2012/07/04
موسى السيد - تشرين
في حديث تلفزيوني بث قبل أشهر استغرب الفنان المخرج حاتم علي, طغيان موجة الدراما التركية في الشاشات العربية, ولاحظ بعد زيارة قام بها إلى تركيا, أن الأتراك أنفسهم لا يشاهدون ما أصبح شهيراً على الشاشة العربية, وأن النخبة منهم لا تعد هذه الأعمال ذات قيمة تذكر, ومن المؤكد عدم وجود «مؤامرة» في قضايا الأدب والفن, ولكن من المؤكد أن التسويق في هذا المجال لعب دوراً مهماً, في التعرف على ما لدى هذا الجار الذي أدار ظهره للعرب قرابة قرن كامل, ليتجه بأنظاره إلى القارة العجوز التي أصرت على عدم استقباله في السياسة والاقتصاد, كما في الثقافة, بل أصرت هذه القارة, على تأكيد مقولة سياسية ثقافية في الوقت نفسه, لتبرير هذا الرفض, وهو القول للتركي: إنك تختلف, ومن طينة ليست أوروبية
وقد صنع هذا الكثير من الالتباس في الهوية الثقافية التركية, فهذه الهوية ليست شرقية ولا غربية بل هو مزيج, كما يظهر ذلك في بعض المسلسلات, من سلوك ومفاهيم وعادات شرقية بملابس غربية, أو بالعكس, ذهنية غربية, لا تحسن إخفاء جذورها الشرقية, أو الإسلامية في الذهن الغربي. هل تم اكتشاف الفن التركي فجأة من قبل العرب, أم إن وراء ما نشاهد على الشاشة, أغراض خفية؟
كان العرب يعرفون من الأدب التركي بعض قديمه, خاصة المدارس والأسماء الأكثر شهرة في التصوف الإسلامي, من أمثال جلال الدين الرومي, الذي كان تلميذاً نجيباً لمتصوفة بلاد الشام, خاصة محيي الدين بن عربي, وفي الأدب المعاصر اشتهرت أسماء محددة من تلك التي قاومت العسف في مجتمعها, وفي مقدمتها ناظم حكمت, الذي عانى السجن والمنافي, وكان نبض شعره قريباً للغاية, من موجة الشعر العربي المعاصر, وعرف شخصياً بعض أبرز أسماء شعراء الموجة التجديدية في الشعر في بلاد الشام والعراق ومصر, وصولاً إلى نيل «يورهان باموق» جائزة نوبل للأدب قبل أعوام, والغريب في هذه الحالة أن باموق كان موضع غضب حقيقي لدى السلطات التركية, هذا إذا لم نقل أن أنقرة قد عاقبت هذا الكاتب, بإقصائه عن المشهد الثقافي والأدبي التركي, رغم سمعته العالمية.
تتطلب الموضوعية القول: إن الدراما التركية اقتحمت الشاشات العربية من البوابة السورية, إذ منحت الدبلجة السورية لعدة مسلسلات طويلة للغاية, تلك الفرصة الذهبية لجعل هذه المسلسلات قريبة من القلب بالنسبة لأعداد كثيرة من العرب الذين وجدوا في هذه الدراما بعض الخيوط التي تذكرهم بأنفسهم من جهة, وبمعالجة أكثر انفتاحاً وحرية في الجوانب الشكلية تحديداً في قصص الحب التي تبدأ في زمن المشاهد عند نقطة محددة ولا تتوقف إلا بحدوث تغيرات درامية في حياة من يجلس أمام الشاشة, قبل رؤية النهاية في الدراما التي يشاهد(!). وربما لهذا السبب فإن الدراما التركية, جاءت بمثابة حاجة ترفيهية وكمالية لقضاء الوقت الضائع الذي يعتقد البعض وجود الكثير منه لدى المشاهد العربي, وربما يذكر هذا برواج الدراما البرازيلية والمكسيكية لفترة من الزمن على الشاشة العربية, ثم نسيان قصص مسلسلات تنتهي حياة الفرد ولا تتوقف عند نقطة النهاية (!) ولا يمكن في واقع الحال الحديث عن الدراما التركية, المدبلجة للعربية, من دون تفحص المسلسل الأشهر وهو «وادي الذئاب» في أجزائه الخمسة, إذ جاء هذا العمل, بمثابة «جرافة» ذهنية نفسية وسياسية في الوقت نفسه لتقديم صورة دور الدولة التركية في عالمنا المعاصر, فهو كناية عن تقليب مستمر خيالي وواقعي في موضوع مركزية هذه الدولة, الدولة التي تقاتل المافيا, وتعمل بعض أذرعها مع العصابات التي تأكل بعضها البعض, في حرب إبادة مبالغ فيها, في مسعى لبلورة مكانة هذه الدولة, ومحيطها الحيوي الذي هو العالم العربي بالدرجة الأولى, مقابل العمل لحجز مقعد تركي في صراع أجهزة المخابرات العالمية, ولا يخفي هذا المسلسل النزعة السياسية في الترويج, فالدولة بناها الأجداد منذ أكثر من ألفي عام, وهناك من يحرسها, وهم أيقونات عثمانية غامضة الملامح, ولكن بملابس عصرية, وعقول مستعدة لإزهاق أرواح بشرية لا حصر لها من أجل مجد الدولة التي أضاعت نفسها في الغرب, ولم تعثر عليها في الشرق!.