2012/07/04
أمينة عباس - البعث
لم يكن الحضور الكبير في حفل تأبين الفنان الراحل «حسن دكاك» الذي أقامه فرع دمشق لنقابة الفنانين، وجمعية المسرح الحر في مقر الجمعية، إلا مؤشراً للأثر الطيب الذي تركه الراحل دكاك، الإنسان قبل الفنان لدى كل من تعامل معه، ليكون ذلك درساً بليغاً للكثير من الفنانين الذين باتت الأرض غير قادرة على حملهم، فالراحل –كما جاء على لسان الجميع- كان يبرهن يوماً بعد يوم على أن الذي يبقى بعد الرحيل هو الذكرى الطيبة والعمل الحسن، لما كان يحمله من قيم وأخلاقيات تمتّع بها فحقق المعادلة الصعبة في أن يمارس إنسانيته بأوسع أشكالها وأنقاها، فالحكايات كثيرة عن إنسانيته ومساعدته للآخرين، إلى جانب نجاحه في أن يكون فناناً يمتلك شخصية فنية لا تشبه أحداً، وذلك بفضل اجتهاده ومثابرته..
من هنا تجلّت أهمية الفيلم التلفزيوني الذي عُرِض في بداية حفل التأبين تحت عنوان "قبض الريح" سيناريو وإخراج: الياس الحاج الذي لخّص فيه سيرة الراحل الفنية وأبرز المحطات فيها.
في حين أكد الفنان فيصل عبد المجيد، رئيس فرع دمشق في كلمة نقابة الفنانين أن الراحل لم يألُ جهداً في خدمة الفن وأهله، فكان نجماً تألّق في دنياه، وهو الذي وضع لنفسه نهجاً، فتحوّل إلى مدرسة درامية تستحق الولوج إلى صفوفها والتعرّف على محتوياتها كي تنهل منها الأجيال الجديدة معاني الالتزام والاحترام والأخلاق النبيلة التي تمتّع بها الراحل. وأشار عبد المجيد إلى أن الراحل ولد في عام 1956 بدمشق من أسرة دمشقية عريقة بتاريخها، وقد بدأ مسيرته الفنية منذ نعومة أظفاره، فعمل في المسرح القومي وانتسب إلى نقابة الفنانين في السبعينيات لتعدد مشاركاته في الإذاعة والمسرح والتلفزيون، وليتبوأ عدة مواقع في نقابة الفنانين، ولتكون له أيادٍ بيضاء في شراء مقر جمعية المسرح الحر، وفي إدارة الجمعية التعاونية السكنية للفنانين.
أما شفيق محسن، رئيس مجلس إدارة جمعية المسرح الحر، فقد بيّن في كلمة الجمعية أن الراحل خرج كعادته مساء 13 تموز يلوّح بيده فكان الوداع الأخير للذي كان قلبه يتسع للجميع، مؤكداً أن هذا القلب خذل صاحبه حين توقف عن الخفقان وهو في قمة العطاء الفني والإبداعي والاجتماعي، وبيّن محسن أن الراحل في جمعية المسرح الحر حمل أمانة المسؤولية من المرحوم عدنان بركات، وقد أدى هذه الأمانة بكل شرف وإخلاص، وكان همّه الوحيد النهوض بها.. من هنا فإن خبر رحيله شكّل فاجعة لأفراد أسرة المسرح الذين شعروا باليتم حين سقط جسر البيت.
كما تطرق الفنان زهير رمضان في كلمته التي ألقاها إلى حياة الراحل النقابية في نقابة الفنانين، وقد ترافقا عام 1990 في مجلس النقابة ليمثلا الجيل الجديد حتى عام 1998، حيث افترقا مهنياً ونقابياً ولكنهما وكما يؤكد لم يختلفا في مسيرة الفن السامي الذي قدّم فيه الراحل عصارة جهده ليبقى العنوان الأبرز لمسيرته هو حبه الكبير لأصدقائه وأهل بيته. وأشار رمضان إلى أن الراحل بدأ فقيراً وعاش ومات فقيراً، وما رحيله إلا خسارة كبيرة لجمهوره وأصدقائه وتلاميذه في المسرح الحر ونقابة الفنانين.
وبكلمة شقيقه الفنان بسام دكاك خُتِم حفل التأبين، وفيها تحدث عن الراحل وما تمتّع به من طيبة قلب وإخلاص لعمله الذي كان يعشقه، وأشار إلى أن أمثاله وإن رحلوا إلا أن أرواحهم وذكراهم تبقى حاضرة بين محبيهم.
