2012/07/04
بشار إبراهيم - تشرين
في بادرة طيبة، أمكن لي قراءة سيناريو فيلمه القادم، بعنوان «صديقي الأخير»، هذا السيناريو الذي تشير الصفحة الأخيرة منه إلى أنّ «جود سعيد» انتهى من كتابته، بالتعاون مع «الفارس الذهبي»، في شهر شباط 2011، بما لهذا التاريخ من دلالات، لا تخفى.
يقوم المخرج «جود سعيد» بوضع الراهن السوري على طاولة التشريح السينمائي، ليتفحَّص جوانبه، على الرغم من دقة وحذر هذه المهمة، على الأقل من ناحية أنه يبدو مؤسِّساً لخطه السينمائي، شكلاً ومضموناً، إلى درجة أن غالبية النقاد، ممن قُيِّض لهم مشاهدة فيلمه الروائي الطويل الأول «مرة أخرى»، انتبهوا إلى أن ثمة روحاً جديدة، ونبضاً جديداً، ودماً جديداً، وجد طريقه أخيراً إلى السينما السورية.
تنطلق أحداث فيلم «صديقي الأخير»، من إحدى الحارات الشعبية في دمشق. الأحداث تدور في زمن قريب جداً؛ حيث ثمّة تقارب واضح ما بين موعد حضور «رأس السنة»، بالتوازي مع «عيد الأَضحى»، وحيث المنتخب السوري لكرة القدم، يخوض تصفيات، فيفوز في إحداها، ويخسر ثانيها!.. وحيث ثمة حضور واضح لصفحات «فيس بوك»، و«يوتيوب»!..
التأثيث المكاني والزماني، يبدو في السيناريو يمشي على مهل، بهدوء وتأنٍّ.. وهذا التمهيد الذي يكشف لنا جوانب إيجابية، من شخصية «د. خالد»، وعلاقاته مع أهالي الحارة، واحترامهم وتقديرهم له، بسبب مواقفه وخدماته الجليلة، والتي سوف تتعزز لدينا، مع كشف «كاتيا» جوانب من نشاطاته التطوعية: مع أطفال اللاجئين العراقيين. مع الأونروا. مع لاجئي حرب تموز. وفي دارفور.. سيكون على النقيض، تماماً، من حضور «الأستاذ جمال»؛ شقيقه، الذي سنعرف أنه رجل أعمال، يزمع ترشيح نفسه في الانتخابات، ويحاول في واحدة من ألاعيبه، شراء ذمم أهالي الحارة، بما يجود به عليهم من رشاوى، على هيئة هدايا وأعطيات!.. مدعوماً بوالده «كمال»؛ الرجل ذي السطوة الكبيرة.
بعد هذا التأسيس النبيه درامياً، تأتي انتقالة مكانية كبرى إلى قرية في الساحل السوري، حيث ثمّة سرادق عزاء لأم يوسف. يوسف العقيد في الأمن الجنائي، في اللاذقية، وهو على بوابة الإحالة إلى التقاعد.
في اللحظة نفسها، سوف نرى «د. خالد»، ينتقل إلى بيته البحري، حيث سيقوم بتصوير نفسه بكاميرا فيديو منزلية. وعند الساعة الثانية عشرة ليلاً (مع رأس السنة، وعيد الأضحى)، يمضي منتحراً، ليرمينا جميعاً في بحر التساؤلات، عمّا يمكن أن يدفع رجلاً على النحو الرائق، الذي رأينا، إلى اختيار هذه النهاية الدامية!..
سيتم التمديد للعقيد يوسف، لأسبوعين فقط، يقوم خلالها بمهمة اكتشاف سرّ هذا الانتحار، وهو ما سيتحول إلى ضوء كاشف للكثير من ملابسات الواقع السوري، سواء على مستوى حياة العقيد يوسف، أو حياة د. خالد، نفسه، وعلاقاته المتشابكة، وتاريخه النفسي والاجتماعي، ونفوره من الفساد، حتى لو كان المنغمس فيه والده «كمال»، وشقيقه «جمال»..
سيترك د. خالد مكتبة من أشرطة الفيديو، التي قام بنفسه بتسجيلها، خلال فترات متعاقبة من حياته. وفيها يسرد الكثير من الوقائع الخاصة والعامة.. وسينغمس العقيد يوسف في مشاهدة هذه الأشرطة، واكتشاف ما فيها من حكايا وأسرار، تكشف عن المزيد من المدهش والمفاجئ..
شادر الانتخابات سوف يتحول إلى سرادق عزاء، قبل أن يتحـول إلى صـالة مشـاهــدة مبــاريـات الــمنتخب السوري.. والتحولات سوف تعصف بالشخصيات، جميعها، وتنتهي بها إلى مصائر، لا يمكن توقعها أبداً!..
يستثمر السيناريو أحاديث خالد التي سجلها أمام كاميرته الشخصية، لنصبح إزاء تقنية شاشة أمام شاشة، أو ما يمكن اعتباره فيلماً داخل فيلم، كما يستثمر مونولوجات خالد الصوتية، التي ترنّ في أسماع العقيد يوسف، لتتحول هي بدورها إلى كاشف من طرازها..
سيبدو المخرج «جود سعيد»، في فيلمه الروائي الطويل الثاني «صديقي الأخير»، مهتماً بالواقع السوري الراهن، يراه، ويتأمل فيه، ويُعمل مبضع الجرّاح السينمائي للتوغل في تفاصيله، نابشاً سوءاته، مفجراً الدمامل، وناكئاً الجراح، في سعي لتطبيبها، بعد تسليط الضوء عليها.. وهي أرقى مهمة مما يمكن للسينمائي أن يفعله.