2012/07/04
علي الحسن – الوطن السورية
.... تقول الحكاية إن أخوين كانا يعيشان في حوش واحد وبدأت الخلافات تدب بينهما لتصل إلى العراك المتكرر فقام الرجلان ببناء جدار يفصل بين داريهما.. لكن الجدار لم يمنع الرجلين من الاشتباك مجدداً إذ صار كل منهما يستخدم سلماً- بوقت واحد وكل من جهته– للوصول للآخر والاشتباك معه..
وحدث ذات يوم أن شب حريق في منزل أحدهما وبداخله طفلة لم تتجاوز بعد السادسة من عمرها فمنع الجدار الطفلة من الهرب وحجب عن عائلة عمها رؤيتها وهي تحترق حتى فارقت الحياة..
في عزاء الطفلة «شهرزاد» بكى الأخوان بألم وحرقة، تعانقا.. وهدما الجدار.
.. تلك قصة واقعية وليست من حكايا «ألف ليلة وليلة» يرويها السينمائي التركي سمير أصلان يوراك «فشهرزاد» أخته والأخوان عمه وأبوه والخلافات بين الأخوين اشتدت على خلفية انتماء كل منهما لحزب أثناء الانقلاب العسكري على الحكومة التركية سنة 1960 وبعد 40 سنة من تلك الواقعة المؤلمة تلك يتناولها يوراك في فيلم سينمائي سيسميه «الشلال» 2001 في أسئلة مرة: هل كان علينا أساساً أن نبني جداراً؟ (والـ«نا» هنا تعني الجميع) وهل كان علينا أن ندفع بضحايا حتى نكتشف أننا كنا على خطأ؟
يوراك في حواري معه يعرف ذاته فلسفياً بأنه تقدمي يكره الظلم والخيانة والخداع.. وأنه حتى الآن يدرس نفسه لتساعده على فهم الآخر متماهياً مع ما قاله ماركس: «كل ما يخص الإنسان ليس غريباً عني» ومع ما قاله ديوستوفسكي: «الإنسان الأكثر عصرنة في العالم يمكن بلحظة ما أن يكون بدائياً» وأنه قد يتحول بلحظة ما إلى متوحش عندما لا يجد حلاً لمشكلة ما وهو، وإن يعتبر ذلك إفلاساً، يسقط هذا الكلام على أفراد ومجموعات وأنظمة ودول.
وعلى صعيد طريقة تفكيره أو شغله بالسينما فيوراك ميال في أفلامه للقضايا الإنسانية وتحديداً دارسة المآزق التي يتعرض لها الإنسان في حياته عندما يجد نفسه في طريق مسدودة ولا يجد حلولاً، معتبراً المشكلة بين الناس تكمن في اختلاف الذهنيات والتفكير، ففي منطقة الشرق الأوسط تسمع مثلاً– يعقب يوراك– من يقول لآخر: أنا لا أريدك في هذا البلد ويقول له الآخر الأمر ذاته ويذهب يوراك إلى أبعد من ذلك بالقول: إن الإنسان بصورة عامة لا يعرف ماذا يريد وهذه هي المشكلة الكبيرة.
وعن خياراته السينمائية ولأي درجة تمكن من أن يقول في أفلامه ما يريد فإن يوراك يقول إنه اضطر كثيراً للتنازلات في أعمال اشتغلها من أعماق قلبه تحت وطأة ما يطلبه المنتجون وعلى مبدأ المقولة التي تنسب لـ«حجا» «زمر بنيّك..» يقولها يوراك بتهكم وسخرية على سبيل المفارقة التي فرضت نفسها وحطت من قيمة أفلام له إذ عدل وحذف واستبدل.. ويعطي يوراك مثالاً هنا فيلمه «الطريق إلى البيت» 2006 الذي صور نصفه في سورية ونصفه الآخر في تركيا تدور فكرته أن بطل الفيلم الذي يخضع لاختبار صعب يبين إلى أي درجة هو إنسان نظيف وبريء قبل الانضمام إلى «مجلس حكماء» وكان مشاركاً في حرب ويقع في تناقض الأحكام بينه وبين نفسه هل قتل الإنسان جريمة في كل الأوقات؟!! وهل يمكن أن يكون الإنسان مجرماً دون أن يكون قاتلاً؟.. هذه الفكرة يتم تشويهها وتحريفها وتقزيمها بعد تدخل المنتج تعديلاً وتغييراً وحذفاً ليتحول الفيلم إلى «آلمندا» والأمر ذاته- كما يقول يوراك– ينطبق على فيلم «الشلال» لاعتبارات تجارية ذلك أن المنتجين لا يعنيهم في الأفلام إلا «شباك التذاكر» ومستعدون في سبيل ذلك إلى تشويه الأفلام وضرب رؤى المخرج وهنا يقول يوراك إنه بعد جدال مع المنتج كاد يرمي بنفسه من الطابق الرابع ويهلك لولا أن المونتير وفي اللحظة الأخيرة أمسك بقميص يوراك وأنقذه من موت محتم.
يوراك الذي تعلم اللغة الروسية في الثقافي الروسي بدمشق (1976-1979) ودرس السينما في موسكو في الثمانينيات يتعرض للتحقيق فور عودته من الاتحاد السوفييتي ويسألونه «بكم بعت تركيا للسوفييت؟ وماذا طلبوا منك؟ وإلى أي تنظيم تنتمي»؟ وذهبوا معه إلى أبعد من ذلك إذ قالوا له: « أنت جاسوس لروسيا» لكنه يتجاوز تلك الفترة العصيبة.
