2012/07/04
علي الحسن – الوطن السورية
أحد أبرز الوجوه الفنية ومن جيل الرواد المؤسسين للحركة الفنية ينتمي لزمن العطار وزمن الأخلاق والعمل بإخلاص.. طلحت حمدي الوجه الذي ألفه المتلقي على مدى سنوات طويلة ممثلاً من طراز رفيع في أعمال لا تزال محفورة في الذاكرة الشعبية يوم كان العمل لأجل الفن ضمن رؤى وتطلعات وهواجس أساسها الجمهور قضايا واهتمامات ومشكلات. طلحت حمدي القامة الفنية الكبيرة في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح، الممثل والمخرج والفنان الأصيل الذي لا يجامل ولا يداهن وكان دائماً صاحب هم ومشروع وصاحب الآراء الجريئة والطروحات التي تريد للفن نهوضاً ودوراً ريادياً ينمي ذائقة ويتلمس واقعاً ويضع يداً على جرح.. طلحت حمدي تشغله القضايا الجوهرية الكبرى ولا يعير بالاً لأعمال لا يكون هدفها النهوض إلا من منطلق التحذير أن انتبهوا يا أهل الفن والسياسة أنكم تضعون عقبات أخرى في طريق الأجيال في وقت عليكم فيه أن تنهضوا بها والفن أحد مجالات وميادين النهوض.
رأس المال القلق.. و«التابوهات»
«الوطن» التقت حمدي في حديث مطوّل وكانت بداية الحديث بسؤاله عن الإنتاج الدرامي السوري لهذا الموسم وقلة الأعمال مقارنة بسنوات خلت فرّد الأمر إلى أن أغلبية الشركات تنتج بأموال خليجية بتكليف من محطات عن طريق تزويد هذه الشركات بأموال لإنتاج تنسجم مع سياسات تلك المحطات الثقافية والإعلامية ونظراً للضائقة المالية في دول الخليج وسعي تلك الدول إلى دعم إنتاجها المحلي فلم يكن هناك تكليف هذا الموسم ومن يعمل على حسابه الشخصي يضطر إلى إيقاف العمل نظراً للكلف العالية فقلّ الإنتاج إضافة إلى أن الجو العام في البلد جعل رأس المال قلقاً، متريثاً حتى تنجلي الأمور.
عندما يتم التكليف خليجياً وبما ينسجم مع السياسة الثقافية والإعلامية ألا يضر هذا الأمر بالدراما السورية بصورة أو بأخرى؟!
الدراما السورية تطورت في السنوات الأخيرة من حيث الشكل فقط الأمر الذي أسهمت بتصنيعه الجهات الرقابية الإعلامية السورية التي توافق على النصوص وعلى التصوير ولديها قوانين ثابتة في الرقابة ألا تتناول الدين والسياسة وكفى المؤمنين شر القتال في حين يجب أن يكون للعمل الدرامي وظيفة وهوية لأنه يمثل الثقافة السورية خارج البلد ويتلقاه المواطن السوري لذلك أرى أنه بالأساس لا يوجد لدينا مشروع نهضوي أو ثقافي مثل قضايا: التحرير، الممانعة، النهوض الاقتصادي، التنمية، الانتماء الوطني، الانتماء السياسي.. وتأتي لجان الرقابة لتقول لك: لا تقترب من «التابوهات» واعمل ما تشاء، يعني نظرية الفن للفن تخدم السياسي إذ تحيّد الناس عن واقعها وعن مشكلاتها وقضاياها الحقيقية الحياتية والاقتصادية والسياسية وحرية التعبير وحرية الرأي وهذا التحييد بحد ذاته هدف سياسي إذ يتساوى المواطن في الخليج مع المواطن السوري الذي لديه قضايا ومطالب لذلك نحتاج إلى ثقافة درامية تنتمي لهذه المشكلات التي يعاني منها الوطن حتى نسهم ببنائه.
تقول إن نظرية «الفن للفن» تخدم السياسي.. هل تعتقد أن السياسة أخطأت بخياراتها فيما يتعلق بهذه النظرية؟!
السياسة أسهمت بهذا التدني في المضمون فأغلبية الأعمال السورية تدخل في «طق الحنك» والتسلية والترفيه وقضايا الجنس والدعارة والمخدرات (طبعاً هناك استثناءات أحترمها) بحيث قدمت الدراما المجتمع السوري على أنه مجتمع قتلة ومخدرات وجنس وخيانة زوجية.. إلخ في وقت أهملت فيه قضايا ملحة وأساسية ومطلبية ونضالية تشكل أثناء المعالجة درعاً حصيناً للوطن وتبني إنساناً قادراً على العطاء والبناء والإبداع والمواجهة وحماية الوطن.
