2012/07/04
عباده تقلا - تشرين
كلما أتيحت لي فرصة متابعة الفيلم التسجيلي السوري «حجر أسود»، تذكرت كلام مخرجه نضال الدبس عن أن الفيلم يدق جرس إنذار ينبهنا إلى أين وصلنا، و في الوقت ذاته يوصل رسالة مفادها أنه لا يزال بإمكاننا مساعدة أولئك الأطفال الذين لم يتخلوا عن الطفل الساكن في داخلهم.
يعود إنتاج الفيلم الوثائقي «حجر أسود» إلى عام 2006، و هو العام الذي شهد مشاركة الفيلم في أكثر من مهرجان سينمائي مثل مهرجان سينما الواقع في باريس، و مهرجان ليدز السينمائي، كما حظي بتنويه خاص أثناء مشاركته في مهرجان الإسماعيلية الدولي في العام نفسه.
منذ بداية الفيلم الذي كتب له السيناريو خالد خليفة، و تولت إدارة تصويره مديرة التصوير الشابة جود كوراني، تشعر وكأنك أمام سينما طريق وثائقية، فالأطفال الخارجون من حي فقير في أحد ضواحي دمشق، يقصون علينا حكايتهم و هم على ظهر الطنبر متوجهين لجمع ما تيسر لهم من بلاستيك و حديد و شمع و غيرها من الأشياء التي يبيعونها في سبيل إعالة أسرهم.
يروي لنا محمد الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره حكاية تنقله بين مهن مختلفة لم ترق له، فمن نجار إلى حداد إلى عامل في معمل الصمغ، وعندما ندخل منزله و نتعرف إلى عائلته نرى والدته تطلق عليه لقب الأب الحنون للعائلة، في ظل غياب الأب. أما أخوته فجميعهم خارج المدرسة، أحدهم منزو لا يكلم أحداً، و ترى الأم أن ذلك يرجع لما كان يراه من سلوك والده الذي كان يسكر و يضرب الأم و يطردهم خارج المنزل. بينما تحلم أخته بتعلم شيء يفيدها في حياتها، و يحميها من الشعور بالاختناق، متمنية عودة الأب الذي لا تحمل له في ذاكرتها إلا صورة ضربه المبرح!
ونعود لاحقاً لنلتقي بنموذج مشابه لشقيقة محمد، ونقصد به يسرا ذات السنوات العشر، والتي نسيت كيف تكتب اسمها، ولم يتبق في مخيلتها من أيام المدرسة إلا ضرب المعلم لها و لزميلتها وسجنهما في غرفة الفئران.
- تبقى الكاميرا مع الأطفال في حواراتهم الصبيانية و مغامراتهم الصغيرة، تتابعهم بانسيابية فنشعر أنهم نسوا وجودها تماماً، و هم يعملون أو يمضون أوقات فراغهم في المسبح أو في صالات الكمبيوتر.
كما يمر الفيلم على كثير من المظاهر السلبية التي تتعرض لها الطفولة، فمن العنف إلى المخدرات و من الأمية إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال.
- يختتم الفيلم على مشوار للأطفال في سوق الحميدية، مع تناول العصير ومن ثم دخول إحدى صالات السينما و الذهاب إلى حديقة الحيوان، لينتهي المطاف بهم في جبل قاسيون الذي وصلوه من طريق خاص بهم ..
أثناء ذلك المشوار الترفيهي نتوقف مع رامي الذي يصر أنهم شباب وجدوا ليعملوا، و هم لا يطلبون من الناس شيئاً، و ليسوا مشردين بل معيلين لأسرهم.
«حجر أسود» الذي أنجز بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، فيلم يحتل الموضوع بطولته، و يسرد الأطفال فيه حكايتهم بأنفسهم، مشغول بعناية، مع طاقم عمل متميز أداره مخرج متمكن عرف كيف يتعامل مع أطفال الفيلم ويكسب ثقتهم ليخرجوا ما في دواخلهم. وإن كنا نأخذ على الفيلم هبوط إيقاعه في الدقائق الأخيرة، فإن ذلك لا يقلل أبداً من أهميته، ومن حساسية القضية التي أثارها.