2012/07/04
جوان جوان - تشرين
قد يمر وقت طويل قبل أن يحظى الفيلم السينمائي «مرة أخرى» للمخرج جود سعيد بما حظي به من تكريم في تظاهرة شاشات سينما عربية جديدة المقامة في مرسيليا الفرنسية،.
وفحوى التكريم هو استبعاد الفيلم من المشاركة في التظاهرة والامتناع عن دعوة مخرجه لحضورها عقاباً له على الموقف الإنساني الذي اتخذه المخرج مع مجموعة كبيرة من سينمائيي سورية الذين وقعوا على بيان السينمائيين السوريين الذي يدعو إلى الوقوف إلى جانب الوطن في المحنة التي يمر بها وتأييدهم لخطوات الإصلاح، وبما أن خطوة كهذه تعتبر في نظر الغرب تأييداً للعنف، وبما أن الغرب يعتبر أن الموقف السليم الذي على السينمائيين السوريين أن يتخذوه هو التحريض على المزيد من سفك الدماء وعرقلة خطوات الإصلاح فقد كان من اللازم معاقبة جود سعيد وفيلمه من خلال منعهما من المشاركة في هذه التظاهرة السينمائية تأكيداً لمبدأ الديمقراطية الذي ينادي به الغرب صباح مساء والقائم على مقولة «لك مطلق الحرية في أن تؤيد وجهة نظرنا، ولك مطلق الحرية في أن تكون خنجراً في خاصرة وطنك وشعبك، أما أن تكون لك وجهة نظر مغايرة فهذا يعني وضعك على القائمة السوداء وهذا ليس بغريب على بلاد تسجن كتّابها ومفكريها إذا ناقشوا في كتاباتهم موضوع المحرقة اليهودية مجرد مناقشة، فكيف إذا تجرأ جود سعيد وبعض من أبرز وأنجح السينمائيين السوريين على إصدار بيان يعلنون فيه وقوفهم إلى جانب الوطن والإصلاح؟
لا شك أن الجهة المنظمة للتظاهرة كانت تنتظر من جود سعيد أن يفعل كما فعل مخرج سينمائي سوري (يقدم فيلماً كل خمسة وثلاثين عاماً وهو بذلك قدم فيلماً واحداً حتى الآن باعتبار أنه لم تمض بعد خمسة وثلاثون عاماً على فيلمه اليتيم) عندما شارك مؤخراً في ندوة عقدت في مهرجان كان السينمائي الفرنسي عندما راح يهاجم بلده ويجيّش النفوس عليها، أو أن يفعل كما فعلت ثلة من السينمائيين السوريين العاطلين عن العمل عندما تمسّحوا على أعتاب سينمائيين عالميين كي يضعوا أسماءهم معاً في بيان واحد إلى جانب أربعة من السينمائيين الإسرائيليين وردت أسماؤهم في النسخة الإنكليزية من البيان وأغفلت في النسخة العربية! وهنا لا بد من تسجيل الاستغراب من قدرة بعض سينمائيينا الفائقة والمستمرة والتي لم تنقطع عن اللغو و(طق الحنك) طيلة أكثر من ثلاثين عاماً لو قضوا جزءاً يسيراً منها في العمل لأنجز الواحد منهم عشرة أفلام سينمائية على الأقل، وهم في الواقع لم يقدموا للسينما السورية سوى الأفلام الباهتة التي تعد على أصابع اليد الواحدة ومئات الصفحات وآلاف الساعات من الثرثرة والتنظير الفارغ و(البروظة) باسم السينما السورية في المهرجانات الدولية، مع ضرورة أهمية اتخاذهم لمواقف معادية لبلدهم في هذه المهرجانات لضمان مشاركتهم الدائمة فيها، وكان ينبغي على جود سعيد أن يفعل الشيء نفسه حتى يحظى باحترام المبشرين بالديمقراطية السوداء التي لا تؤمن إلا بالخراب والتفتيت.
المضحك المبكي في العذر الذي أبداه منظمو التظاهرة السينمائية لاستبعاد الفيلم هو أن مخرجه كان منحازاً في موقفه دون أن يوضحوا أن الجهة التي انحاز إليها هي بلده وشعبه التواق إلى لحظات أمان، وإذا افترضنا أنه منحاز بالفعل وينبغي استبعاده بناء على ذلك، فلماذا لم يبعدوا أيضاً ذاك المخرج السينمائي سابق الذكر الذي انحاز بدوره إلى مشعلي النار وواضعي الحطب تحتها؟ أم أن هناك انحيازاً مقبولاً وانحيازاً مرفوضاً، أليس مبدأ الانحياز واحداً، ولكن ماذا نفعل إذا كانت فرنسا مصرة دائماً على تعليمنا الدرس تلو الدرس في حرية الرأي والتعبير؟
ولا يبقى سوى أن نقول لجود سعيد إن الشرف الذي ناله جراء استبعاده فيلمه عن هذه التظاهرة (الديمقراطية) سيبقى وسام فخر يعلقه على صدره، وستبقى هذه (الجائزة) التي نالها الفيلم أرفع جائزة يحلم بأن ينالها فيلم سوري لأن أوسمة العزة والشرف غالية ولا حدود لقيمتها إذا ما قارناها بأوسمة الذل والجثو على الركب.