الأمية والرقابة والتسابق إلى التدني
كيف يمكن حلّ هذه الإشكالية برأيك؟
هذا قرار سياسي.. عندما تحدد السياسة الهوامش يضطر المبدع للتحرك ضمنها وكذلك شركة الإنتاج أما عندما لا يكون هناك هوامش فكل يتحرك على هواه، لذلك ابتعد عن الدراما السورية الكتّاب الحقيقيون وأصبحت مرتعاً- باستثناء البعض- لكتاب لا شغلة لهم ولا عملة وعليهم طابع الأمية ويوجهون الأجيال!! إذاً من المسؤول، ولا توجد كلمة ولا يصور مشهد في سورية إلا برقابة ولا يصدر إلا برقابة فأين هوامش هذه الرقابة وأين حدودها وحقولها.. هذه تحتاج إلى مشروع ثقافي ومشروع سياسي.
عندنا مؤسسات.. وزارة إعلام.. ثقافة.. اتحاد.. كتاب.. مؤسسة إنتاج تلفزيوني وإذاعي.!!
عندنا مؤسسات ولكن لا برامج لها.. التلفزيون عندما ينتج لا يوجد لديه ضوابط ولا برامج.. كذلك مؤسسة السينما وهذا قلته للسيد الرئيس صراحة أننا بحاجة إلى مشروع نهضة حقيقية تسهم فيها الدراما كما الكتاب والإعلام والقصيدة واللوحة والأغنية..
مخافر الشرطة.. الشلل والعصابات
لماذا لا يكون هناك فريق عمل.. ورشة عمل تضم كتاباً وممثلين ومخرجين تجمعهم هواجس أو تقاطعات بينهم.. لماذا أنا كممثل اضطر للقبول بنص غير جيد أو كمخرج أو كشركة إنتاج..؟!
الظرف الاقتصادي الذي نعيشه ومواسم عمل الفنان فقط في رمضان.. ولا أحد يتجرأ أن يأخذ موقعاً.. بالعكس يتسابقون على التفاهة والتدني على مبدأ «هذه رزقة ولا أريد تضييعها»، إضافة إلى قضية مهمة جداً أن أغلبية الحركة الفنية ينقصها الوعي السياسي والفني والإبداعي، طبعاً لا أعمم، ثمة من لديه مشروع وهمّ إنساني ووطني وهاجس أخلاقي وللأسف هذه الفئة وفرص عملها قليلة ومحدودة ولا يتاح لها أن تشارك.
ومحاربة؟!
ومحاربة لأن أفكارها تعتبر هدّامة!! ولا أحد يرحب بها يقول لها أنا تاجر أريد أن أسوق مادة تجارية ولا أريد أن أسوق أفكاراً أسمم فيها الأجيال هكذا يعتقدون!!
ما دام القطاع العام هو الرائد في المشروع الثقافي السوري إذاً المسؤولية تقع على عاتقه وهو الذي يفتح الهوامش والخطط والمشروعات.. أين المسرح وأين السينما وأين التلفزيون ومؤسسة الإنتاج؟! والسؤال لو توقفت دول الخليج عن تمويل الدراما السورية وسورية الدولية ماذا سيحدث للحركة الفنية الدرامية؟! سوف تموت وأين البدائل.
إذا كان المنتج عقله عقل تاجر لا علاقة له بأفكار ومشروعات إنما له علاقة برأسمال ومصالح؟
هذا حقه.
نعم هذا حقه ولكن السؤال أين المؤسسة الرسمية.. القطاع العام الذي تحدثت عنه.. وزارة الإعلام.. أين تقع مصالحهم؟!
عندما يكون هناك ضوابط واضحة في المؤسسات الإعلامية بحيث يكون واضحاً ما المطلوب أو الحقول أو المناخات التي يتحرك من خلالها المنتج والكاتب فإن الناس تلتزم لكن الذي يحدث أنه عندما أكتب مشروعاً للتلفزيون «أحط في مخي» مئة مخفر شرطة قبل أن أمسك القلم!! تذهب إلى الجهة المسؤولة تقول لك ما عندنا شيء ممنوع اكتب ما تشاء لكن عندما يدخل النص للرقابة فإن غرفة عمليات التشريع بانتظاره: ولا تعرف ينتج أم لا.. يوافق عليه أم لا...
أقول ذلك لو كانت سورية بلداً رجعياً لقلت حقهم.. ولكن أنا أتحدث عن نظام تقدمي تحرري اشتراكي.
الهوامش الضيقة (وطق الحنك)
حضورك كفنان قلّ في السنوات الأخيرة؟
يبدو أنه غير مرحب بي من شركات الانتاج.. علاقاتي بالشركات تكاد تكون معدومة حتى علاقاتي بالمخرجين محدودة وشبه معدومة.
