2012/07/04
سوزان الصعبي - تشرين
اعتدنا من خلال المواسم الرمضانية السابقة وهذا الموسم على شيء من احتكار بعض شركات الانتاج لأعمال بعض الكتاب أو العكس، فالكاتبة أمل حنا قدمت ومن خلال شركة سورية الدولية مجموعة من الأعمال منها (أحلام كبيرة وعلى حافة الهاوية وقلبي معكم) وفي رمضان الحالي نشاهد لها (جلسات نسائية). ربما تقوم هذه العلاقة بين الكاتبة والشركة على تاريخ طويل من الثقة بين الطرفين في أن كلاً منهما سيكون عند حسن ظن الآخر، يضاف إلى ذلك أن المثنى صبح مخرج جلسات نسائية كانت له تجربة سابقة مع نص للكاتبة وتجارب عديدة مع الشركة المذكورة، ما يولف طريقة مريحة في العمل أو لنقل شيئاً من التفاهم والفهم المشترك!!.
تأطير الشخصيات
لكن نص جلسات نسائية يثير العديد من نقاط التحفظ والتساؤل والاستغراب، إذ يقوم على عدد قليل من الشخصيات، وحسبما نطق به عنوان المسلسل صراحة، فهي شخصيات نسائية تتكون من ثلاث أخوات (هالة وعائدة وسلمى) وصديقتهن رويدة، إضافة إلى الأم الكبيرة وجارتها، ومنى المراهقة ابنة هالة.
تصر الكاتبة في هذا العمل كما في سابقه على تأطير كل شخصياتها ضمن صف الطبقة الغنية جداً، أي الطبقة التي لا تمت لأغلبية مجتمعنا بصلة، ما عدا الصفة الانسانية منها، فبيوت هؤلاء الناس تصدح بالأثاث الفاخر، وحياتهم تتوزع ما بين هذه البيوت والمطاعم الفاخرة وأماكن عملهم الأفخر، ربما هذا ليس مهماً بالمقارنة مع لغة الحوار التي يبدو أنها حملت لغة الكاتبة لا لغة الشخصيات، إذ يمكن وصفها بالنخبوية بما تحمله من عبارات مكثفة ومختصرة وبليغة تشبه اللغة الأدبية وإن كانت باللهجة العامية، لغة تترك أثراً جمالياً عند المتلقين من محبي الأدب والرسم وكل ما له علاقة بالإبداع وهم الفئة القليلة في مجتمعنا وأي مجتمع، هذا عدا عن أن كل الشخصيات من رجال ونساء يتحدثون بالطريقة المختصرة نفسها وبالدرجة نفسها من الانفعال - ما عدا بعض المشاهد القليلة - وكذلك منى ابنة الخمسة عشر عاماً تملك اللغة نفسها والعمق الفكري نفسه الذي يؤهلها لأن تقول مرة لصديقتها ما معناه أن الكبار يكذبون ويمنعون الصغار من الكذب، كما قالت لأمها هالة وقت خروج الأخيرة مع رجل طارئ (كتير شايفتيها حلوة تطلعي معه.. الناس شو رح يقولوا بس يشوفوكِ راجعة الساعة واحدة بنص الليل..) وبالطبع نحن هنا لا نناقش جرأة البنت الشديدة مع أمها ودوافع الغيرة عليها، فالعلاقة بينهما منفتحة ومحكومة بالصداقة التي دفعت منى لمصارحة أمها من دون خوف حين قام شقيق صديقتها بتقبيلها، واعتراف منى لأمها (في شي شدني لعنده، حسيت بشي لذيذ) وضع هالة أمام حيرة شديدة وجدت علاجاً لها في احتضان ابنتها ومشاطرتها السرير تلك الليلة، وكأنهما تعيشان في عالم الخيال لا في هذا الواقع المعقد المبتلى بالموروثات والخوف خاصة فيما يتعلق بأمور العاطفة في هذا السن الخطر، ولننصف دعوة جميع الداعين إلى الانفتاح والحوار بين الأجيال فإننا نقبل أن هالة المبنية شخصيتها على الصدق والحوار تجد صعوبة في مد هذا الجسر على مداه مع ابنتها، فالأمر ليس سهلاً، وفي المحاول شرف، وإن كانت محاول متعثرة لم تسلط الكاتبة الضوء عليها كما ينبغي، ما جعل أكثر من نصف حلقات المسلسل تمضي من دون مؤشر حقيقي نحو حرارة هذه المحاولة.
