2012/07/04
فجر يعقوب – دار الحياة
أسوأ ما يحدث في حياة عموم المصريين بعد أحداث ماسبيرو المؤسفة، هو أن تنتقل إيجابيات ثورة 25 يناير إلى مجرد تحركات لـ«بلطجيين» يعيثون فساداً في أنحاء البلاد. وربما لم يكن مجرد مصادفة أن تتجدد أعمال العنف أمام مقر التلفزيون المصري، فيما يسلط المحللون الضوء في الصباح التالي على أحداث عنف طائفي لم تشهد مثلها مصر منذ أعوام كثيرة.
لا تبدو الصورة مقنعة في هذا الصباح، حين يطل عليــنا عبر شاشة «المصرية» خبراء تربويون يتحدثــون فيها عن مناهج التربية التي أودت بالجـــميع إلى هنا. هل سيصحو المصريون فقط من أجل تنقية هذه المناهج التي لا يجد كثر فيها أنها تحرّض على مثل هذا العنف، وأن هذا كلام لا قيمة له.
أين هي مدرسة النقاء تلك التي تبحث عنها هذه الأصوات من خلال المنهج الخفي الذي يقوم عليه أساتذة غير أكفاء. هذا المنهج يقول إن المشكلة في مدينة أسوان والمشكلة في القاهرة. ألا يبدو الموضوع غريباً ويقوم على تخريب خفي ومنظم لحدوث مثل هذه الأحداث المروعة؟ لا يبدو الجواب سهلاً هنا، لأن ما يحدث يهدد كل شيء، فهو يهدد بمحو وزوال كل ما هو أصيل في الشخصية المصرية، التي لم تقم من قبل على أساس هذا التفتيت الطائفي الذي يحصل اليوم أمام ماسبيرو، رغم أن المشكلة الرئيسة تبعد عنه حوالى ألفي كيلومتر، في حين يجري الحديث عن تهديم كنيسة قبطية في الجوار البعيد.
المناهج الخفية التي يتحدث عنها الخبراء اليوم ليست خفية تماماً. بعضها معروف ويقيم في النفوس، وليس في الكتب المدرسية فقط، وما يحصل اليوم أمام ماسبيرو يتعدى المكان نفسه، ليصبح علامة سوداء في هذه النفوس، وما لم تتق منها، فإن انجازات يناير في خطر داهم، لن ينفع معه بالتأكيد بث الأناشيد الوطنية الحماسية في قطع للبث المباشر من ماسبيرو، كما حدث في هذه اللحظات المؤلمة، حين قررت «المصرية» الاعتذار والعودة إلى جمهورها وإكمال الحديث مع خبير اقتصادي يتناول سقف الرواتب، والحل الجذري بالتخلص من الثقافة الوافدة التي دهمت الشخصية المصرية في السنوات الأخيرة.
في عودة جديدة ترصد حركة المرور أمام ماسبيرو، ثمة ما يؤكد ان المكان لم يعد المكان ذاته الذي كان قبل الأحداث. هنا ثمة ما يغلي تحت السطح، وتمكن ملاحظته في إشارات المرور والوجوه في «السيارات الغامضة»، والسيارات التي يجري تحطيمها وحرقها عند مطلع جسر أكتوبر.
حركة السيارات في الاتجاهين من نافذة ماسبيرو تكشف عن الاحتقان الخفي الذي يسود معها، حين نعلم أن ثمة من يوقف ركابها ليسأل عن الهوية، وما إذا كان صاحبها مسيحياً أو مسلماً.
ماسبيرو ليس مكاناً وحسب، إنه علامة سوداء مقيمة في النفوس، وهذا خطر ليس على أقباط مصر وحدهم، بل وعلى مسلميها ايضاً. إنه خطر على أهل المرحمة والأخوّة والإنسانية.