شهادات
وعلى هامش حفل التأبين، التقت "البعث" مجموعة من الفنانين الذين حضروا تأبين الراحل وكانت شهاداتهم كالتالي:
نقيب الفنانين «فاديا خطاب» أغنى الأغنياء بإنسانيته
لا يمكن أن يكون هناك من هو أروع منه، كان أخاً وصديقاً وأباً وابناً لكل من يحيط به، وكان وفياً لكل أصدقائه وهو الودود الذي لا يعرف كيف يطعن من الخلف، فالودّ عنده لا يقابله إلا الود، وهذا ما جعله صديقاً للجميع.. كان مثقفاً ثقافة غير عادية، على الرغم من أنه ينتمي لبيئة فقيرة وهو الذي ولِد وعاش ورحل فقيراً، مع أنه كان من أغنى الأغنياء بإنسانيته وكرمه وإخلاصه وقلبه المحب للجميع، وكفنان أجزم أننا خسرنا أسطورة وحالة متفرّدة وظاهرة فريدة كالفنانين فهد كعيكاتي وأنور البابا..
حسن دكاك سيبقى في الوجدان والضمير، ولن أقول له وداعاً لأنه سيبقى خالداً في وجداننا.. لقد خسرناه وخسره الوسط الفني في سورية.
أسعد فضة.. حضور آسر
كان حضوره دائماً آسراً في كل الأماكن التي كان يتواجد فيها (النقابة-المسرح-الإذاعة-التلفزيون)، وبالتالي فإن رحيله خلّف حزناً كبيراً في قلوبنا وفراغاً في الوسط الفني.
بسام لطفي.. وصل إلى عالم النجومية
لم يكن خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، فبنى نفسه بنفسه وكان عصامياً في مسيرته، واجتهد وثابر وعانى الكثير، وبدأ نضاله وهو في سن مبكرة، وبفضل اجتهاده وحبّه لمهنة التمثيل رسم خطواته الصحيحة فوصل إلى عالم النجومية، وكما برع في شخصيات البيئة الشامية التي كان يجسدها برع في الشخصيات الأخرى، لأن قدرته كممثل كانت كبيرة ومتعددة، فنوّع في أدواره وهذا ما منح تجربته الفنية الغنى، أما على الصعيد الإنساني فكان من أولئك الذين تجدهم إلى جانبك في وقت الأزمات.
فراس إبراهيم.. أسرع في الرحيل
كان إنساناً عظيماً، وإحساسه العالي والمتدفق لم يساعده في تحمّل الظروف التي مرّت بها بلده، فكان قلبه أضعف من أن يتحملها.. لقد كافح وبنى نفسه بنفسه، وكان تواضعه على الدوام يزداد يوماً بعد يوم ونجاحاً بعد نجاح.. كان رحيله صدمة لكل من يعرفه، وأقول له: لقد أسرعتَ في الرحيل يا «أبا أنس».
غادة بشور .. الصديق في وقت الضيق
برحيله خسر الوسط الفني في سورية فناناً كبيراً لن يتكرر حضوره.. اشتغلت معه 14 عاماً في المسرح، وكنا أصدقاء وكان الصديق في وقت الضيق دائماً، ومعروف عنه أنه كان يلبي نداء أي فنان، ويقف مع كل زملائه في الظروف الصعبة، وبرحيله خسرناه كفنان وكإنسان استثنائي، وأتذكر جيداً عشقه الجنوني للمسرح الذي كان يفكر فيه حتى آخر دقيقة من عمره.
هادي بقدونس.. فقدنا هرماً كبيراً
فقدت أوساطنا الفنية هرماً كبيراً كانت له أيادٍ بيضاء على الدراما السورية في مجالات متعددة، وكان من المؤسسين للقانون رقم /13/ الخاص بتنظيم نقابة الفنانين، كما كان إنساناً مرهف الإحساس، واللسان يعجز عن وصف ما كان يتحلى به من أخلاق، والمؤسف أننا افتقدناه مبكراً .
أحمد مللي.. رحل باكراً
كنا نلتقي بشكل شبه يومي، وقبل رحيله بيوم التقينا، وعندما وصلني نبأ وفاته صُعِقتُ وهو الذي رحل باكراً.. لن أتحدث عنه كفنان، فمسيرته الفنية متميزة وبادية للعيان، إلا أنني لا بد وأن أشير إلى أنه من الفنانين القلائل الذين نجحوا في تقديم كاركتر خاص بهم، وعلى الصعيد الإنساني كان أيضاً من القلّة الذين يملكون هاجس التواصل مع الآخرين، فسؤاله دائم عن أصدقائه ومعارفه، وفي وقت المحن لم يجد هؤلاء إلاه يؤازرهم ويساندهم، فكان الصديق الصدوق.