2012/07/04
ديما ديب – الوطن السورية
تستطيع الإذاعة أن تنافس التلفزيون بجدارة عندما تقدم ما يأسر وتبث ما يسمع فعلا، وقد أصبح اليوم من الصعب الحديث عن منافسة الإذاعة للتلفزيون في عالم الاتصالات الحديثة التي تتقدم بشكل مذهل، ولكن نستطيع القول: إن الإذاعة تمكنت من منافسة التلفزيون من خلال البرنامج الإذاعي حكم العدالة وعلى مدى سنوات عديدة كان هذا البرنامج الأكثر متابعة وإثارة للانتباه وهو برنامج يختص بالشؤون القانونية وخاصة قضايا الجنايات، إنه برنامج واقعي مأخوذ من ملفات القضاء، كما ارتبط اسم الكاتب هائل اليوسفي ببرنامج حكم العدالة الذي صور تغيرات يومية إذ رأى الكاتب فيها العين الصادقة الراصدة للمجتمع.
التقت «الوطن» المحامي هائل اليوسفي الذي تحدث عن محطات منوعة كان لها الأثر الكبير في مسيرته المهنية والسياسية والأسرية، كما حدثنا عن تجربته العظيمة ببرنامج حكم العدالة، الذي يقوم اليوم بإعداده ابنه المحامي الأستاذ منيب هائل اليوسفي ويساعده شقيقه الأستاذ منار اليوسفي.
متى بدأت بممارسة مهنة المحاماة؟
بدأت العمل في مهنة المحاماة في عام 1962 واستمر عملي في هذه المهنة حتى الآن، حكم العدالة لا يزال البرنامج الإذاعي الأكثر جماهيرية في سورية.
إن حكم العدالة هو برنامج واقعي يبحث عن قضايا تهم المواطنين وهو مأخوذ من حياة الناس فكيف استطعت اختزال حياة الناس من خلال 45 دقيقة واختزلت قضايا استمرت أمام المحاكم سنوات طويلة؟
إنها معادلة صعبة الجمع بين الفائدة والتشويق كما أن البرنامج استمد شعبيته في اجتماع عدة عوامل، فهو أول دراما بوليسية تتصاعد فيها الحبكة الدرامية تصاعدا مثيرا إلى أن تنكشف تباعا خفاياها وملابساتها، وتبنى برنامج حكم العدالة وجهة نظر هي البحث عن الحقيقة وكشف ملابسات الجريمة ودوافعها وصولا إلى انتصار العدالة والنطق بالحكم، فرسالته في هذه الحالة هي حض المستمعين ليكونوا أكثر يقظة وحذرا لئلا يقعوا فريسة سهلة بيد الجناة والمجرمين.
ما سبب شهرة برنامج حكم العدالة؟
كانت إذاعة مونت كارلو أقوى إذاعة تبث في المنطقة، وذات يوم جاء مدير مكتبها لويس فارس وعرض علي ثم عرض على مدير البرامج في الإذاعة فاروق حيدر مبلغا كبيراً، وطلب منه أن تقوم الإذاعة بتغيير بث البرنامج لينتهي في الساعة الثانية بدلا من 2.15 يوم الثلاثاء، والسبب في ذلك أنه كان في نشرة أخبار في مونت كارلو الساعة 2 وكان حكم العدالة يحول المستمعين من مونت كارلو إلى إذاعة دمشق، وتطرق فارس حينها إلى موضوع حساس بأنه مفوض من باريس بدفع أي مبلغ، وفي لبنان كانوا يقولون عن إذاعة دمشق افتح لنا على إذاعة حكم العدالة.
هناك ناحية غاية في الأهمية أن حكم العدالة خلافا لما يعتقد الكثير إن لم يكن الجميع أنه برنامج ذو ماهية واحدة، حكم العدالة صحيح تحت عنوان واحد لكن كل حلقة هي عمل درامي يختلف عن سواه في الموضوع والمعالجة والأهداف والإسقاط والغايات المطلوب إيصالها إلى المستمع، عمل مهم وتمثيلية مستقلة، حكم العدالة إن كتبت 1500 أو 1600 فإن رصيدي هو أعلى رقم لعمل درامي في كل كتاب الدراما في سورية، وهذا أحد أسباب شهرته.
