامي والشكل المسرحي للنص بخصوصية سعد الله ونوس وعودته إلى زمن الحكاية والسرد، للوصول إلى الأحداث، وقد توافق أسلوبه هذا مع زميلي الراحل فواز الساجر الذي شاركه عالمه الفكري والمسرحي وأقدم على إخراج معظم نصوصه، أما أنا فكان لقائي مع الكاتب الكبير ممدوح عدوان الذي حقق توافقاً كبيراً منذ اللقاء الأول بـ «هاملت يستيقظ متأخراً» إلى أن وصل عدد المسرحيات التي أخرجتها لممدوح اثني عشر نصاً مسرحياً، والأهم من ذلك أننا كنا راضين عن العروض المسرحية التي قدمناها، لذلك يجب أن يكون هناك توافق فكري وسياسي ما بين المخرج والنص المسرحي، يترجم هذا التوافق بتقديم أعمال إبداعية، وإذ لم يتحقق هذا التوافق فيعني الفشل، ورغم عدم إخراجي لأي نص مسرحي للكاتب سعد الله ونوس لا يعني أن هناك خلافاً فكرياً معه أبداً، بل على العكس أنا منذ سنوات طويلة أفكر بإخراج نص مسرحي له، لكن الظروف تمنعني من تحقيق هذا المشروع الذي آمل أن يوفقني الله قريباً بتنفيذه.
مجمع ثقافي
فقط التوافق الفكري والسياسي مع نص عدوان كان سبب هذه «الشراكة» الطويلة معه؟
«بعيون دامعة» يجيب: ممدوح عدوان أكبر من أن يُعرّف، ويعجز اللسان عن وصفه، إنه مجمّع ثقافي إبداعي لعوالم وأزمنة كثيرة، كانت معرفتي به بعد عودتي من موسكو عندما رافقت الكاتب حيدر حيدر إلى بيته، وبالحرف قال الكاتب حيدر له: «ممدوح استلم محمود»، وطلب مني أن أبقى معه، وتوالت اللقاءات إلى أن كان اللقاء الأول والحقيقي من خلال مسرحية «هاملت يستيقظ متأخراً» فكانت بوابة لرحلة معطاءة وقناعة بالاستمرار في العمل معاً، إلى أن وصل عدد المسرحيات التي أخرجتها إلى اثني عشر نصاً مسرحياً للكاتب الراحل عدوان، إضافة لتجربة خاصة جداً ومميزة بنظري وأفتخر بها وأحب دائماً أن اذكرها، وهي مسرحية «اللمبة» التي أخرجتها، وكانت موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة الذين كانوا هم الممثلين فيها، وكان لها أثر إيجابي على عالم المعوقين والأصحاء، وقد استمر بها العمل عشرة أشهر كتابة وتدريباً بمرافقة الملحن العراقي «كوكب حمزة»، حيث هنا وجدت نفسي في عوالم الراحل ممدوح عدوان وهذا ما ساعدني على تحقيق الكثير مما كنت أحلم به كمخرج مسرحي، وأتمنى أن يعود الزمن خمسين سنة للوراء لأني أعد تلك المرحلة ذهبية ثقافياً وفنياً وفكرياَ،
رغم كل هذه التجربة الطويلة في المسرح غير أنك شاركت بمشاهد –لايعتد بها- في التلفزيون، لماذا كانت هذه المشاركة، ألم تعطيك الخشبة المساحة الكافية لتقديم مشروعك الإبداعي؟
كانت مشاركتي التلفزيونية كممثل مصادفة، وهذا لا يعني بأنني لا أحب أن أشارك في أعمال تلفزيونية أبداً، ولكن في الحقيقة كان للتلفزيون الفضل المادي لا أكثر، إضافة إلى الشهرة التي يرغب بها كل إنسان، فأنا أخرجت الكثير من المسرحيات الناجحة، ولكني لم أكن معروفاً، إلا أن مشاركة بسيطة بمسلسل «دنيا» أعطاني شهرة لدرجة أن كل من تابع المسلسل كان يشير إلي بالأصبع ويناديني بـ «أوكي» اسم الشخصية في المسلسل، «شيء مضحك»، فللتلفزيون عالمه الخاص وللمسرح كذلك، ولا يمكن أن يلتقيا إبداعياً، لأن المسرح دائماً يحتاج إلى دراسة خاصة.