أما عن الجوائز العالمية للسينمائية التركية وقد أخذ الأدب التركي نوبل (أورهان باموق) فإن يوراك يرى أن الجوائز مسألة سياسية بحتة حتى باموق لم يكن أحسن أديب تركي فثمة أدباء أفضل منه وأورهان كمال مثالاً هنا ويرى أن السينما التركية وإن أخذت «كان» و«برلين» لكنها لم تتجاوز بعد فيلم «الأمل» 1970 لـيلماز غونيه، ويبدي يوراك إعجابه بأفلام سينمائية سورية كـ«رسائل شفهية» و«قمران وزيتونة» لعبد اللطيف عبد الحميد و«أحلام المدينة» لمحمد ملص و«الكومبارس» لنبيل المالح لكنه يرى أن السينما السورية لم تتناول موضوعات حارة قياساً إلى حال سورية لافتاً إلى أن السينما السورية يجب أن تكون «أكثر التزاماً وأكثر جرأة في الدفاع عن قضايا الوطن والشعب» ويلقي يوراك عتباً شديداً على المؤسسة العامة للسينما إذ أكد أنه ولأكثر من مرة طلب منها أفلاماً هي تختارها للمشاركة في تظاهرات سينمائية في تركيا لكنهم في كل مرة كانوا يماطلون ويقولون له: «قدّم كتاباً» ويقدم، ولا نتيجة!!، معتبراً المؤسسة العامة للسينما في سورية «تكية للمفلسين» مشدداً على أن الفنان ليس مهرجاً ولا رقاصة ولا بهلواناً، الفنان برأيه كما قال بوشكين «يجب أن يكوي قلوب الناس بالكلام»، إنه ضمير الإنسان وراهب معبد الحقيقة.
وأسأل يوراك الذي يتقن اللغة العربية عن رأيه بالأحداث التي تشهدها سورية فيقول: إن العملية مدروسة من الإمبريالية العالمية ومبرمجة منذ عقود طويلة مستذكراً مقولة لـتيودور هرتزل في مؤتمر بال بسويسرا 1897 «إن قلت لكم بصوت قوي إنني بنيت إسرائيل فسيضحك الناس علي لكني أقول لكم بعد 50 سنة ستولد دولة إسرائيل.. أما بعد 100 سنة من الآن فستكون هناك دولة صهيون الكبرى».
أما عن الموقف التركي فيبدو يوراك مصراً على رأيه من منظور احتمالين «إما تركيا داخلة في اللعبة منذ زمن وأتمنى ألا يكون ذلك.. والاحتمال الثاني أن تركيا التي تتورط حالياً بالمشكلة هي مخدوعة».
ويعقب يوراك: «تركيا إما مجنونة أو خائنة وهي– تركيا- كمثل دون كيشوت عندما قيل له «أنت مجنون» فأجاب «كيف لي أن أرى كل هذه المساوئ والمآسي من حولي وأكون عاقلاً!!» يوراك يريد أن يقول هنا إن الإنسان الشريف في هذا العالم المتخم بالمآسي سيصبح «إما مجنوناً وإما خائناً» ويستدرك يوراك: «تركيا إما جزء من هذه الآلة المنتجة لهذه الأحداث وإما غافلة ومغشوشة وأعتقد أن الاحتمال الثاني هو الأصح» ذلك أنه يرى أن لا مصلحة لتركيا مما يحدث تجاه سورية: «إذا سقطت سورية فالدور لا شك آت على تركيا لتقسيمها فالمخطط يشمل المنطقة كلها بما فيها تركيا».
ويتمنى يوراك أن يكون الناس أكثر وعياً إذ يقول: إن العدو قوي بشكل رهيب وإذا كان عدوك قوياً وقوتك لا تعادل قوته فمن الضروري أن تكون ذكياً فما بالك إن كان عدوك قوياً وذكياً فهنا عليك أن تضاعف من ذكائك وأن تكون متضامناً فأميركا – يضيف يوراك – اخترعت «الفوضى الخلاقة» على مبدأ «فخار يكسر بعضه» الأسلوب الذي لجأت إليه بعدما لقنتها فيتنام وأفغانستان والعراق دروساً لا تنسى فلجأت إلى تحطيم المجتمعات من داخلها بحيث لا يموت أي أميركي أو صهيوني أو أوروبي.
ويشدد يوراك بالقول: إنه لا يؤمن بشيء اسمه ديمقراطية في هذا العالم فالديمقراطية يراها أكبر كذبة ما دام المال يغير في القوانين، لافتاً إلى أن الشعوب الأميركية والأوروبية لو عرفت الحقائق عارية لرفضوا أموراً كثيرة ويعتبر يوراك أن الحديث عن «حقوق الإنسان» سفسطة وكلام فارغ فهم يعرفون أن الشعوب الأخرى لا تعنيهم، مبدياً شديد استغرابه من أميركا التي تريد الديمقراطية لأعدائها فعادة الخير يراد للأصدقاء!! متسائلاً لماذا لا تعمل أميركا ديمقراطية- على سبيل المثال في المملكة العربية السعودية كصديق لها؟