2012/07/04
فؤاد مسعد - الثورة
أصدر السيد الرئيس في الثاني والعشرين من شهر أيلول المرسوم التشريعي رقم 118 للعام 2011 القاضي بإعفاء صالات السينما القائمة والتي تعمل على تحديث خدماتها أو التي ستنشأ بعد صدور هذا المرسوم من الرسوم الجمركية على التجهيزات المستوردة للغاية المذكورة
ومن ضريبة الدخل ورسوم الإدارة المحلية لمدة خمس سنوات ، وبذلك يكون المرسوم الجديد قد ذهب نحو خطوة متقدمة عما كان معمولاً به سابقاً ، فمدة السنوات الخمس التي تحدث عنها تبدأ فاعليتها من تاريخ تحديث الصالات أو استحداثها ، وبالتالي أعطى من خلالها مساحة أوسع وفرصة أكبر لتشجيع أصحاب دور العرض على تجديد صالاتهم وتشجيع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على اقتحام ميدان السينما وإنشاء صالات حتى وإن كانت ضمن مجمعات تجارية أو مولات أو منشآت سياحية .. وذلك كله سعياً لتحريك المياه الراكدة وخلق شروط عرض سينمائي صحية يمكن لها أن تجذب الجمهور من جديد ليكون للسينما دورها المتقدم التثقيفي والترفيهي والتوعوي .
وتعتبر مجموع الإعفاءات نواة هامة وأرضية متينة يمكن البناء انطلاقاً منها ، خاصة أنه في السنوات الماضية شهدنا تجارب لعدد قليل من الصالات التي تم تجديدها وعودتها إلى الحياة بعد أن وصلت إلى مرحلة مذرية ، وحدث ذلك بعد صدور المرسوم (549) لعام 2000 الذي أنهى العمل بالمرسوم (2543) القاضي بحصر استيراد الأفلام السينمائية المعدة للعرض التجاري بالمؤسسة العامة للسينما ، وتبعه صدور القانون رقم (4) عن مجلس الشعب والمتضمن عدداً من الإعفاءات للصالات السينمائية القائمة التي ستُحدّث والتي ستنشأ بعد صدور القانون . ومما لا شك فيه أن المرسوم الجديد الذي صدر مؤخراً كنا في أمس الحاجة إليه في عصر قفزت فيه السينما أشواطاً إلى الأمام ، ففي عصر الدولبي والديجيتال وتقنية ثلاثي الأبعاد .
والمفارقة أنه مازالت لدينا صالات عرض تلجأ إلى الأجهزة القديمة التي تجاوز عمرها الأربعين عاماً لا بل تفتقر إلى أضعف شروط العرض السينمائي (الإنساني) ومنها ما أصبح أشبه بالخرائب بفعل التراكم والزمن وباتت مقفلة أو شبه مقفلة ، واليوم هناك خطوات تشجيعية لإنعاش هذا القطاع وليكون للقطاع الخاص دور متقدم فيه من خلال ما يمكن أن يُحدث أو يجدد من صالات ، خاصة أن الحجج التي كانت تُبرر عزوف الناس عن السينما قد سقطت مع عودتهم إلى دور العرض المجهزة والتي تستحضر الفيلم الحديث ، لا بل وتعمد إلى توقيت عرضه بشكل متزامن مع توقيت عرضه العالمي ، واليوم مع وجود التسهيلات لاستيراد الأجهزة المتطورة ، ومع الإقرار أن الانترنيت وقرصنة الأفلام الحديثة عبر (dvd) لم يعودا عائقاً لأن طقس العرض السينمائي يصعب تحقيقه خارج دار العرض وهذا ما يميز المُشاهدة في الصالة عن مشاهدة الفيلم في المنزل .. أمام ذلك كله بتنا في أمس الحاجة إلى إنعاش طقس افتقدناه من خلال خوض أصحاب الصالات والمستثمرين التجربة وإن كانت تحمل شيئاً من المغامرة ، تلك المغامرة التي خاضها بعضهم والنتيجة كانت عودة الجمهور إلى الصالة (وإن بشكل خجول أحياناً) ولكنها أثمرت وهذا بحد ذاته خطوة نحو الأمام تعطي مؤشراً إيجابياً ، فعندما وجدِت الصالة المجهزة بشكل جيد وعرضت فيها أفلام عالمية هامة جذب ذلك جانباً من الجمهور وأعاده إلى مقاعد الصالات الفارغة ليملأها من جديد ، وهنا لا بد من الإشارة إلى سلسلة صالات الكندي في المحافظات والتي شملها التجديد فقد تم تجهيزها بأفضل المعدات على صعيدي الصوت والصورة .
واللافت تاريخ إصدار المرسوم الذي جاء بعد الإعلان عن تعليق الدورة القادمة من مهرجان دمشق السينمائي الدولي ، ما يعكس الأهمية التي يحتلها القطاع السينمائي والآمال المعقودة على دوره الذي يمارسه والذي يُنتظر أن يُمارسه ، فالسير نحو تطوير الحركة السينمائية هو ضرورة ملحة ، والمتتبع للشأن السينمائي السوري يمكنه ربط محاولة التشجيع على وجود دور عرض متطورة مع حركة الإنتاج التي ارتفعت وتيرتها ما يعطي بعضاً من مؤشرات بأن القادم من الأيام سيشهد نهضة سينمائية يكون للقطاعين العام والخاص دور فيها .
ولكن يبقى أن نسأل : هل ما تم إصداره من مراسيم وقوانين وما تم تحقيقه من إعفاءات وتسهيلات .. كافٍ ؟ ألسنا بحاجة إلى مرونة أكبر فيما يخص التعامل مع الصناعة السينمائية (صالات وإنتاج) ؟ وعلى سبيل المثال ، هل تعطي المصارف قروضاً خاصة لتجديد الصالات أو لإنتاج فيلم ؟ هل يملك المستثمر ثقة حقيقية بأن العجلة ستدور ولن يُفاجأ بما يمكن أن يعرقلها ؟ كيف يمكننا إقناع القطاع الخاص و المستثمرين بأن يدعوا ترددهم جانباً ويخوضوا المغامرة ؟ كيف لنا أن نكسر لهم حاجز الخوف ونعيد إليهم الثقة من جديد بأن إقامة الصالات هي جزء من مشروع وطني لإنعاش الطقس السينمائي من جديد ؟.. هي تداعيات أو تساؤلات تُطرح في محاولة لوضع الإصبع على الجرح لأن ما نريده في النهاية هو جني العنب ، ولا بد من القول إننا محكومون بإعادة الحياة للصالات لأنها شريان أساسي من طقس سينمائي ينبغي تواجده لأنه أحد المفردات الهامة التي تشكل في مجموعها فسيفساء المشهد الثقافي المعرفي والترفيهي .