2012/07/04
عدنان حبال - الوطن السورية
لماذا صارت شركات الإنتاج العربية والأجنبية تصر على صبغ الدراما التلفزيونية السورية بألوان قاتمة مرعبة ولا تنشر من ثيابها إلا الغسيل الوسخ الذي جمعته لها على مدى ما ينوف على قرن من الزمان؟
هل المقصود الإساءة إلى سورية المقاومة الصامدة أم هو إرضاء أعدائها في المنطقة وخارجها أم هو الربح التجاري وحده على طريقة صحافة الفضائح الصفراء؟
والمقصود طبعاً بسيطرة التشاؤم والسوداوية ليس خواتم الأحداث الدرامية بل مقولاتها والصراع الدائر فيها، فثمة الآن مسلسلات سورية كثيرة لا نرى فيها غير شخوص سلبية أو حقيرة أو جبانة أو عدوانية متسلطة من غير أن نرى في مواجهتها شخوصاً إيجابية شريفة تدخل مع الأولى في صراع فكري أو اجتماعي أو شخصي وتقاومها بحيث يتوقع المتفرج العربي أن تنتصر عليها أو تدله، وهذا أضعف الإيمان، على واجبه في محاربتها والخلاص من شرورها.
وقد تعلمنا ودرسنا أن الدراما بلا صراع تفقد أهم عناصر تكوينها وجاذبيتها للمتلقي وتخسر اهتمامه وكذلك استمتاعه بها ثم فائدته منها، لأن أي متعة بلا فائدة تصبح إحساساً غثاً مسيئاً للروح ومدغدغاً للعاطفة والجسد وحدهما، يتحول مع الأيام إلى إدمان خطر قد يرسخ الذل والخنوع.
وإذا وجد هذا الصراع الدرامي المطلوب في الدراما السورية بفرعيها التراجيديا والكوميديا، تبين لنا للأسف أنه صراع غير متكافئ ويميل غالباً لمصلحة الشر ضد الخير فالشر هو الفاعل في الأحداث وهو صاحب القرار في مصائر الناس بينما يبقى عنصر الخير ضعيفاً هامشياً لا يتمثل إلا في الثرثرة والوعظ الساذج المباشر وقد ينعدم جانب مقاومة الاستبداد والفساد نهائياً من الصراع حيث يسيطر العنف والقتل ويتلاشى العقل والحب والمنطق في التعامل بين الناس كما هو الحال أيضاً في بعض البرامج التمثيلية الإذاعية مثل «محكمة الضمير» الذي يدعو مباشرة إلى ترك المجرمين لتأنيب ضمائرهم الميتة أصلاً بعيداً عن معاقبتهم حسب القانون و«شخصيات روائية» الذي يتناول شخوصاً سوداوية مهزومة تثير الاحباط والتشاؤم.
إن على صناع الدراما السورية سواء من المبدعين أو المتاجرين فيها أن يفكروا بآثار أعمالهم الضارة على نفوس وعقول ووعي إخوتهم وأهلهم من المتفرجين العرب سواء في سورية أم خارجها، وقد سجلت خلال السنوات الماضية بعض الأخبار المتعلقة بهذه الآثار التي اقتطفتها من بريدي الإلكتروني:
1 – بعد عرض مسلسل «أشواك ناعمة» ازداد عدد الطالبات اللواتي تعودن على التدخين تقليداً لما كانت ممثلات المسلسل المذكور يفعلنه في معظم المشاهد المدرسية بطلب من مخرجة العمل.
2 – بعد عرض مسلسل «باب الحارة»، ورغم «جماهيريته» ازدادت حوادث الطلاق لأسباب تافهة وبنسبة كبيرة وذلك تقليداً لأبي عصام، كما ازدادت بعد الجزء الأول حوادث سرقة أهل الحارة لجيرانهم تقليداً «للإدعشري» وتفاقمت عداوات الثأر والأحقاد القديمة بين الحارات المتجاورة ولاسيما الشعبية منها.