ونحن الآن في زمن العولمة، وللأسف تأثير الكتاب واللوحة والشعر والموسيقا تلاشى، وأعتقد أن الصعود سيكون صعباً، والدليل ما يحدث الآن من حرب إعلامية على بوابة العرب والتاريخ والثقافة والإبداع والصدق والعشق «سورية»، فهذا هو زمن العار والانحدار والتراجع عن القيم والأفكار التي انبثقت عبر السنين.
زمن العار
بعد كل هذه التجربة المسرحية أيضاً كيف تقيم المسرح السوري خلال هذه الفترة؟ هل كان تطوراً تصاعدياً أم استاتيكياً – المراوحة في المكان- أم تراجعاً؟
المسرح السوري كُتب عنه الكثير وقيل عنه الكثير منذ تأسيسه حتى الآن، والحديث عنه يحتاج إلى زمن ومجلدات، لكن لا يمنع أن نذكر أن المسرح السوري تطور وتميز بعد حرب الـ «67» وكان للأحداث السياسية والاجتماعية أثر كبير على تطور الحركة المسرحية نصاً وإخراجاً، إضافة لاهتمام وزارة الثقافة به من خلال إقامة المهرجانات، كمهرجان دمشق المسرحي ومهرجانات الشبيبة والطلائع والعمال، وكان هذا حدثاً إيجابياً غرس عند الشباب هاجس الاهتمام بفن التمثيل والمسرح، ولكن وبكل أسف تراجع المسرح مع بداية التسعينيات، وذلك لعدم إدراك الوزارة المختصة بأهميته مع التطور الإعلامي الذي انعكس سلباً على الحركة الثقافية بشكل عام والمسرح بشكل خاص، إضافة لتعيين مسؤولين في مديرية المسارح ووزارة الثقافة ليس لديهم الخبرة في تطويره، ولأننا في زمن صعب جداً حيث تتلاشي بوادر الإبداع الفكري والأدبي، نحن بحاجة لمعاودة النهوض بالمسرح وليس الوصول إلى القمة، أملاً بأن نعود إلى ماكنا فيه وعليه ليس مسرحياً فقط بل حياتياً وصدقاً وعطاء، لأن الفن والأدب بحاجة إلى مجتمع مميز بالقيم الأخلاقية.
أين محمود خضور من المشهد المسرحي اليوم؟
هذا سؤال لا أستطيع الإجابة عليه، سبق وقلت أن تجربتي المسرحية كانت بداياتها مع الكاتب ممدوح عدوان، وأنا لا يحق لي تقييم نفسي وأحتفظ بتقييمي الشخصي لأعمالي وتجربتي، ولكن ما أستطيع قوله هو أنني راضٍ عن نفسي كل الرضى، ولكل زمان رجاله، هكذا هي الحياة وآمل من الأجيال القادمة أن تحافظ على ما تبقى من المسرح إن لم تستطع الإضافة عليه، لأن واقع المسرح مؤلم ومزرٍ وهو مرتبط بالحياة الاجتماعية والفكرية والثقافية في المجتمع.
إن كان ثمة أزمة في المسرح السوري بأي تفصيل هي كامنة؟ هل هي في النص؟ أم في الإخراج؟ أم في الممثل؟ أم في الطرف المتلقي؟
الحديث عن الأزمات صعب ومؤلم، والمسرح ليس جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية فقط، بل هو مكمل لها بشكل جمالي سواء كان نصاً أو تمثيلاً أو إخراجاً، أو مشاهدة، والواقع لا ينعكس فقط على المسرح، بل حتى على صالات السينما فدائماً نراها خاوية، والفن بشكل عام جمالي روحي بحاجة إلى دنيا خاصة وحياة مضيئة وعشق وهذا ما نفتقده اليوم ومن ثم فإن الأزمة موجودة في كل هذه الأركان للعملية الإبداعية.
