2012/07/04
سهام خلوصي – الكفاح العربي
في آخر أفلامها "L’amour a ses Raisons" تغوي مونيكا بللوتشي روبرت دونيرو الستيني. لكن "أجمل امرأة في العالم"، كما اختيرت أكثر من مرة، تؤكد أن الجمال وحده لا يكفي.
هذا الحوار مع مونيكا كلام على الحب والقوة والضعف، والطفولة والمسار المهني يستحق القراءة.
عندما يريد أي مخرج اختيار ممثلة لتجسد الجمال الأخاذ الطالع من خيال الرسامين هو يختار مونيكا بللوتشي. وعندما يريد النقاد وصفها يقولون "انها حقا جميلة"، وهم يسهبون في وصف التفاصيل: الوجه والضوء في النظرة وشكل الشفتين واليدين والصوت، وتدويرات الجسد... ويؤكدون ان كل شيء كامل. لكنهم يضيفون إنها اكثر من جميلة: إنها دافئة، بسيطة، طبيعية وإن هذا لا يقاوم. ويؤكدون انها لا تمثل. مونيكا سعيدة بأن تكون كما هي.
بشكل دائم اختيرت مونيكا "المرأة الأكثر اغراء في العالم" لكن هذا لا يجعلها تبتعد عن حقيقتها الانسانية، وهي لا تتردد في الكشف عن مخاوفها ومواطن ضعفها.
في آخر دور لها على الشاشة أغوت مونيكا روبرت دونيرو في فيلم "L’amour a Ses Raisons" للمخرج جيوفاني فيرونيزي. الفيلم كوميديا ايطالية من ثلاثة اسكتشات ناجحة جداً... ومن هنا ينطلق الحوار:
■ أنت تظهرين في الجزء الاكثر رومانسية من فيلم "L’amour a Ses Raisons" الناجح جدا، وفيه تقدمين دورا جديدا الى جانب روبرت دونيرو. كيف ارتضيت هذا الدور، وهل انتهت ادوارك السابقة؟
- عندما بدأ التصوير كان قد مضى شهران على وضعي طفلتي الثانية وكنت لا أزال أرضع ليوني. هذا الدور الناعم جداً لاءمني جدا في هذه المرحلة، لأنني كنت قد اصبحت أماً للتو، ولم يكن مناسباً أن ألعب دور المرأة ـ الطفلة. دوري كراقصة تعر فشلت في حياتها لكنها ستزعزع حياة أستاذ تاريخ الفن الذي كان يعتقد ان عهد الحب قد انتهى بالنسبة اليه، هو دور حسي جدا، وكان يتلاءم مع شكلي الذي كان لا يزال فيه تدويرات كبيرة وزائدة، وأنا استخدمت ذلك في خدمة الدور والشخصية. ثم ان التمثيل الى جانب روبرت دونيرو كان من المستحيل رفضه! كنت متأثرة جدا ومتحمسة كثيرا لأتشارك معه هذه اللحظات السينمائية.
■ في الفيلم عرضت عليه كيف يكون التعري وتجاوب، والمشهد يبقى رمزياً؟
- كان يفترض أن نشعر كلانا بالراحة كي يدخل كل منا في هذه اللعبة. هذه الكيمياء وجدت بطريقة طبيعية، وهذا أمر لا يحصل دوماً مع شريك في السينما. ليس لدي مشكلة مع جسدي. في أي حال لا احد كامل، ويفترض أن نحقق السلام مع ذواتنا. دونيرو تحضر لهذا التعري بكثير من البساطة، وقد كان رائعاً الى حد كبير خلال الستين سنة الماضية! عرف كيف يبث كل ما عنده من حس ايطالي: شيء من الذكورية وشيء من الخضوع أو الطاعة في الوقت نفسه. فالرجل الايطالي يحتاج الى امه (الى الماما) والى الملاطفة. حتى عندما يكون متزوجا وله اربعة اولاد، هو يذهب ليأكل العجائب عند أمه.
■ اذاً ليس مصادفة انك لم تتزوجي ايطالياً؟
- حظيت بعشاق عدة ايطاليين. لكن، صحيح، انه في النهاية لم أُبق اي ايطالي في حياتي. احس نفسي امرأة فائقة الأنوثة ـ أنا امرأة لا تريد اطلاقا أن تكون رجلا! (تضحك) ـ لكن منذ كنت صغيرة، لم ارد أن أكون تابعة للرجال. وهذا لم يكن مقبولا جدا في ايطاليا، كما في كثير من بلدان حوض المتوسط. ايطاليا بلد رائع لكن النساء فيه ما زال امامهن طريق ليقطعنه كي يجدن هويتهن.
