2012/07/04
سعاد مهنا مكارم - البعث
يعزف المكان لحناً فتردده اللهجة راقصة على إيقاع جمالية العمل الفني، وكلما اقترب المكان من الواقع استطاع إعطاء العمل الدرامي مصداقية أكثر... فكيف إذا تم التعامل مع المكان ذاته؟.. هذا من جهة ومن جهة أخرى تأتي اللهجة لتكون الرابط الأقوى في مصداقية أي عمل درامي... فإذا تكامل المكان واللهجة تصبح المصداقية أكثر، وهذا ما حصل في مسلسل «الخربة» لمؤلفه الدكتور ممدوح حمادة ومخرجه المبدع الليث حجو.
ومن تابع المسلسل - وأعتقد أنهم كثيرون- وجد واكتشف، وكأنه يعيش قصة حقيقية لدرجة تماهت الشخصيات مع المكان تماماً، وأصبح الممثلون جزءاً من المكان وكأن العمل ليس تمثيلاً ، بل واقعاً حقيقياً.. حتى أن المتابعين قالوا عن الشخصيات إنهم أولاد الخربة الحقيقيون، وليسوا ممثلين فقط ، وهذا أحد أسباب نجاح العمل في مصداقية المكان... لم يجسد أو يصمم الفنيون مكاناً، بل قدموا أدوارهم في موقع حقيقي في قرية ذات حجارة سوداء، وأبنيتها القديمة تحكي قصة الواقع، فالتحم المشهد الحقيقي مع المشهد التمثيلي، فشعرنا أن الممثلين وكأنهم ساكنو الضيعة الحقيقيون، ولم نستطع فصل الأشخاص عن المكان، وظهرت بانوراما العمل بعدم القدرة على فك التصاق المكان عن الأشخاص، وهذه نقطة لصالح الأداء فكانت العفوية بارزة وواضحة، حيث أفاضت طريقة التصوير صدقاً على العمل، ومن تابعه يعتقد وكأنه يتابع عملاً وثائقياً لقرية من بيئة الجنوب السوري الجميل، نشاهدهم أشخاصاً حقيقيين يعيشون في مكان يضم حيواتهم ونشاطاتهم، ومن يتذكر مشهد فياض، وهو يرعى بقرات الضيعة لاعتقد أنه جزء حقيقي من مكان حقيقي، فتظهر البيوت كما هي، والدروب بين البيوت تشعرك وكأنك تحيا تلك الحياة بشكل حقيقي... برزت الضيعة بكل تفاصيل مكانها فاندمجنا كمشاهدين مع المكان وشعرنا بحقيقته.
ولتلك الضيعة لهجتها التي تميزها، ولها أسلوب تعبير ينطق بلسان ساكنيها، حيث برع الممثلون في تقديمها فجاءت عفوية صادقة، كل شخصية تتحدث بما يناسبها من كلمات، ومع ما يتناسب مع عملها ووضعها الاجتماعي ، فأدهشنا محمد حداقي في تقديم شخصية فياض واللعب على موسيقا الكلمة والعبارة، فنسمعه يقول العبارة، التي تميز اللفظ الذي يمكن أن يقوله راعي العجول:
«مات والمساس بيدو والبقر يجعر عليه»، العبارة في غاية الألم تعبر عن معاناة رعاة العجول في عملهم، وتعني أن أحدهم يبقى يعمل ويكدح حتى الموت ، فالمساس هي العصا التي يحملها بيده ليهش بها على العجول، أما كلمة «يجعر » فتعني البكاء بصوت حاد ومسموع وقوي مع النحيب .
وإذا تابعنا الحديث عن اللهجة نقول : إنها كانت متناسبة مع المكان، فبمجرد أن تكلم أحدهم بها ندرك مباشرة أنه ينتمي لبيئة المنطقة الجنوبية وتحديداً جبل العرب ، ويمكن هنا إيراد بعض العبارات مع توضيحها:
- ما قشعوش : لم يره
- صنديحته: رأسه مع وجهه وتحديداً مؤخرة الرأس
- أبديش نخ: لن أركع- لن اخضع
-تلاقوهاش : لا تجدوها
-شو كان نكّد: ما هو تأثيره؟
-ما أقوى عصه: كم هو ذو عنفوان
- أجرودي : ليس له شعر ذقن
-بيلبقش: لا يلبق له
-مسيّك بالخير: مساء الخير
الزمك: صغير الحجم
- أزلوط: ملعون
-بدنا ونس: نحتاج لمن يؤنسنا
-قردفك: تخلص منك
-يسد بوزه: يغلق فمه « وهي شتيمة»
- زوطوها: زودوها
تتلقمطش: لا تتكلم كلاماً دون فائدة
- بيسواس : ألا يصح؟
-إسا: الآن
-زقعوا: ضربه بقبضة اليد
-زلغط: زغرد
- جوفية: من أنواع الدبكة
-دهكوك: ضربوك
- بتزعفل : تخيف
-منشان: من أجل
- يا قر، يا قي صيحات استهجان إلى ما هنالك من كلمات تخص تلك البيئة، بحيث يشعر المرء فينا أن الأحداث حقيقية تجري في إحدى البيئات السورية، وبهذا أصبحت اللهجات غير مستغربة من قبل الآخر.
فالمكان واللهجة قادران على إعطاء أي عمل مصداقيته، فكلما كان المكان حقيقياً وليس مصطنعاً، وكانت اللهجة لهجة بيئة ذلك المكان كان العمل الدرامي أقرب إلى الواقع ومقبولاً من المتابعين له، فتتماهى الحقيقة مع الخيال وتطرح الأفكار لتصل كما يجب أن تكون.
أما الثغرة التي حصلت تلك كانت لهجة «أبو نمر»، حيث أظهرها فناننا الكبير دريد لحام كاللهجة اللبنانية، ومع احترامي لتاريخه الفني إلا أنه لم يتقن اللهجة، وكان يمكن تجاوز تلك الثغرة بالتنويه إنه عاش في لبنان مدة من الزمن على سبيل المثال أو إنه يتكلم لهجة أمه لأنها من أصول لبنانية ، وذلك من أجل الحفاظ على سياق اللهجة ضمن العمل فيكون مبرراً له أن يتكلم بلهجة لبنان، خاصة وأنه توجد مصاهرة بين منطقة جبل العرب ولبنان.
على كل الأحوال نستطيع القول إن اللهجة والمكان في مسلسل الخربة أعطت قوة للعمل فأقبل الناس على متابعة العمل بكل تفاصيله وأحبوه.