2012/07/04
عُلا يونس أحمد - البعث
طالعتنا الشاشة الصغيرة في الموسم الرمضاني الفائت بمجموعة من الأعمال التي شدت انتباه المشاهدين، بعضها يستحق الإعجاب، من هذه الأعمال مسلسل “الولادة من الخاصرة” من تأليف سامر رضوان وإخراج رشا شربتجي، وقام بأداء أدواره مجموعة من نجوم الدراما السورية.
طالما يتداول الناس أفكاراً عن علاقة الفن بالواقع ويقولون إنه انعكاس له، لكني في الحقيقة لست من القائلين بذلك تماماً، فللعمل الفني هامش يبتعد فيه ويقدم رؤيته لفكرة ما، وفي الوقت نفسه لست مع مجافاة الواقع والابتعاد عنه ليكون المشاهد في مكان والعمل في مكان آخر سيما أن الأعمال الدرامية أصبحت تنسج علاقات اجتماعية بديلة يتعلم منها المشاهد ويتفاعل معها وبالتالي فإننا في هذا المقال سنسلط الضوء على بعض المشاهدات.
يدور المسلسل في ثلاثة محاور، المحور الأول يتناول صيغة علاقة أمنية غير نظامية مع المجتمع وقد شد هذا المحور معظم الناس لأنه يمثل العلاقات المسكوت عنها والتي يتبرم منها الكثيرون مع أن العمل يقدم هذه الفكرة على أساس فردي ولا تتعدى ذلك، إلا أن المبالغات فيها كانت كبيرة، فالمقدم رؤوف “عابد فهد” هو فرد لكنه في المسلسل كان جهة أمنية بكاملها “فاتح فرع أمن على حسابه” يمارس كل ما من شأنه أن يكره الناس بهذا الجهاز الأمني، فهو قد مارس السجن والتنكيل والاضطهاد وحتى القتل دون حسيب أو رقيب، حتى تأتي الأمور في نهاية المطاف ليُكشف ويُعرى وينال جزاءه.
ومن المبالغات في هذا المحور أن تتزوج سماهر “سلاف فواخرجي” تلك الشابة التي قدمها الكاتب على أساس أنها شاعرة وناشطة وكاتبة سيناريو تضج بالجمال والذكاء من هذا الرؤوف دون أن تعلم إن كان ضابطاً في الأمن أم لا، فلربما غلبت عليها الحالة العفوية واللامبالاة كحال الشعراء، عاشت معه وكادت أن تنجب منه طفلاً، ترى ألم يقدم أوراقاً ثبوتية أثناء تنظيم صك الزواج؟ّ!!! وهل هي مغفلة إلى هذه الدرجة؟!!!
أما المحور الثاني فهو رب العمل الرصين “واصل” “سلّوم حداد” صاحب معمل الأقمشة الذي ورثه عن زوجته لم يفلح في تربية ولده الوحيد كما يجب وقد أفسده الدلال عندما شبّ ولم يترك من الموبقات شيئاً إلا وارتكبه، صعب على الأب “واصل” ألا يكون ناجحاً مع ابنه وعندما حاول أن يؤدبه لسوء سلوكه صفعه.. فندم، وأخذ في تعذيب نفسه وبالغ العمل في إبراز المظاهر المازوخية “ جلد الذات “ التي مارسها “واصل” بحق نفسه من إطفاء السيجارة في جسده وصراخه العنيف المنفلت واستخدامه للكماشة في تعذيب نفسه. يذكرنا بشخصية علي الكماشة في مسلسل “ايزل “ التركي، ومن ثم استعار لنا العمل شيئاً من مازوخية واصل ليوزعها على المشاهدين كحلوى العيد حين قطع لسانه بمشرط دونما مبرر لتبلغ الحبكة الدرامية نهايتها عندما قفز بوزنه الثقيل من الملأ الأعلى إلى الملأ الأدنى منتحراً.
أما المحور الثالث والذي يستحق وقفة احترام أمام جملة الحياة الحية في هذا الجانب من الحياة: عشوائية تحتوي على كل صنوف الناس، فئات اجتماعية من أنماط مختلفة متداخلة فيها النفاق والاحتيال إلى جانب الموسيقا والعشق والحب بالإضافة لنخوة ابن البلد وشهامته، فيها الفقير المدقع وفيها الثرثار الطفيلي الذي يغني كالصراصير ليله. وأهم شخصية في هذا الجانب كما أراها «جابر» الذي عانده الحظ ولبس مأساة اضطر في نهاية الأمر أن يبيع شيئاً من جسده لتستقيم أموره التي لعنتها الحياة.
ولكن من طرائف هذه العشوائيات اللقاء الظريف الذي جمع بين أبو فياض “قاسم ملحو” الشاب الأفاق مع فتاة متعلمة “ رنا شميس”، يستطيع ببهلوانية جميلة أن يجذب انتباهها وهي الجامعية التي تعمل في مجال المجتمع المدني وتستطيع أن تجذبه لناحيتها حيناً من الوقت مع الطرائف التي كانت تجمّل أعمال هذا المسلسل، ولكن تفترق بينهما الدروب لأن كلاً منهما في عالم، ولكن يترك كل منهما الآخر بكبرياء.
باختصار، إن هذا العمل يستحق الدراسة والعناية مع العلم بأن كل محور من هذه المحاور يصلح أن يكون عملاً قائماً بذاته، ومن الناحية الفنية جميع الذين عملوا في هذا المسلسل هم نجوم حقيقيون وتفاعلهم وتفهمهم لهذا العمل جعل منه عملاً متألقاً.