2012/07/04
المعتصم بالله حمدي – دار الخليج
بعد فترة صمت طويلة اقتربت من العام، ربما قبل قيام ثورة يناير، ظل الفنان الكبير نور الشريف خارج كل دوائر الأضواء والحوار، لدرجة أن صمته أثار شكوك الكثيرين، ودفعهم الفضول إلى معرفة رأي نور الشريف في ما يحدث، لأنه فنان مهموم بقضايا وطنه طوال الوقت، تاريخه معروف، لا تشغله النجومية بقدر ما يحرص على إرضاء جمهوره بتقديم أعمال فنية محترمة، يمتلك رؤية مميزة للأوضاع في مصر والوطن العربي، كما ينشغل كثيراً بالقضية الفلسطينية التي يراها منسية في الفترة الأخيرة، ويتحمس كثيراً لدور الإعلام العربي، خاصة الفضائيات في رفع درجة الوعي عند الناس، رغم بعض السلبيات من جانب بعض البرامج .
نور الشريف خرج أخيراً عن صمته وتحدث إلينا في الحوار التالي عن عدد من الموضوعات المهمة .
بداية، صمتك الذي استمر مدة طويلة منذ قيام ثورة يناير أثار العديد من علامات الاستفهام، فلماذا كان الصمت؟
- المسألة ليس لها علاقة بالثورة، فأنت تعرف جيداً أنني قبل الثورة كنت مقاطعاً لجميع وسائل الإعلام بلا استثناء، حيث اكتشفت “سخافة” البرامج التي تسعى إلى الإثارة وافتعال المشكلات الوهمية، وبصراحة لا أفهم، هل نجاح برنامج أو قناة أو زيادة توزيع صحيفة، يجعلني أتجاوز أخلاقياً وأتحدث بمنطق مختلف في الحكم على الحقائق وأشوهها؟ هذا جعلني أبتعد قبل ثورة يناير بما يقرب من عام، وعندما جاءت الثورة كنت أشعر بسعادة شديدة، وفضلت الاستمرار في سياسة الصمت الإعلامي حتى يتغير وضع الإعلام في مصر، وأعتقد أن الصمت يكون أبلغ من الكلام أحياناً .
وهل لمست تغييراً في الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير؟
- للأسف كما يقول الشاعر هو “ضحك كالبكا”، ولكن غضبي من الإعلام بعد الثورة مختلف، الوجوه والعقول المتغيرة، والمواقف المتقلبة شيء يحزنك، كل شيء للبيع، ولكن لا أنكر أن هناك قلة لها موقف محدد ظلت ثابتة عليه رغم تبدل الأوضاع، فهم من وجهة نظري أصحاب مبادئ حقيقية، وما جعلني أشعر بالارتباك هو الإسراع المخيف في تحول المواقف والهجوم على مبارك بعد تمجيده من جانب البعض، وهم معروفون للجميع، وعلى الجميع إدراك أن مصر هي الأهم، وينبغي العمل بإخلاص من أجلها وعلى العاملين في مجال التلفزيون والإعلام المصري تحمل المسؤولية والالتزام بالحيادية والموضوعية، والحال نفسه بالنسبة إلى باقي مجالات الإعلام .
كيف ترى دور الإعلام التلفزيوني في النهوض بالأمة العربية؟
- الفضائيات العربية الخاصة أثرت في التلفزيونات الحكومية، وأصبح هناك هامش أكبر للحرية، وسواء اتفقت أو اختلفت معها في التكنيك الفني للإثارة في البرامج، لا أستطيع أن أنكر الفضل الكبير لهذه المحطات في توعية العقل المصري والعربي، ووضعتنا، نحن المبدعين، في مأزق بعد أن تجاوزت أية حرية في الإبداع، ولها كل الشكر لأنها أسهمت في زيادة مساحة الحرية، لكن سببت لنا مشكلة كبيرة، وأصبح مطلوباً منا ، نحن المبدعين، للدراما بالذات، أن نبحث عن شكل جديد لصياغة الأعمال الجادة بما يتناسب مع الوضع الراهن .
ولكن هناك أيضاً بعض الانتقادات التي توجه إلى الفضائيات الخاصة؟
- في بعض الأحيان تحدث بعض السلبيات، فمثلاً لا أفهم لماذا تتم استضافة فنان أو شخصية جماهيرية وأخوض في تفاصيلها الخاصة سواء الحب أم الزواج أم الطلاق وغيرها من موضوعات الإثارة؟ فهذه الأمور لا فائدة منها على الإطلاق، وينبغي أن نستغل البرامج التلفزيونية بطريقة إيجابية ومختلفة عما كان سائداً، الإعلام له دور تنويري مهم، حتى لو قدم الكوميديا فقط، فالمهم أن أعرف كيف أقدمها، وكيف أستغلها في توعية الجمهور وتنويره .
