2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
يتّفق معظمنا على أن مستقبل السينما العربية لا يمكن أن يتم في لندن أو باريس أو بروكسل أو ساو باولو، بل عليه أن يُصنع في القاهرة وبيروت ودمشق والدار البيضاء ودبي وسواها من المدن العربية الكبيرة . ذلك لأسباب عديدة من أهمها أن اختراق السقف الفني والخروج من صندوق التوقّعات واختراق الحاجز الوهمي لتحويل الطموحات إلى أفعال لا يزال تمنيات أكثر منه إنجازات . من أهم الأسباب أيضاً، أن الجمهور الغربي الذي بات يريد مشاهدة أفلام غير تلك التي اعتاد عليها أكثر من سواها، بات أصغر حجماً مما كان عليه عندما كان من المتاح للسينما العربية أن تخرج من الحدود إلى الخارج لتملأ الفراغ أو لتشارك في ملئه .
ما البال إذاً بتجاوز الحدود الأوروبية إلى السوق الكبير للسوق الأمريكية؟ يسأل البعض إذا ما كان ذلك ممكناً أو هو فعل مستحيل؟
هو فعل شبه مستحيل بالفعل، لأن بعض المخرجين العرب، مثل هاني أبو أسعد ورشيد بوشارب ونادين لبكي استطاعوا بالفعل إيجاد دور عرض لأفلامهم مثل “الجنّة الآن” و”بلديون” و”سكر بنات” . لكن المسألة ليست عربية الطابع او الهوية، ففي حين أن الأفلام الأمريكية تغزو العالم مراراً وتكراراً كل أسبوع، فإن القليل جدّاً من الإنتاجات الأوروبية ذاتها تستطيع أن تتمتّع بعروض سينمائية تجارية في الولايات المتحدة . غالب هذه العروض يتكاثر بمناسبة الأوسكار او يتوجّه مباشرة إلى المهرجانات الرئيسة في نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسندانس وشيكاغو .
وواحدة من أكثر الصناعات الأوروبية تضرراً من هذا الوضع هي السينما البريطانية ذاتها، التي تحجم العديد من صالاتها عن عرض أفلام ذات صناعة محليّة وتتنافس على عرض ما هو أمريكي . الجانب الآخر من الوضع هو أن بعض الأفلام التي تُصنع في بريطانيا بمواهب بريطانية إنما تتبع تمويل استديوهات أمريكية ما يجعلها قادرة على الانتشار بلا حدود . أحد هذه الأفلام الماثلة “هاري بوتر والمقدّسات المميتة الجزء الثاني” فهو أمريكي التمويل (وورنر) جمع حول العالم نحو 940 مليون دولار . فيلم “قراصنة الكاريبي: أمواج غريبة” حقق أكثر من 800 مليون دولار ويحمل هوية أمريكية رغم كثرة المشتركين البريطانيين فيه .
في المقابل فإن الأفلام الأجنبية لا تحقق في الولايات المتحدة سوى أقل قدر ممكن: جزء يسير مما ينجزه فيلم هوليوودي، حتى ولو كان ناطقاً بالإنجليزية مثل “مفتاح سارة” مع كرستين سكوت توماس عن رواية ناجحة من الحرب العالمية الثانية .
أيضاً “الفنان”، الفيلم الفرنسي الذي يتحدّث عن نهايات السينما الصامتة، والمعروض في الولايات المتحدة عبر صالات قليلة متخصصة حالياً . ونجاحه المحدود هذا يتبع نجاحاً مشابهاً للفيلم الفرنسي الآخر “حول الله والإنسان” والفيلم الإسباني “البشرة التي أعيش فيها” لبدرو ألمادوفار .
والثابت أن الأفلام الأجنبية الخمسة الأولى في سلّم الإيرادات الأمريكية تجمع فيما بينها، وفي كل عام، نحو 40 مليون دولار .
هذا الرقم قد يحققه فيلم أمريكي واحد في الأيام الثلاثة الأولى من عرضه في الولايات المتحدة، أو، كما الحال على نحو مشهود، يتجاوزه أضعافاً لا في الولايات المتحدة بل في العالم بأسره .
ومع أن عام 2006 شهد نوعاً من التصاعد في ايرادات هذه الأفلام غير الأمريكية في أمريكا إلا أن الوضع عاد ليستتب في حدود الثمانية ملايين دولار او نحوها لكل فيلم من تلك الأفلام الخمسة الأولى . في ذلك العام، أنجز فيلم غويلرمو دل تورو “متاهة بان” نحو 38 مليون دولار بمفرده . وبذلك أصبح واحداً من أكثر الأفلام الأجنبية نجاحاً في المدن الأمريكية .
الوضع الاقتصادي العام هو سبب آخر يتحكّم في توزيع ثروة الجمهور، ففي هذه الأيام باتت الأوضاع القلقة تسيطر على معظم مشتري التذاكر بحيث باتوا يفضّلون تفويت الأفلام المختلفة والغريبة على أمل استئجارها من محل الأسطوانات القريب درءاً لتكلفة الذهاب إلى السينما .