3 – بعد عرض مسلسل «يوم ممطر آخر»: راح عدد من اليافعين الذين ساءت، نتيجة المسلسل، علاقاتهم بذويهم، يشكلون عصابات سطو مسلح، كما ازدادت حوادث الإصابة بالاكتئاب، الذي ادعت كاتبة المسلسل أنها تكافحه وتفاقمت نسبة تعاطي المخدرات ووشم الجلود كما في المسلسل المذكور وكما في ملحقه «تخت شرقي» للكاتبة نفسها.
4 – بعد عرض مسلسل «ممرات ضيقة» ازدادت حوادث اغتصاب الفتيات فقد وجد الشبان أن عقابها الوحيد هو اعتقال البنت المغتصبة أي الضحية حسب العرف والقانون وسجنها بتهمة الدعارة أو محاولة قتل مغتصبها المجرم.
5 – بعد عرض مسلسل «ليس سراباً» بدأت بعض العائلات المسيحية تمنع بناتها من الاختلاط أو حتى من الحديث مع شبان مسلمين.
6 – أثار مسلسل «أهل الراية» كثيراً من الجدل والخلافات حول تاريخ سورية الاجتماعي المعاصر وثمة شبه إجماع على أنه حفل بالمغالطات والتجاوزات وتجاهل أهم القوى الوطنية المؤثرة في تلك الفترة كما أغفل الجوانب الثقافية والاخلاقية والإنسانية الجميلة.
7 – أعطى مسلسل «الحوت» نموذجاً أو وصفة لكل من يريد الإثراء غير المشروع والسيطرة على أقدار الآخرين بالكذب والمكر والخداع، فقد قتل كاتب المسلسل جميع من وقفوا في طريق هذا الحوت الضئيل في جسده والضخم في حقده حتى إن أم الحوت كانت بين القتلى في الحلقة الأخيرة من المسلسل بعد أن حاولت قتل ابنها انتقاماً منه لضحاياه.
8 – دعا مسلسل «ليل ورجال» صغار العقول من الجنسين وهم كثيرون في مجتمعاتنا العربية إلى البحث عن السحرة والمشعوذين واللجوء إليهم في حل المشاكل العاطفية أو المالية التي يعانون منها.
أما كبار العقول فقد بدؤوا يشككون في جدوى عقلانيتهم بعدما شاهدوه في المسلسل من نجاح المشعوذين وصدقيتهم في أداء أدوارهم وتهديداتهم الابتزازية.
9 – أثار مسلسل «لعنة الطين» لدى المتفرجين غريزة الأخذ شخصياً بالثأر الأعمى من أهلهم وأقاربهم بصرف النظر عن الأسباب، وابتعد الكثيرون عن اللجوء للقضاء.
10 - استطاع مسلسل «باب المقام» رغم خاتمته المأساوية أن يبعث الهمم في نفوس المتفرجين ويحثهم على مقاومة الظلم والاستبداد.. وهذا يعني أن العبرة في العمل الدرامي ليست في خاتمته السعيدة أو المأساوية بل في بنائه الدرامي ومقولات أحداثه وحواره.
يجب إذا البحث في الدراما السورية عن المضامين الإيجابية المتفائلة التي كانت السبب في نجاحها منذ عقود وانتشارها، وكانت في معظمها قومية عربية وإنسانية مفيدة وصادقة مع نفسها.
أذكر منها «خان الحرير» و«أيام شامية» و«عصي الدمع» و«على حافة الهاوية» و«زمن العار» وروايات حنا مينة وهاني الراهب وألفت الإدلبي وعبد السلام العجيلي وفاضل السباعي وخيري الذهبي ووليد اخلاصي وفواز حداد، وآمل أن يتحول المزيد من الروايات السورية إلى نصوص سيناريوهات لأعمال تلفزيونية ترفد الدراما السورية وتصحح مسيرتها وتمنحها العمق والتفاؤل والجمال.