2012/07/04
محمود حسونة – دار الخليج
تحررت الدراما السورية هذا العام من حواديت “الحارات”، باستثناء “الزعيم”، التي سيطرت عليها خلال الأعوام الخمسة الماضية، وجعلتها ذات ملامح متشابهة وديكورات متطابقة، لتؤكد أنها دراما قادرة على نفض أي غبار عنها عندما يريد صناعها ذلك، ولعل حالة التحرر هذه تذكرنا بتحرر سابق قبل سنوات عدة من أسر ما كانوا يسمونه “الفانتازيا التاريخية” والتي لم تكن سوى وهم لا يختلف عن العالم الافتراضي، ويمنح المخرج حق التحليق بخياله ليصنع عالماً يُسقط عليه وقائع الحاضر، وإن كانت ملامحه لا تشبه في أي شيء هذا الحاضر .
الدراما السورية هذا العام لم “تخرج” فقط من الحارات، ولكنها حلقت في فضاء الحرية، وانطلقت بشجاعة كبيرة تلاحق آفات الواقع وأمراض المجتمع، لتقول كلمتها بشأنها، وتطلق صافرات إنذار من عواقب الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحذر من عواقب التسلط والظلم، وتلفيق التهم وحيك المؤامرات ضد الضعفاء المقهورين، لتعبر عن الواقع من دون مساحيق تجميل .
أكثر من مسلسل سوري شاهد المواطن العربي نفسه فيه بصرف النظر عن جنسيته، بعد أن وجده يعبر عن آلامه ومواجعه ويفضح ظالميه ويصرخ بالنيابة عنه، وعلى رأس هذه الأعمال “ولادة من الخاصرة” لسامر رضوان مؤلفاً ورشا شربتجي مخرجة، والذي يعد من أجرأ المسلسلات ليس عبر تاريخ الدراما السورية وحدها ولكن عبر تاريخ الدراما العربية .
“الولادة من الخاصرة” اسم مملوء بالألم، ومشاهد تتجاوز الخطوط الحمراء التي كانت معهودة في السنوات الماضية، ولكن يبدو أن الأحداث في سوريا وأكثر من بلد عربي محتها وألقت بها في غياهب الماضي .
المسلسل لا يتناول حكاية واحدة، ولكن أحداثه تدور في 3 محاور، كل واحد منها يصلح أن يكون مسلسلاً في ذاته، وكلها تتوحد في تناولها للظلم والاستبداد وما يفرضه من خوف وخضوع وكذب وابتذال أخلاقي وفقر وغضب وكلها آفات لا بد أن تؤدي في النهاية إلى الانفجار، وإن كان الانفجار لم ينتظر عرض المسلسل ولكنه سبقه وألقى بشظاياه على الجميع .
“الولادة من الخاصرة” صرخة درامية ضد فساد رجل الأمن وظلمه للجميع بمن فيهم ابنته وزوجاته، وصرخة ضد فساد الأبناء الأخلاقي تجاه آبائهم، وصرخة ضد حياة العشوائيات التي تخلف مجتمعاً مريضاً متناقضاً تحكمه قوانين الغابة .
أيضاً من المسلسلات التي تناولت الفساد “سوق الورق” للمخرج أحمد إبراهيم الأحمد والكاتبة آراء الجرماني، ويتناول الفساد داخل الجامعة من تجاوز أساتذة مع الطالبات والعبث بنتائج الامتحانات، والمجالس التأديبية وغيرها من المخالفات التي ترتكب داخل مؤسسة ينبغي أن يكون دورها هو تأهيل الشباب لإدارة وقيادة المستقبل، ورغم أن الجامعة محل أحداث المسلسل ليس لها اسم محدد، إلا أن الأحداث أغضبت إدارة جامعة دمشق (تم تصوير بعض المشاهد فيها) لتطالب بوقف المسلسل، ولكن من دون استجابة .
ولا ننسى مسلسل “يوميات مدير عام” والذي يقدم جزءاً جديداً منه بطله أيمن زيدان بعد سنوات من جزئه الأول، والمسلسل كوميدي يتناول فساد صغار الموظفين حيث يزور المدير إدارات مؤسسته متنكراً للكشف عن فساد موظفيه .
أما مسلسل “الخربة” للمخرج الليث حجو وبطولة دريد لحام ورشيد عساف وباسم ياخور، فقد لامس انعكاس فساد المدينة على القرية، ورغم أنه يدور حول عائلتين تتنافسان إلا أنه رفع في إحدى حلقاته شعار “الشعب يريد تغيير” غيرة من قرية مجاورة هبت عليها رياح التغيير، ولكن أهل القرية تقلص شعارهم رويداً رويداً، حتى وصل إلى تغيير ميكروفون بعد أن كان تغيير محافظ، وبعد حصولهم عليه لم يستطيعوا استخدامه وكأنه صرخة ضد التغيير إن لم يكن الشعب مؤهلاً له .
“فوق السقف” أيضاً يعد إضافة للدراما السورية، حيث إنه كان الأسرع تفاعلاً مع الأحداث وتناول قضايا حساسة مثل الأكراد والتظاهرات، ورغم أنه إنتاج رسمي إلا أنه اصطدم بمحاذير رقابية ابتداء من عنوانه الذي كان “الشعب يريد” ليتغير إجبارياً إلى “فوق السقف” .
من يقرأ مشاهد هذه المسلسلات، يلمس تغييراً في نهج الدراما السورية وجرأة في التناول، ومن يرد التغيير بلغة الدراما يرفع شعاره ويقدم مبرراته، ومن لا يريد يحذر منه، وأيضاً يقدم مبرراته والنتيجة دراما جديدة متحررة، من قيود سنوات وسنوات من الاعتقال في قفص “الفانتازيا التاريخية” و”الحارات الشامية” .