ما الرسالة التي كنت تريد إيصالها إلى الجمهور من خلال حكم العدالة؟
حكم العدالة كان يبغي أمرين الأمر الأول تصوير الواقع الاجتماعي والقضائي على ما هو عليه، والأمر الثاني تصوير الواقع الاجتماعي والقضائي والقانوني إلى ما أصبو إليه أنا.. أي ما يجب أن يكون عليه..
منذ البدايات عندما كنت أتحدث عن الطلاق في برنامج حكم العدالة كنت أتحدث عنه كآفة اجتماعية لم أقف عند حدود الطلاق كواقع كنت أتطرق إلى الأسباب المؤدية إلى الطلاق الفقر والتشرد والمخدرات والمسكرات والميسر والغياب الفعلي والمعنوي لرب الأسرة عن منزله كنت أتعرض للأسباب القريبة والبعيدة وبأسلوب غير ببغائي، لأن الطريقة الببغائية تبعد عنك المستمعين.
إن الحبكة الدرامية في البرنامج أسهمت في جعل المستمعين يتابعونه من أوله إلى آخره، إذ لا يجاريني أحد في بناء هذه الحبكة بدليل أن البرنامج مستمر منذ 35 عاما، وهو متابع جماهيريا في سورية.
هل كل القضايا التي تناولتها في برنامج حكم العدالة من ملفات القضاء السوري؟
إن جميع ما قدمته في برنامج حكم العدالة هو من ملفات القضاء السوري، كان لي صديق هو رئيس ديوان النيابة العامة التمييزية في دمشق هيثم اسطواني وكانت تأتي جميع ملفات المحافظات إليه وكان يسر من البرنامج ومن بعض القضايا المميزة التي أقدمها، حيث إن تسمية الرائد هشام كانت ترضية لابنه هشام حيث كان طفلا صغيرا، وهشام الحقيقي أصبح محامياً كبيراً.
وأحياناً كنت أتعاون مع قضاة في إعداد حلقات من برنامج حكم العدالة، وحدثت معي ذات مرة حادثة غريبة حيث تعاونت مع رئيس المحكمة الميدانية في حمص العميد صلاح معاني وأعطاني ملف شخص يعمل لحاما قتل صبي بعد أن ارتكب فيه الفعل الشنيع بطريقة اشمأزت منها أهالي حمص، وصدر حكم بحق اللحام بالإعدام، أنا أعددت الحلقة بكثير من التشويق وبحبكة خفية وأسمعت الحلقة للعميد معاني، حيث أعجب بها كثيراً وقال: إنه لن ينفذ حكم الإعدام إلا يوم الثلاثاء عند انتهاء بث الحلقة في برنامج حكم الإعدام، وأنا قلت له إنني سأقول في نهاية الحلقة إنه يتم الآن تنفيذ حكم الإعدام في ساحة باب السباع في هذه اللحظة، وفي الساعة 2.15 تم شنق المجرم، وذلك منذ نحو 20 عاما، وتم تأخير إعدامه نحو 5 أيام.
ما الهدف من الشخصيات المحورية في برنامج حكم العدالة، الرائد هشام والمساعد جميل؟
أنا كنت أعاني من كثير من الناس.. حيث طلب مني في التسعينيات إيقاف البرنامج وبلهجة شديدة باعتبار أن البرنامج يشهر بالشرطة، واجتمعت حينها بوزير الداخلية محمد حربة، وأوضحت له أنني حاولت أن أظهر شخصية الرائد هشام على أنه يتبع الأسلوب العلمي المتطور في كشف الجريمة، والمساعد جميل يتبع الأسلوب القديم العثماني المعروف في انتزاع الاعتراف من الموقوف، وكنت أتطرق في الحلقات إلى الصراع بين الأسلوبين وأؤكد للمستمع أن الأسلوب الأول هو الأنفع والأجدى.
هناك شخصيات شبه ثابتة تقريباً في القضايا الجزائية ولكن هناك شخصيات أخرى تتناسب مع قضايا مدينة كقضايا الإيجارات والعقارات والنزاع على أرض وغيرها.
هل أثرت الرقابة في عملك في إعداد برنامج حكم العدالة؟
الرقابة حلقة ضعيفة ويجب أن تجد طريقة من الطرق للتفاهم معها ذات مرة رفضت أحد الحلقات، وقمت بإنتاجها ومررتها بطريقتي الخاصة الالتفافية، هذه الحلقة التي تم رفضها سابقا نالت 3 جوائز ذهبية.