■ بالنسبة اليك، كيف جاءت هذه الحاجة الى الاستقلالية رغم كل شيء؟
- في ذهني أنا أشبه الرجل الذي هو والدي. في طفولتي، لم يكن حاضرا كثيرا لأنه كان يهتم بشركة نقل، لكنه عرف كيف يعبر عن حبه ويعطيني موقعا حقيقيا في حياته. انا فتاة وحيدة ووالدتي ايضا التي لم تكن تعمل، غمرتني بعاطفتها. لا اذكر اي صباح لم تحضر لي فيه وجبة الفطور. مع ذلك فان والديّ لم يضيقا علي، بل حثاني على أن أفكر بنفسي، وأشعر انني حرة. كنت استطيع ان أبوح لهما بكل شيء من دون خوف، وحول اي موضوع. صديقاتي كن يحسدنني. كان والداي يتحدثان الي عن العلاقات العاطفية كما قلائل من الناضجين يفعلون في محيطنا. كنت مراهقة عندما قالا لي: مونيكا، عندما تمارسين الحب لأول مرة، يجب أن يكون ذلك مع شخص يعجبك. وإذا انت حملت خطأ فلا تخفِ ذلك عنا. نحن نساعدك، وسنربي الولد كي لا نتركك تشغلين بالمسؤولية وكي لا توقفي دراستك.
■ لماذا كان لهما هذا السلوك المتسامح والمتعاطف؟
- ربما لأنهما كانا شابين. عندما كان عمري 14 سنة، كان عمرهما فقط 34. كانا يخافان ان اضع نفسي في خطر، كانا يحميانني مع منحي امتياز الاستقلالية. وأنا لم انس أبداً. بدأت العمل باكرا كعارضة كي لا يكون لدي اي تشابك مادي في علاقاتي العاطفية. ولو لم يسر الامر جيدا لكان علي ان ارحل من دون ان اسأل نفسي كيف سأعيش.
■ الجمال اعطاكِ أيضا قوة وبالتالي نوعا من الأمان؟
- لا تعتقدوا ذلك، انا مستقلة في الحب، وفي اعماق نفسي أعرف أنني هشة. من الرائع ان نحب، لكن الجروحية (أي قابلية للانجراح) موجودة في اعماقنا! الحب الذي أعطيه، والذي آخذه، انا في حاجة كبيرة اليه. والروابط: الرجل، الاولاد ـ هذه تبعية عاطفية.
■ انت "أجمل امرأة في العالم" هل يمكن ان تخافي من ان يتركك رجل؟
- اذا كنت افهم جيدا علاقتي به، فأنا لن اقول لكم هذا. لكن انا لا افهمها. أنا اعيشها منذ ستة عشر عاما من دون ان افهمها. في مهنتنا نحن لا نتشارك اليومي، وهذا يلائمني، انه مصنوع لأجلي، لكن هذا لا يساعد على معرفة لماذا تسير العلاقة فلماذا تتوقف. أنا لم أحظَ ابداً بقصة طويلة كهذه. اقول لنفسي: "حاليا الامور تمشي، لكن لكم من الوقت"؟ بالطبع يجب ألا ننسى أن ما لا نسيطر عليه مثير للاهتمام. والخطر هو بالتأكيد مثير للعاطفة.
■ فانسان كاسل قال ان ما فتنه عندما التقاك اثناء فيلم "L’appartement" منذ 16 سنة، هو "شيء تراجيدي" في نظرك. مع هذا أنت تبدين مشعة أكثر؟
- معه حق، فأنا آتي من منطقة تدعى "L’ombrie" (من كلمة Omber أو الظلال). لدي هذا الحزن في داخلي، هذه الظلال التي يمكن ان تكون خطرة بالنسبة إلي والآخرين. لكن اريد ان ابقى مشعة، وهذا من اجل ان أحمي نفسي في النتيجة. اريد ان لا يرى اصدقائي، او الشخص الذي أنا معه، قلقي. لدينا جوانب رائعة وأخرى رهيبة، او على الاقل دنيئة، لكن ما لا يفهم أن لا يقاوم المرء ضد كل ما هو صغير فيه.