مشاهد بصرية
ومن ثم كانت حلقات المسلسل تبدأ وتنتهي من دون حدث يذكر، من دون انفعال أو مفاجأة تغير من طريقة أداء الممثلين التي اتسمت بالعادية، فلم تظهر ألمعية نجومنا إلا بما احتملوا من مساحات الصمت الطويلة وما ارتدوا من خشبية، ما تطلب من المخرج جهداً إبداعياً كبيراً في إظهار جماليات المكان وانفعالات الأجساد وفي تبديل زاوية التقاط الصورة بما ينتج مشهداً بصرياً جميلاً يعوض عن الصمت المطبق في أغلب المشاهد، ولم تسلم من هذا الاقتضاب في الحوار سوى الأم (انطوانيت نجيب) وجارتها (فاتن شاهين) وقد تشاركتا الهم والوحدة، لكنهما لم تصلا إلى مستوى ثرثرة المرأة العربية التي تجد في الكلام متنفساً لها.
وتتبادر أسئلة إلى أذهاننا، كأن نتساءل لماذا لم تفرد الكاتبة مساحة خاصة للوداع بين العروس سلمى وشقيقتيها كومضة لشيء من ذكريات طفولتهن أو مراهقتهن أو لحديث وجداني خاص كعلاقتهن الخاصة؟ ولماذا لم نعرف ماذا حصل في العشاء الأول الذي جمع بين هالة وعدنان لأكثر من ساعتين وقد أجبرها على إغلاق جوالها ليتسنى لهما الحديث بمعزل عن رنين الجوال؟ ولماذا لم تفعّل الشخصيات الأخرى حيث تشكل جملة من العلاقات الحيوية تعكس مجتمعاً صغيراً لا دائرة شبه معزولة تعيش في جزيرة نائية؟ وأيضاً لماذا أوهمتنا الكاتبة بأن مديرة دار الأيتام مثقلة بهموم رعاية الأطفال الثلاثمئة إلى درجة أنها تزور عائدة لتطمئن على الطفل الذي تبنته من هذه الدار وكأننا لا نعرف واقع دور الأيتام عندنا وما تعانيه من فوضى ومديرات لسن بهذه الأخلاقية؟!
دراما المخرج
مع ذلك فإن جلسات نسائية وقفة لافتة عند عالم النساء مرهف الحس، الحار بتفاصيله اليومية العادية وبمداومة النساء على شحذ أخوّتهن وصداقتهن بالمزيد من المحبة و(فش الخلق) في كل دقيقة تمر، الصادق في حبه والمتعطش كي يعطي الحب أكثر، وإلا فلماذا دخلت عائدة تلك المعركة مع زوجها كي تتبنى طفلاً تعطيه الحنان؟
يبدو أن المخرج قد حمل الجزء الأكبر في فهم هذا النص الهادئ جداً والمفتقر إلى الأحداث على حساب فلسفة الحوار، وانتشرت فلسفة الصمت التي تبدت جلية في الحياة الزوجية لعائدة وفادي، وفي الزواج الاضطراري المتفق عليه بدافع الواجب بين سلمى وجلال وقد فشلا في التوسع خارج إطار عبارتي (صباح الخير ومساء الخير) كما قد يحصل لأي زوجين غريبين في كل شيء.وقد استعان المخرج بقدرات الكاميرا والموسيقا التصويرية للفنان طارق الناصر التي أضفت سحراً طاغياً جعل من العمل رواية شعرية أكثر منه دراما.
تشاركت بطولة العمل كل من نسرين طافش ويارا صبري ونظلي الرواس وأمل بو وشوشة وميلاد يوسف وباسم ياخور وسامر المصري والطفلة صبا مرعشلي.