2012/07/04
محمد الأزن - CNN بالعربية
أحيت فيروز أربع حفلات خلال أسبوعين على مسرح مجمّع "Platia" المطل على ساحل "علما" بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، حضرها حوالي 15 ألف شخص من عدة دولٍ عربية، بينهم ما يزيد على ألف سوري، وسط إقبال "كثيف" على حجز تذاكر الحفل الخامس والأخير لموسم 2011، وذلك عشية عيد الميلاد.
CNN بالعربية رافقت مجموعة من السوريين في إحدى الرحلات التي نظمت خصيصاً من دمشق إلى بيروت لحضور حفل الجمعة، حيث توجه عشرات السوريين لحضور الحفل ممن تركوا همومهم وراءهم، متجاهلين "ولو ليومٍ واحد" مرارة ما يجري في بلادهم، وانطلقوا إلى بيروت "مفعمين بالحنين" لمغنيتهم، في جمعة هي الثانية على التوالي التي طاب لمحبي فيروز بسوريا، ممن أعياهم ترقب النشرات الإخبارية على مدى عشرة أشهر، وما يكتنفها عادةً من زخم الأخبار المؤلمة عن بلادهم، بأن يسموها بـ"جمعة فيروز."
بل ومنهم من انضم لصفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل عنوان "حبيت ما حبيت أنا رايح أحضر فيروز."
المسؤول عن منفذ البيع لتذاكر حفلات فيروز في دمشق، أكدّ لـ CNN بالعربية أنّ عدد السوريين الذين حجزوا من خلال هذا المنفذ "فاق الألف شخص،" مما يعني أن نسبة السوريين الذين حضروا الحفلات الأربع الماضية "تجاوزت عشرة في المائة من إجمالي عدد الجمهور."
أمّا من حضر هناك فأكد أن العدد كان أكبر من ذلك، "فأينما اتجهت في صالة مجمع "Platia" حيث أقيمت الحفلات، كنت تلتقط مزيجاً من اللهجات السورية لجماهير أتت لحضور الحفلات يحدوها الأمل بأن تدواي فيروز جراحاتهم، وهي التي لها في كل بيتٍ وقلب سوري ذكرى."
عبده الرواندي كان من بين الحاضرين لحفلات فيروز للمرة الثانية على التوالي هذا الموسم، وأكدّ أن جمهورها لا يقتصر فقط على الأجيال الكبيرة نسبياً في السن ممن تربوّا على فنها لسنوات، "فالكثير من جيل التسعينيات تعني لهم أغنياتها الكثير مثل ما تعني لآبائهم، لاسيما ألبومها الأخير (إيه في أمل) الذي أطلقته في العام 2010،" على حد تعبيره.
واعتبر الرواندي أن سر هذه العلاقة "الاستثنائية" التي بين فيروز وجمهورها على مدى أجيال تعود لأصالة فنّها، واحترامها لجمهورها، ولمسيرتها الفنيّة الطويلة، وقدرتها المستمرة على تقديم ما هو جديد." واتفق مع هذا الرأي؛ رجل الأعمال السعودي (الستيني) أسامة عبد القادر الذي قدم خصيصاً من أديس أبابا إلى بيروت مع ابنتيه الشابتين لحضور الحفل، مؤكداً أن فيروز "حافظت على تلك العلاقة الإنسانية التي جمعتها بعشاقها لأجيال عديدة."
كما قال الرواندي لـ CNN بالعربية إنه أتى لحضور فيروز "ليعرف رأيها بشأن ما يجري في المنطقة العربية، فيما بات يعرف بأحداث الربيع العربي،" مضيفاً أن السيدة "لم تكن يوماً بعيدة عما يجري؛ إلا أنها تفضل دائماً الغناء على الكلام المباشر، وما قدمته عبر مسيرتها الفنية الطويلة مع الرحابنة من أغانٍ ومسرحيات يزخر بالقيم الإنسانية، ويحث على ضرورة التمسك بالأرض في منطقةٍ عصفت بها الحروب، لاسيما وطنها لبنان، لكنها آثرت أن تبقى فيه رغم ما كابده أهله من ويلات لاسيما الحرب الأهلية الطويلة التي عانى منها اللبنانيون ، وبقي صوتها يجمعهم."
ورأى الراوندي أن توقيت حفلات فيروز، وبرنامجها الغنائي، ومكان إقامتها بالعاصمة اللبنانية بيروت: "بالغ الدلالة،" مضيفاً أنها "اختارت أن تطّل على عشّاقها "لتقول لهم شيئاً في نهاية عام عاصفٍ بالأحداث التي يمكن أن تغير وجه المنطقة بعد سنواتٍ طويلة من الغليان."
واعتبر الراوندي أن فيروز أطلت من بيروت: "ليس لكونها عاصمة وطنها، وإنما المكان الأسهل للوصول اليوم بالنسبة للعديد من عشاقها في سوريا، والعديد من الدول العربية." أما برنامج الحفلات فكان مبنياً على "عدة أعمال قدمتها مع الرحابنة وكتبت خصيصاً لها مثل مسرحيات (ناطورة المفاتيح، جسر القمر، الشخص، وناس من ورق) وفيلم (السفر برلك.)
ومنذ إطلالتها الأولى على جمهورها منشدةً (مسيتكن بالخير ياجيران) حتى نهاية الحفلات تتضح الفكرة شيئاً فشيئاً حول ما تريد أن تقوله لجمهورها إزاء ما يجري، حيث غنّت عن القمر الذي يوزّع ضيائه على كل الناس، بينما هم يتقاتلون فيما بينهم (القمر بيضوي عالناس والناس بيتقاتلوا)، وغنّت عن الأرض وضرورة التمسك بها ، وتحدي البقاء، ومرارة الغربة، لتؤكد لجمهورها في نهاية المطاف أن ثمة أمل رغم كل ما يجري (إيه في أمل)"
وتجاوزت فيروز كل توقعات جمهورها من السوريين حول ما ستغنيه لوطنهم "الجريح" الذي طالما جمعتها بهم وبه "علاقة حب أسطورية،" حينما أمسكت (الدف) وأنشدت مع الكورس (كانت عَ هاك العريشة تتكي)، وبلغ "الأدرينالين" حدّه الأقصى حينما وصلت إلى الجملة السحرية (إن ما سهرنا ببيروت منسهر بالشام.)
وحمل السوريون هذه الرسالة من فيروز إلى دمشق في قلوبهم، عائدين من بيروت في سهرة احتسبت من أعمارهم، وكأنها "هدية هذا الزمان الذي لم يعد يجد عليهم إلا بالألم،" ولأن التصوير كان ممنوعاً داخل الصالة، لم يبق لهم من ذلك الحلم سوى كلمات السيدة، وبضعة صورٍ التقطوها بحب متشحين بأعلام وطنهم مع الـ(poster) الضخم المخصص لحفلات السيدة فيروز عند مدخل صالة المجمع.