2012/07/04
محمد أمين - الوطن السورية
تغير المشهد الإعلامي العربي بالكامل. تغيرٌ لم يكن يتوقعه أحد حتى في الأحلام من كان يصدق أن تتراجع أخبار نجوم الفن والرياضة والغناء وأن تصبح من سقط المتاع، لم يعد المواطن العربي معنياً بالمطلق بما سيقدم هذا النجم أو تلك النجمة من مسلسلات وأفلام بقدر ما أصبح معنياً بمعرفة رأيه في ما يجري في أربع جهات الأرض العربية وبمجرد معرفة هذا الرأي يقع هذا النجم بين نارين: نار الحب والتقدير من جانب من تماهى مع رأيه ووجهة نظره وتوجهه السياسي أو نار الكره والبغض ممن خالفه الرأي والرؤية.
اختفت أو كادت أخبار المسلسلات والشخصيات الدرامية التي ستظهر في رمضان القادم، لم يعد يبحث المواطن العربي في ثنايا الصحف والمجلات عن أخبار نجمه أو نجمته المحبوبة لذا أصبح نجوم الدراما العربية قادرين اليوم على السير في الشوارع والظهور في الأماكن العامة دون أن يكونوا مضطرين للوقوف مع هذا المعجب أو تلك المعجبة لالتقاط الصور التذكارية.
لم يعد النجوم مجبرين على تكلف التواضع والابتسام بمناسبة أو من دون مناسبة من فالوقت ليس وقتهم إنه وقت الحديث عن السياسة وما يجري في المدن العربية من حراك سلمي وغير سلمي.
إنها لحظة الفضائيات الإخبارية العربية أو الناطقة بالعربية لحظة البحث عن الخبر وما وراءه والتحليل. إنها دراما من نوع مختلف، ونجوم من نوع مختلف، إنهم نجوم التحليل والتعليق وهم كذلك يلعبون أدواراً ليس بالضرورة أن يكونوا مقتنعين بها فبعضهم جرى اختيارهم على وجه السرعة وعندما لم يثبتوا كفاءة مهنية عالية تم استبدالهم بآخرين فالوقت ليس وقت الهواة بل وقت المحترفين القادرين على حفظ الدور عن ظهر قلب والإضافة إليه دون الخروج عن النص لأن من ذلك مغامرة فالخطأ هنا (بكفرة).
محللون من مشارب مختلفة ومدارس فكرية وسياسة مختلفة ومصالح متضاربة وكل يدعي أنه يملك الحقيقة والمتطرف تعريفاً هو ذاك الذي يدعي أن الحقيقة (صاحبتو) وإن ما عداه باطل وقد صدق الشاعر العربي عندما قال:
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرُّ له بذاك
تراجع الاهتمام ببرامج المسابقات التي انتشرت كالفطر في الفضائيات العربية لم يعد المواطن العربي معنياً بمن ربح أو خسر لم يعد باحثاً أو راغباً في تعزيز ثقافة العامة فكانت النتيجة خسارة المحطات ومعها شركات الاتصالات ملايين الدولارات التي كانت تنهب من جيوب الناس البسطاء الحالمين بالمال دون تعب ومن غير المال والفقر كان وراء ما يجري والفقر الذي يتخفى وراء كل السُتر ولا يملك شجاعة التجسد بهيئة رجل لكي لا يقتل قتلة شنيعة إنه يتفنن بتعذيب الناس ويقودهم إلى حتفهم بطرق لا يعرفها إلا هو.
تراجع الاهتمام ببرامج النكت البذيئة فالوقت ليس وقت دموع الضحك إنه وقت دموع الحزن والقهر والحسرة وصدق الشاعر العربي أيضاً عندما قال:
يا عين قد صار البكا لك عادة
تبكين من فرح ومن أحزان
إنه ليس وقت (لول) و(أهضم شي) إنه وقت حصاد الأخبار وأحاديث الثورة التي تبدو مثل (الاتجاه المعاكس) و(بلا حدود).
إنه ليس وقت الرياضة والدوريات العربية والأوروبية الكروية والحديث عن برشلونة وريال مدريد وميسي ورونالدو إنه وقت دوري الثورات وحساب عدد القتلى والشهداء والمفجوعين بأنفسهم أو بأهاليهم أو بأوطانهم.
إنه ليس وقت هيفاء وهبي ونانسي عجرم وإليسا لم يعد أحد يكترث بهن وبلباسهن وأولادهن وأغانيهن لأن الزمان قد دارت دورته واستعادت أغنية (الأرض بتتكلم عربي) بريقها فالوقت وقت الشعب الذي (لا يقبل المستحيل ولا يرتضي بالخلود بديلاً).
لم يعد الشباب العربي معنياً بما يُسمى طلاب ستار أكاديمي هذا البرنامج الذي زرعته دوائر خبيثة في المشهد الإعلامي العربي فتحول كالدُّمل المُسرطِن، لم يعد المواطن العربي معنياً بتعلم فنون (العشق الممنوع) من الممثلين الأتراك لأنه يرى في الفضائيات منه الكثير. تراجعت أسهم (مهند) في البورصات العربية فالوقت ليس وقت الرومانسية المزيفة والمفتعلة وليس وقت (الشذوذ) وارتفعت أسهم (محمد بو عزيزي)، فقد عاد كل شيء إلى مكانه الصحيح، إنه زمن الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي التي حولها العرب إلى مواقع تواصل سياسي بامتياز فنحن أشطر أمة في تغيير الأشياء لذا لا تستغرب أبداً إذا استغرب أحد عدم وجود حساب لك على هذه المواقع العابرة للحدود والعابرة للأسرار والعابرة للقناعات فمن لا حساب له عليها هو خارج الزمان وخارج المكان وربما يقول المستغرِب في سره وعلنه: كيف يعيش هذا من دون الفيس بوك؟
لقد تغير كل شيء والمسرح يتسع للجميع لأننا في مسرحية تحتل كل الأدوار وإذا أردت أن تلعب دورين وربما ثلاثة فهناك متسع فالمخرجون كثر والكتّاب كثر ولم يعد أحد يتفرج على أحد.
لقد تراجع كل شيء وتقدم كل شيء وكل لحظة تجبُّ ما قبلها فأحفاد قابيل وهابيل بالملايين والكل يتسلى بالدم والموت. تعنينا اللحظة ولا يعنينا ما بعدها.
لقد تغير كل شيء و«رب يوم بكيت منه ولما
صرت في غيره بكيت عليه».
لقد تغير كل شيء فنحن أمام مشهد اختلطت فيه المأساة بالملهاة ضاع الفاصل بين الكوميديا والتراجيديا، إننا نرقص على الحافة على وقع نشرات الأخبار.