2012/07/04
موسى السيد - تشرين
عندما عرض مسلسل «ما ملكت أيمانكم» في رمضان العام الماضي أثار ردود فعل عنيفة لدى بعض الأوساط ولكن ليس جراء قراءات فنية أو نقدية، وكان الدليل على ذلك أن الممتعض من هذا العمل لم ينتظر حتى يرى الاقتراب من النهاية وهو أمر ذكره حينها مخرج العمل «نجدة اسماعيل أنزور» بينما رأى البعض الآخر «الرسائل» الفكرية التي طرحها هذا المسلسل من زاوية السؤال عما إذا كان هذا من الممكن أن يحدث لدينا؟
وبالمقابل حصل هذا العمل على التكريم الذي يستحق لأسباب فنية ولطبيعة ما فيه من جرأة، وجدها البعض حينها وكأنها تتجاوز كل السقوف التي يرسمها البعض لنفسه ويعتقد أنها موضع مشاركة كثيرين سواه دون تقديم الدليل الآن وقد مضى عام يبدو هذا المسلسل وكأنه كان ابناً شرعياً للمستقبل الذي أصبح حاضراً في سورية منذ أشهر وكأن هذا المسلسل قد جاء بمنزلة نبوءة أو صدمة لأن الكثير من الناس يفضلون راحة البال والاسترخاء على أية قراءات أربع أو فنية تلامس إقبالات أو ضفاف المستقبل أو تريد تسجيل ريادة المسالك الوعرة في الوعي والحراك الاجتماعي، الآن نستطيع القول بشيء من القناعة إن هذا المسلسل كان حجراً في بركة راكدة قياساً لما نشاهد الآن ليس على الشاشة بل الشوارع والمزارع والمناطق الوعرة من بلادنا.
قرأت قبل فترة رأياً عن الدراما السورية في رمضان الحالي قال صاحبه ما معناه أن الحكاية تتكرر: أعمال عن الماضي البعيد أو القريب التداول في صور المشكلات الفردية والعواطف المضخمة أو الطبيعية بين الناس ولكن لا أحد يتحدث عن الغدر ويمكن مناقشة العبارة الأخيرة إلى ما لانهاية ففي الكثير من الأعمال الدرامية السورية كان الغد حاضراً ولكن بصورة محددة للغاية
نهاية فردية لأبطال الفساد ثم إغلاق الدائرة أو التعايش مع الفساد والسخرية منه وتوجد أصناف كثيرة من هذه السخرية السطحية منها وتلك التي تجعلنا نبتسم ونغمض العيون وأخرى تترك النهايات للقضاء والقدر ولكن من النادر أن تم تقليب جينات هذا الفساد الذي أصبح كالهواء نتنفسه ونستطيع أن نراه لكن كي لا نضغط كثيراً بأصابعنا على الجراح التي يسببها
ليس من شك في حقيقة أن المكانة التي نالتها الدراما السورية لم تأت بالمصادفة بل هي الابنة الشرعية للتنوع الاجتماعي والثقافي المتعدد الأوجه في غناه، وقد يقول البعض إن «الاقتصاد السياسي» للفن في سورية كان عاملاً هاماً وهو كذلك بالفعل ولكن لا يستطيع كل نوع من هذا الاقتصاد الذي يعبر عنه بالمردود المالي أو حجم الانفاق أو أعداد المشاهدين، نقول إن الانفاق وحده لا يفسر كل شيء إذ يوجد شيء ينفق على الدراما في دول عربية أخرى أكثر بكثير مما هو في سورية لكننا كمشاهدين نفتقر إلى المقولات الفنية والفكرية والكثير من العمق الذي نتلمسه في الدراما السورية
نحن الآن فيما يبدو في زمن التعليقات السريعة كما يتم التداول بالأخبار العاجلة لهذا نسمع آراء تقول إن الأحداث في سورية سوف تغني كثيراً الدراما مثل هذا الرأي يفترض أن سورية تبدو مثل جزيرة معزولة لا تتأثر ولا تؤثر في كل ما يحيط بها وهي ليست كذلك في واقع الحال في الاقتصاد والسياسة وسواهما وفي الفن والأدب كذلك فقد اشتغلت الدراما السورية مسلسل «هدوء نسبي» عن غزو العراق وهناك أعمال كثيرة نجد فيها صدى الحدث اللبناني والفلسطيني وكل هذا لا ينفي الحاجة الحقيقية لإثراء الخطاب الفني حول سورية بمكان وزمان، ففي الأدب والفن ليس من الصحيح القول: علينا انتظار الحدث بل نحن من يذهب لاكتشاف ملامحه وهذه هي المغامرة الفكرية والفنية الكبرى!