عوالم مختلفة
الكثير من العروض المسرحية قدمت تلفزيونياً بتقديرك هل أفاد العرض التلفزيوني هكذا مسرح؟ وهل ثمة معايير للنص المسرحي لأن يُقدم على الشاشة الصغيرة؟ ولماذا كانت الغلبة للعروض الكوميدية؟
المسرح مسرح، والسينما سينما، والتلفزيون تلفزيون، كلها عوالم تختلف فيما بينها من حيث العمل والإبداع، ولكل منهما متعة خاصة، ولا يمكن المقارنة بين هذه العوالم الثلاثة، ومن ثم فإن أي عرض مسرحي على شاشة التلفزيون يفقده الكثير من ميزاته، ففي المسرح يشعر المشاهد وكأنه في كنيسة، يرى ويسمع ويقيّم، أما في التلفزيون فيستطيع أن يشاهده وهو مستلقٍ أو يتحدث إلى آخر، ما يفقده متعة الحضور والمشاهدة، لذلك فإن عرض أي مسرحية على شاشة التلفزيون هو للدعاية لا أكثر، وأنا لا أؤيد مشاهدة العروض المسرحية على شاشة التلفزيون أبداً.
بعد هذا العدد من العروض المسرحية لنتوقف عند المنعطفات منها، ما هي العروض التي تعدها كانت محطات في تجربتك المسرحية؟ ولماذا؟
سؤال مهم «هاملت يستيقظ متأخراً» كانت محطتي الأولى في المسرح القومي في دمشق، واللقاء الأول مع ممدوح عدوان كما ذكرت، وهي التي أعطتني زخماً وثقة بنفسي وكنت بأمس الحاجة إليها، كانت المسرحية بمشاركة شباب الجامعة، مثل رشيد عساف وسلوم حداد وفيلدا سمور.. ومن المسرح القومي الفنان عدنان بركات وهالة شوكت ومها الصالح، وكان التلاقي ما بين الجيلين له الأثر الكبير على العمل، الذي حقق نجاحاً غير معهود في المسرح القومي، وخلق تنافساً ما بين المخرج والممثلين، من سيكون الأفضل ومن سيتجاوز هاملت في الأعمال القادمة، إضافة لعرض «عزيزي مارات المسكين» حيث كان لمشاركة الفنان جمال سليمان الأثر الكبير والمهم في نجاح هذا العمل، إضافة لمشاركة الفنانة جيانا عيد وواصف الحلبي، كذلك هناك محطات أخرى مهمة كنت قد ذكرتها سابقاً كمسرحية «اللمبة»، وأعتقد أن معظم الأعمال المسرحية التي أقدمت على إخراجها كانت محطات مهمة في حياتي.
لنسأل سؤالاً معاكساً، ما هي العروض التي كنت تتمنى لو لم تقدمها، ولماذا أقدمت على تقديمها إذاً؟
لم أندم بالإقدام على إنجاز أي عرض مسرحي على الإطلاق، إلا أنه من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت بين عمل وآخر من حيث الإنجاز والاقتراب من الواقع والكمال أو العكس، ولا وجود للندم لأن المخرج المسرحي لا يقدم على أي عمل إلا بعد دراسته بتمعن واقتناع كامل بالفكرة المطروحة في هذا النص أو ذاك، والتي سينقلها إلى المتلقي من خلال عرض ممتع ومسلّ يدعو للفرجة المسرحية الممزوجة بالمقولة الفكرية، والتي تعد الهدف الأعلى للعرض المسرحي، لذلك أعتقد أنني راضٍ كل الرضى عن العروض المسرحية العشرين التي أقدمت على إخراجها خلال حياتي الفنية، وآمل أن أكون شمعة أو قنديلاً أضاء خشبة المسرح السوري.