أيجب أن يكون للممثل الفنان علاقات حتى «يمشي حالو»؟
هذا هو الوسط شلل وصداقات وعصابات و.. كل شيء.
بماذا تفسر أنك كنت في سنوات خلت من أنشط الفنانين السوريين وأكثرهم حضوراً؟
كان هناك هوامش تسمح بالعمل أكثر.. عندما كان لدي شركة إنتاج قدمت أعمالاً مهمة جداً دخلت الذاكرة الشعبية.. أعمال تنسجم مع الطبقة الوسطى والوقوف إلى جانب قضايا الفقراء مثل «المستجير»، «السنوات العجاف»، «الظل والنور» أعمال من إخراجي كان هناك هوامش وعندما دخلت رؤوس الأموال الكبيرة للإنتاج التلفزيوني لم تعد الشركات الصغيرة قادرة على الاستمرار ومنها شركتي إضافة إلى أن الهوامش ضاقت.
في وقت يجب أن تتسع فيه الهوامش؟
أعتقد أنه لا أحد لديه هم حماية الأجيال من القنوات الفضائية فاليوم المواطن السوري طفلاً أو شاباً فريسة أحد نوعين من القنوات إما سلفية أو دعائية وإباحية، نحن فريسة عدم وجود إعلام بديل والإنتاج الدرامي السوري يأتي بأقنعة شفافة لطيفة «علقنا» بدراما البيئة الشامية بحيث لم يعد هناك عدو لهذا الوطن إلا فرنسا والعثمانيين علماً أن «إسرائيل» في القنيطرة لا تبعد عن دمشق أكثر من ثمانين كم.
فقط التاريخ ويتجاهلون الواقع؟
أين دراما الواقع.. أنا واحد من الفنانين ومنذ عشر سنوات تبنيت قضية الجولان وقدمت ومجموعة من الباحثين مشروع مسلسل تلفزيوني عن مقاومة أهلنا في الجولان للاحتلال.. لم تحصل مقاومة في تاريخ الشعوب كما حصلت في الجولان.. المشروع قدمته من عشر سنوات والجهات الرسمية الإعلامية تتقاذفه من درج إلى درج ومن مؤسسة إلى مؤسسة ولا أحد يتجرأ على إنتاجه فهل هناك قضية أهم من قضية الجولان بالنسبة لسورية؟! نحن جيل أسس الحركة الفنية في التلفزيون والإذاعة والمسرح قدمنا زهرة شبابنا وحياتنا مجاناً وحالياً تتخرج أجيال جديدة من المعهد وتقبض بالملايين ونحن إلى الآن نعامل بقروش.. هناك ظلم غير عادي.. من المسؤول عن ذلك.. يقولون لك مسألة تجارية وتسويقية بحتة بينما المطلوب حماية الإنسان العربي وتنوير عقله والنهوض بالمجتمع، الوطن العربي كله مهدد من قبل إسرائيل التي ستصل إلى الخليج العربي خلال أقل من 50 عاماً بدعم امبريالي أميركي لكن أنت ما بدك تخلق ثقافة مقاومة.
الدراما أحد أهم المجالات.. لكن فيما يتعلق بإسرائيل والمقاومة فهذا كلام ليس جديداً علينا وعلى ثقافتنا فمنذ عقود ونحن نتحدث عن ذلك في السياسة والثقافة والإعلام وثقافتنا قائمة إلى حد ما على هذا الأساس فهل ما كان قائماً خطأ أم ما حدث ويحدث مؤخراً خطر؟!
أنا لا أتحدث من منظور قريب المدى أو محلي أتحدث من منظور عربي.
ما قصدته أن هذا الكلام مطروق ومنذ عقود؟
مطروق في الإعلام للاستهلاك لكن أين الترجمة العملية على أرض الواقع درامياً ما هو مثلاً عدد الأفلام التي أنتجت عن القضية الفلسطينية؟! وكثير من الأعمال التي أنتحت عن القضية منعت في القنوات العربية و«أنا القدس» لباسل الخطيب مثال على ذلك ما نسبة الأعمال التي تتحدث عن فلسطين مقابل نسبة الأعمال التي تتحدث عن «طق الحنك» و«التشليط» السبب كما قلت لك أنه لا يوجد لدينا مشروع حقيقي جدي ثمة كلام للاستهلاك الإعلامي.. أي كلام.
لماذا حزب الله في 2006 قاتل ببسالة وهزم إسرائيل؟ لأنه يملك عقيدة حقيقية وإيمانه بحقه بهذه الأرض والمواطن هناك ليس محروماً من شيء والسؤال لماذا يدير المواطن العربي ظهره لكل القضايا المصيرية.