2012/07/04

24 ساعة في العناية الفائقة .. بقلم نضال سيجري
24 ساعة في العناية الفائقة .. بقلم نضال سيجري

بوسطة

عندما يخرجوك من عملية جراحية وأنت تحت مقصّات ومشارط الجراحين والبرد هو سيد الموقف، فما يميز غرفة العمليات هو شدّة البرودة.. ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً قليلاً، هذه المرة كان البرد الأشد هناك في مكان آخر.. في ما يشبه المنفى أيام روسيا القيصرية.. منفى مليء بالبرد.. منفى يسمّونه عناية فائقة.

أنت الآن في غرفة العناية الفائقة، لا أحد يقول لك ذلك طبعاً ولكن ستعرف ذلك لوحدك ليس لأنك تمتاز بذكاء حاد، بل لأن المكان موحش بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. بالإضافة إلى أنابيب ملوّنة تدخل وتخرج من كل أنحاء الجسد دون استحاء أو خجل.. ستعرف لوحدك يا صاحبي بأنك ستقبع في غرفة العناية الفائقة لمدة 24 ساعة.

24 ساعة من الوجع الذي يظهر رويداً رويداً؛ 24 ساعة من الوحدة والعزلة والخوف.. وملايين الأسئلة المربكة للروح، والعقل خجول لا يريد أن يجيب على أي منها؛ أنت الآن في مكان يجعلك لا تعرف أين رأسك وأين قدميك؛ متخبّط وكأنك كنت على حلبة ملاكمة ضد ملاكم أطرش لا يسمع الاستغاثة وأنت طبعاً لا تعرف من الرياضة إلا الشطرنج؛ ورياضة الشطرنج لا تنفع في هكذا حلبات.. ولك الحق وحرية الخيال ماذا ممكن أن يجري بين ملاكم أطرش ولاعب شطرنج وكيف سيكون الوضع.. المكان الموحش يعتذر منك لأن لا إمكانية للأحلام هنا؛ فالكوابيس هي السائدة...

وفي لحظة هروب من كابوس يلاحق ذلك القابع في العناية الفائقة؛ يمر حلم صغير أو ما يشبه الحلم؛ أو ملاك أو ما يشبه الملاك؛ ملاك يخرج من بين غيوم بيضاء.. يأتي من صوب ضوء بعيد وكأنه الشمس.. يقترب الملاك ويسأل ما بك؟ لماذا أنت خائف؟ أهنئك لقد نجوت هذه المرة أيضاً.. فبكى الشاب الماكث هناك وقال: ما هي أخبار وطني؟خذ حصتي من النجاة و أَعطها لوطني.. فابتسم الملاك وقال للشاب القابع أمامه: "أولاً لا تعلّمنا ماذا علينا أن نفعل.. ولكن الأهم أريدك ألا تخاف يا صغيري لأن وطنك في قلب الله.. مسّد الملاك على رأس ذلك المرتبك ومشى.. غادر الملاك وعاد إلى غيومه الناصعة البياض وتحوّل الى خيط نور وغاب في ضوء الشمس.. في هذه اللحظة أيضاً تحوّل ذالك الشاب الذي في العناية الفائقة إلى ما يشبه طائر الفونكس. طائر فينيقي يبحث عن الحرية ويتحول إلى نور.. حتى اللحظة الطائر الفينيقي يبحث عن الملاك ليشكره على الحلم الذي أخذه إليه ولو للحظة؛ لحظة حلم استثنائية مرّ بها ذلك الشاب القابع هناك.. 24 ساعة من الكوابيس.. ولكن لحظة حلم واحدة كانت هي الأقوى والأبهى والأجمل... افرح أيها الحالم.. افرح أيها المواطن.. وطنك في قلب الله.. هذا ما قاله الملاك.

نضال سيجري

بيروت