2012/07/04

هل انتهت أسطورة النهايات السعيدة؟!
هل انتهت أسطورة النهايات السعيدة؟!


أحمد علي هلال - البعث

يتكئ مفهوم النهايات في الراهن، على تجاوز السائد ومفارقته وبمستويات متباينة، السائد الذي تجلى يوماً في تلك النهايات السعيدة، أو ما كانت توقع السينما بعض أفلامها بتعبير البداية بدلاً من "النهاية"، وذلك ما شكل-على الأقل- بعض الإرهاصات آنذاك لتأسيس ما يفتح أفق النهايات المفتوحة التي حملت في تعبيرها إرضاء للمشاهد، وتوسلاً لمتعته بما تفيض به الدراما من أبعاد تفاعلية وحوارية، لا سيما في محاكاة الجوانب العاطفية والوجدانية.

ومع انفتاح الأعمال الدرامية على تغيرات مجتمعية، ما يعني مقاربتها لشرط المعاصرة وفق رؤى حداثية وغير حداثية، لم تعد مسألة النهايات مجرد حلول تقنية فحسب، بل أصبح سؤال النهايات، هو سؤال الضرورة الفنية والفكرية، إذ أن استدخال -المشاهد- واستدراجه لحقل الدلالة، أصبح هاجس مبدعي الأعمال الدرامية  الذين لم يعد يكفي في وعيهم أن إنجاز "النهايات" يتصل بوعي المشاهد لمجرد إرضائه فقط، بل مشاركته ذلك الخيار الفني، وربما الانتقال به عبر الأجزاء اللاحقة، من مثل «إلى اللقاء في الجزء الثاني أو الثالث»... وهكذا.

وحقيقة الأمر، أن ذلك المفهوم لم يعد يبقى بدوره أسير مراحل زمنية معينة، بل انفتح على دراما الوجود الإنساني في لحظات انعطافته إلى المعنى، وهنا دلالة ما يعنيه مفهوم آخر نقدي هو كسر أفق التوقع، فالنهاية المفتوحة هي أكثر جدلاً من تلك النهاية الجاهزة، بدخولها إلى مساحات عاطفية مكافئة لقلق المشاهد، لتأتي له بما يشبه الطمأنينة الناجزة، تبعاً لتيمات معروفة "الحب، الزواج، الموت"، وثنائيات “الخير والشر” أو “الجمال والقبح”.

وعلى الأرجح إن المشاهد /المتلقي، بات أكثر تأويلاً للنهايات المفارقة، لأنها وإن كانت كثفت بالمفتوحة، ستعني له إضافة معرفية وجمالية بوصفها رؤية، وليس فقط مجرد حلول إخراجية نافلة، لا سيما في الأعمال الدرامية التي تستلهم أو تتكئ على قصص وروايات وأشعار ومسرحيات، أي تنطلق من نصوص إبداعية منجزة.

فهل النهايات كمكوّن درامي، ما زالت تستقطب المشاهد وتثير لديه الإحساس بالمتعة، ليبني أسئلته الخاصة تواتراً مع ما يفضي إليه عمل ما؟!.. وبمعنى آخر: هل انتحار الأستاذ الجامعي في "العشق الحرام"، هو انتصار للخير على حساب الشر، كما ورد في كلاسيكيات الأعمال الدرامية المبكرة؟!.

بالانتباه إلى تغير المفاهيم الاجتماعية، في مقابل ما يعنيه المختلف والمؤتلف، وتغير أنماط الحياة الاجتماعية، ومساءلة ما كان يوماً "تابو" لا يجوز الاقتراب منه، بل إن التباس حياتنا المعاصرة وتشظي ثنائياتها، حمل لمفهوم النهايات أسئلة إضافية وأدلها، من يقنع المشاهد أكثر، وكيف نظفر بمتعته المعرفية أولاً؟!.

ذلك ما يحيلنا للقول: إن مفهوم النهايات في الأعمال الدرامية، هو مفهوم جاذب وطارد بآن معاً، فهو جاذب لأنه يبقى في أفق انتظار المتلقي بكل مستوياته، وطارد فيما تنجزه "نهايات" بعينها من حلول درامية هاجسها المستوى العاطفي فقط، أو ما يخاطب المتلقي بوسائل تجاوزها هو، ليقترح ويساجل معنى تلك "التسوية" التي "تجمل" ولا تقترح، ولو ذهبنا إلى ما تأخذنا إليه النهايات المفتوحة، لكان الظفر بالمشاهد هو الأكثر حظاً، لأنه –المشاهد- بطل إضافي محاوَر ومحاوِر، يستنهض لديه مفهوم النهايات، سياقات فكرية وثقافية واجتماعية، فمرجعية الأعمال الاجتماعية الكوميدية أو التاريخية أو الوثائقية أو البيئية، تتضمن بالضرورة أنساقاً معرفية، يحللها المتلقي ويستقبلها، ليسهم في تأويلها، وليس من تلقٍ سلبي أو محايد، وما نذهب إليه هو التلقي المنتج الذي يحايث الأعمال الدرامية المعاصرة والمقاربة لمفارقات وجودية، سواء أكانت نهاياتها مفتوحة أم مغلقة، الشاهد في "معياريتها" كثافة تأويل الجمهور، كي لا تكون فائضة على لحظته وذائقته، فإن أدرك سياقاتها كان حافزاً لتأويل نهاياتها أكثر قرباً من المعنى المشترك الذي يقصي ذاكرة عابرة، ذلك المعنى الذي يقول من خلاله: إنه يعيش الدراما ويتنفسها، ولأنه يشبهها فله تأليفه الخاص.

ينشغل إذاً الكتّاب والمخرجون بتلك "النسبية" التي تكثف ذرا جمالية يدركها المتلقي في غير أعمال، لتصبح مأثرته في تأويل وقائعه ويومياته، فلا فائض ترف، هنا، لكنها الطريقة التي يقال فيها ما يعرفه، منجزاً في صورة يسائلها "محدبة" أو مقعرة"، لينتهي إلى قول درامي كان سيقوله، بنفسه، وصورة ستشبهه بتشكيلها وتركيبها لجزئياته الحميمية.