ما حقيقة المفاوضات التي تجرى معك من جانب بعض المحطات لتقديم برنامج تلفزيوني على شاشتها خلال المرحلة المقبلة؟
- نعم هناك مفاوضات، وأدرس بعض العروض، ولكنني لم أحدد موقفي منها بعد، ومن المتوقع أن يكون برنامجاً سياسياً بالدرجة الأولى .
لماذا اخترت أن يكون برنامجاً سياسياً وليس فنياً؟
- نحن الآن أحوج ما نكون إلى أن نفهم ما يدور حولنا، في حاجة إلى أن نعرف المتغيرات التي تحدث، بسرعة رهيبة، وأنا فكرت في ذلك من أجل توعية المواطنين البسطاء، أو من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة، بكيفية ممارسة الديمقراطية الصحيحة وقبول الرأي والرأي الآخر .
شاركت منذ مدة قصيرة في ملتقى القدس ضيف شرف، والكل يسأل أين فلسطين من السينما العربية؟
- الخلافات السياسية العربية هي السبب الأساسي، وتؤثر دائماً في التعاون الفني، لذلك لا نتحد في أي عمل مشترك، ورغم ذلك وبقدر الإمكان، الفن يحاول القيام بدوره، لكن الإعلام أصبح أكثر تأثيراً بدرجة واضحة وعليه تحمل المسؤولية، لأنه للأسف الشديد شهدت القضايا الكبرى في حياتنا، وأهمها القضية الفلسطينية، نوعاً من التراجع في دعمها خلال الفترة الأخيرة، ولكن أعتقد أن الربيع العربي سيكون عوناً كبيراً لها .
لكن هذه الأعمال قد لا تلقى صدى لدى الفضائيات العربية التي امتنعت مثلاً عن عرض مسلسل “أنا القدس”، رغم ما يحمله من قيمة كبيرة؟
- للأسف توجه أصحاب هذه القنوات مرتبط بأن الوقت ليس مناسباً لزيادة الخلاف مع “إسرائيل”، وقد أخبرت المنتج محمد فوزي بأنه سيعاني في تسويق مسلسل “أنا القدس”، ولكن هذا لا يجعلنا نيأس، بل لا بد من تقديم مزيد من الأعمال وخلق إعلام جديد مختلف يؤثر في العالم كله .
هل لا تزال لديك الحماسة لتقديم مشروع فيلم عن الشيخ أحمد ياسين؟
- بالطبع، فأنا أفكر في هذا المشروع منذ مدة، وأتمنى تنفيذه لأنني لم أجد جهة متحمسة لإنتاجه، والفيلم الذي يتناول قصة حياة الراحل أحمد ياسين، هو محاولة لتوصيل رسالة إلى الناس بأن الإيمان بمبدأ وفكرة أقوى من كل الأسلحة، فالشيخ أحمد ياسين كان مريضاً وقعيداً، ورغم ذلك لم يستطع “الإسرائيليون” شراءه أو تهديده، فكان الحل هو التخلص منه باعتباره رمزاً لفكرة المقاومة .
باعتبارك مهموماً بقضايا الوطن العربي، هل تنوي خلال المرحلة المقبلة تقديم أعمال فنية ترتبط بإسقاطات سياسية معينة؟
- هذا موجود طوال الوقت، فقبل سنوات عدة قدمت مسرحية “يا غولة عينك حمرا”، إنتاج مسرح التلفزيون، والكل تساءل: كيف يوافق تلفزيون الحكومة على مسرحية أقول فيها لأمريكا “يا غولة عينك حمرا”؟ والمسرحية تحكي عن أب أراد أن يعمل بمفرده، وبعد إخفاق الوحدة بين مصر وسوريا تزوج امرأة سورية وأنجب أولاداً نوابغ أحدهم أصبح عالما في الذرة، وعندما أرادوا إقامة مصنع في مصر، اختطفوا أولاده، وفي النهاية عندما يكتشفون أن هذا الرجل ربى أولاده بشكل صحيح يقتلونه لتظهر روحه في النهاية، وتوجه نداء إلى الأمة العربية، كما قدمت أيضاً منذ عامين مسلسل “ما تخافوش” الذي يحمل في مضمونه العديد من الرسائل المهمة، وأعتقد أن مثل هذه الأعمال تحقق صدى كبيراً لدى الجمهور الذي يتفاعل مع الأعمال الجادة، وكانت سبباً لأن أدفع ثمن هذه المواقف .
بعيداً عن السياسة ماذا عن جديدك الفني خلال المرحلة المقبلة؟
- سأعود إلى الساحة الفنية بمسلسل عنوانه “عرفة البحر” مع المنتج صادق الصباح، وهو عمل إنساني بدرجة كبيرة، ولكن لن أتحدث في تفاصيل الآن .
هل يمكن أن تقدم عملاً فنياً عن ثورة يناير الآن؟
- بالطبع لا، فالثورة لم تكتمل بعد، وكل تركيزي الآن هو الإسهام مع زملائي في إعادة هيبة الفن المصري، وإعادته إلى الريادة كما كان دائماً .