■ كيف تقاومين أنت؟
- لا اريد ان أشكل عبئا على أحد. يبقى أن المخاوف والشكوك والوحدة يمكن ان تحفز على التقدم. هي تجعلنا أكثر تسامحا تجاه أنفسنا والآخرين. أنا اكره ان أبقى منغلقة على أمني الشخصي في برج عاجي. هذا لم يكن سهلا عندما كنت صغيرة. كابنة وحيدة كنت خجولة جدا، كان لدي خوف من الخارج. بدأت اتحدث الى زملائي في الصف في عمر السبع سنين فقط. بذلت جهدا كبيرا لأغير ما في نفسي. ثم انني لم اكفّ عن الخروج مع صديقتي.
■التوضع عارية، هذا مخالف بالنسبة الى الفتاة التي كانت خجولة؟ هل هي طريقة تعتمدينها ضد التعصب والمتطرفين؟ رأيناك تساعدين المؤسسات التي تقاوم من اجل حرية النساء الافغانيات، كيف تشرحين ذلك؟
- أحب فكرة المخالفة. صحيح ان القضية التي ذكرتها تؤثر في، كما تؤثر كل القضايا التي تهتم بمعاناة النساء. في العام الماضي اعدت طباعة كتاب الصور عني (صوري) الذي شارك فيه عدد من اهم المصورين، وهو كتاب اعطيت حقوقه لمؤسسة "PaRoles Des Femmes" التي تبني ملاجئ طوارئ للنساء المهددات بالعنف. أنا سعيدة لأن الكتاب أعيد طبعه للمرة الثالثة. لكن التوضع عارية مسألة اعبر فيها عن حريتي. تمجيد الجسد، طهارته، وصدقه، مسألة تعجبني جدا وتروقني. النساء في عائلتي علمنني انه اذا كنت أنثوية فهذه ليست خطيئة. جدتي، آدا، التي انجبت في عمر 47 سنة، كانت رقيقة جدا، وهي ما زالت جميلة في عمر 80 سنة، انيقة مقلمة الاظفار دوما، وتذهب الى القداس واضعة احمر شفاه ناريا. ارى فيها امرأة سعيدة كونها امرأة، وهي تتأنق لنفسها وليس من أجل رجل. أحب الأجساد العارية وفي منزلي صور عديدة لعاريات، لوحات لنساء عاريات، لكن هذا لا يمنعني من ان افكر ان الجمال لا يكفي كي تكون المرأة مغرية. الجمال مملّ اذا لم يقترن بالحساسية والذكاء. هذا ما اقوله لـ"ديفا" ابنتي الكبرى.
■ جدتك انجبت في عمر 47 سنة، هل تريدين أن تنجبي طفلا ثالثا؟
- لا. Basta! مع ابنتيّ اللتين تبلغان 6 سنوات وسنة، الأمر جيد وسعادتي كاملة. أنا افهم النساء اللواتي لا يردن أطفالا، لكن انا، لم اكن استطيع ان اتجاهل الامومة. احببت أن أكون حاملا، وأن أرضع، وأن آخذ وقتي كي اعود الى وزني الطبيعي من دون ان اشعر بضغط نفسي، تمثيل الافلام يأخذنا الى حياة بوهيمية من الطائرات الى الفنادق، وإلى منازل مختلفة... ابنتاي، اللتان اصحبهما معي الى كل مكان، لا تعرفان الاستقرار المنزلي، لكنني اسهر على اعطائهما توازنا عاطفيا، وهدوءاً في المشاعر.
■ بأي طريقة؟
- بالحياة الحقيقية: تناول الوجبات معاً، النوم معاً، التحدث معهما في كل شيء... احب جدا مهنتي بأضوائها ومتطلباتها، إلا أنني احتاج الى ان اتواجد غالبا مع المقربين مني، اعيش "الطبيعية" اي الحياة الحقيقية.
■ ما الذي تنتظرينه من السينما ولم تعطك إياه بعد؟
انا صاحبة حظ كبير: انا مطلوبة من مخرجين من عوالم مختلفة جدا. أصور حاليا فيلم "Un été Brulant" للمخرج فيليب كاريل، وهو قصة حب ملعون بين ممثلة ورسام شاب يجسده لوي كاريل. ثم انني انتهيت من تصوير فيلم "La Saison Des Rh’inocéros" وألعب فيه دور امرأة ايرانية. انه للمخرج الايراني بهمان بوفادي الذي اخرج الفيلم الرائع "Les Chats Persons". كل دور يخيفني، لكن هذا الشعور يعطيني طاقة مجنونة لأكون في مستوى المهمة.
■ هل إنها أيضا طريقة لإغراء الرجل الذي تحبينه؟
- بالتأكيد: لكن هنا أيضاً مع محاذرة أن أثقل عليه بشكوكي وهمومي.