اعتقد أن وزارة الإعلام يجب أن تطرد الرقيب الذي رفض الحلقة وتعاقبه، لأنه مخرب وليس رقيباً، وكنت أعاني من مراقبي النصوص، حيث رفض أحدهم نصا لورود كلمة نكاح في النص، معتبرا ذلك بأنه يتنافى مع الأخلاق العامة، على الرغم من أن هذه الكلمة وردت في قانون العقوبات السوري، وفي القرآن الكريم، والمفارقة أن هذا الرقيب أصبح مديرا للإذاعة في وقت لاحق، بهذا الجو وبالموانع والعقبات كنت أحافظ على حكم العدالة لأن المخربين وأعداء حكم العدالة كانوا كثيرين ومن إذاعة دمشق نفسها، غير أن النص يصل للمخرج كاملا مكملا ولا يحتاج لأي إضافة أو تعديل.
كما عانيت في السنوات الأخيرة من مراقبة برامج في الإذاعة وقلت لوزير الإعلام حينها الدكتور مهدي دخل اللـه: إن هناك من يحاول أن يحبطني، فرد دخل اللـه أنه لا أحد يستطيع أن يحبطك، وأن لا أحد يستطيع أن يوقف برنامج حكم العدالة إلا أنا وأنت، مضيفاً: وليكن بعلمك أن هناك محاولات كثيرة كانت موجهة لك لإيقاف البرنامج.
هناك اتهامات بأن مسلسل حكم العدالة ساعد الكثير من المجرمين على التفكير بالجرائم ووضع لهم الخطط للهروب من العدالة؟
لا أعتقد ذلك، فكنت أعمل على تصوير المجرم بأدق تفاصيله، منذ قيامه وتخطيطه لارتكاب جريمته وكيفية تخطيط المجرم لإخفاء جريمته، ولكن الحبكة الدرامية تبين أن العدالة أذكى من ذكاء المجرم، فكان المجرم يقع بيد العدالة من حيث لا يحتسب، فلو خشينا وتحسبنا من شرح تفاصيل الجريمة، معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نعالج أي قضية، فدائما سيقع المجرم بيد العدالة مهما كان ذكيا ولأن العدالة كانت له بالمرصاد وهي الأذكى.
هل تعتبر أن مسلسل حكم العدالة نجح تلفزيونيا؟
لم يحقق حكم العدالة تلفزيونيا النجاح الذي كنت أرغب فيه وذلك لأني لم أكن حرا في كتابة النص، ومن المفارقات المضحكة أو المزعجة أن المخرج كان يعيد لي النص أكثر من مرة لكي أتوسع في كتابة دور الرائد هشام أو المساعد جميل بزعم أن من يقوم بهذه الأدوار ممثل قديم وعريق ولا يجوز أن يكون دوره متوقفاً على كلمتين أو ثلاث ما يفقد الحلقة بهاءها وحيويتها، فأنا لست راضياً عنه.
أهمية استفادة الدراما من ملف العدالة؟
مسلسل حكم العدالة أول دراما إذاعية كانت في القطر ولم يسبق حكم العدالة أي دراما أخرى في سورية ولا في الوطن العربي فضلا عن ذلك «حكم العدالة» نال الكثير من الجوائز الذهبية التي جرت في كل أنحاء الوطن العربي في تونس والقاهرة وفي مهرجانات اتحاد إذاعات الدول العربية الثلاثة، إذ نال في عام 1996 في مهرجان القاهرة 3 جوائز ذهبية وحجب عن سواه حتى الفضية والبرونزية، يعني أخذ الجوائز الذهبية ولم يكن بعده أي برنامج آخر، وكان الذي تسلم الجوائز علي عبد الكريم، والمفارقة أن الحلقة التي نلت عليها الجوائز كانت حلقة مرفوضة من الرقيب.
ألا تعتقد أن حكم العدالة يسعى للتشويق على حساب المضمون؟
إن التشويق ليست هي غاية بحد ذاتها وإنما وسيلة لتوصيل رسالة وهدفها المتلقي وأنا اعتبر حكم العدالة رسالة أكثر من برنامج.