2012/07/04
سامر محمد اسماعيل - السفير
كان لكلمة «عاجل» هذه المرة عبر شاشة الفضائية السورية وقع مختلف. فالوقت كان يقترب من الثالثة فجرا، في العنوان الرئيسي إشارة لبث صور أولى لمقبرة جماعية كان قد ارتكبها مسلحون متطرفون لجهة جسر الشغور شمالي غرب سوريا في الثامن من الشهر الجاري. لكن الجديد هنا أن التلفزيون السوري لم يكن وحيداً على أرض الحدث هذه المرة، فأكثر من عشرين وسيلة إعلامية عربية وأجنبية شاركته في تغطيته المباشرة.
الصورة بدأت وفق «ملحق إخباري» بثته الفضائية السورية، مع جرافة تابعة للجيش تزيل التراب عن جثث عشرة من شهداء الأمن والشرطة في جسر الشغور، الجرافة تحفر، فيما كاميرات الفضائيات تصور أشلاء ورؤوس من دفنوا هناك، لتنتقل الكاميرا إلى وجه أحد الإرهابيين المشاركين في المجزرة. هنا تغطي ميكرفونات الفضائيات وجه القاتل أنور نافع الدوش على مقربة من المكان، إذ لم يكن يتوقع هذا الأخير بعد إلقاء القبض عليه من قبل الجيش أن يكون في مؤتمر صحافي امام كل هذا الحشد. يسأله الزميل أنس أزرق مراسل «المنار»: لماذا قطعتم رؤوس الضحايا؟ يتدخل مراسل التلفزيون السوري الزميل عبدو حليمة: ما هو نوع السلاح الذي استخدمتموه؟ أسئلة كثيرة لم يجب الدوش عنها، لكنه ذكر أسماء شركائه، وكيف فروا إلى تركيا.
في المشهد أيضاً تبرز وجوه الجنود السوريين الى جانب وجوه المراسلين الصحافيين، وجميعهم في حالة دهشة. مديرة مكتب «أي أن بي» في دمشق الزميلة صفاء محمد تقول: «ما زالت رائحة الجثث في أنفي، لقد كان مشهداً مرعباً وفظيعاً». فيما يتذكر الزميل غانم شرف الدين مراسل قناة «أن بي أن» مشاهد الجثث المشوهة الملامح والمقطعة الأوصال
أما «العربية» و»بي بي سي العربية»، ورغم وجود مراسليهما في جسر الشغور، الا أنهما لم تبادرا إلى إعداد تقارير عما قامتا بتصويره؟ وهما اللذان كانا طالبا السلطات السورية مرارا بالسماح للمؤسسات الإعلامية بالدخول إلى سوريا؟ لماذا تتمسكان مجدداً بتكذيب الرواية السورية مع أنها كانت على أرض المجزرة؟ لماذا لم تُعد تقارير مصورة عن رؤوس الجنود المقطوعة وأجسادهم المحروقة، وعن اعترافات أحد أفراد التنظيمات المسلحة أمام عدسات كاميراتها، وعن صرخات أهالي جسر الشغور وهم يشاهدون المجزرة بأم الأعين؟ وعن الكمين المسلح الذي تعرضت له طواقم بعثاتها الإعلامية على مداخل ريف إدلب؟ أسئلة ستبقى في ذمة قنوات النفط التي لم تعد بريئة اليوم من خلفيات مسبقة لما تعرضه على شاشاتها.
لكن اللافت كان تغطية الفضائية السورية وخروجها أخيراً من نمطية نشرة الثامنة والنصف المسائية، واعترافات الإرهابيين في الغرف المغلقة على طريقة البرنامج الإذاعي الشهير «حكم العدالة»، وذلك باتجاه تغطية مباشرة لكل تطور ميداني جديد، يعكس يوماً بعد يوم حجم الورشة التي انعكست على حيوية نشرات الأخبار، وجدولة مواجزها، بعيداً عن كليشيهات خشبية عانى منها المشاهد لسنوات طويلة.