2012/07/04
محمد هاني عطوي – دار الخليج
إنها قصة رجل وفيّ إلى درجة أنه لا يريد أن ينسى شيئاً من أحداث هذه القصة الطويلة التي سطرها بين دفتي كتاب عنونه ب “نساء في حياتي” . إنه الممثل الفرنسي الشهير آلان ديلون الذي يركب موجة عاطفية عارمة تحمله بعيداً في رحلة طويلة تعود به إلى الماضي حين كانوا يسمونه “زير النساء” لأنه أقام علاقات كثيرة تراوحت بين الحب والصداقة، وأسهمت كل منها بشكل ما في تحديد مسار حياته . وهنا يعود بنا ديلون إلى سن المراهقة وإلى أول لقاء ثم إلى أول دور عاطفي ثم يعرج بنا على من شاركنه ابتساماته ودموعه وفهمن لحظات صمته .
كل نساء ديلون لم يكن بالضرورة أساطير، ولكن عندما أحببنه وشاركنه أفلامه، تحولن إلى نجمات بين ذراعيه . وبدءاً من والدته التي كانت تحلم بأن تصبح يوماً ممثلة، إلى الابنة التي رافقها ديلون أولى خطواتها على خشبة المسرح، يقف اليوم هذا “العاشق” وحيداً متذكراً الجنس اللطيف الذي طالما أظهر له براثنه وكشر عن أنيابه، وفي خضم هذه اللحظات البائسة كانت هناك لحظات حب وحنان طويلة وكثيرة ولذا يحاول ديلون أن يخلد تلك اللحظات بصوره المفضلة محاولاً مداعبة ظلال ذلك الماضي الوردي .
ثمة نساء في حياة آلان ديلون كان لهن مكانة خاصة مثل نتالي، المرأة الوحيدة في حياته التي حملت لقب “مدام ديلون” والتي أنجب منها ابنه أنتوني، وميراي دارك صديقته وأكثر المقربات منه والتي تعرفه جيداً عن ظهر قلب، وكذلك الممثلة الشهيرة رومي شنايدر، وأخيراً وليس آخر ابنته النجمة أنوشكا التي يحبها أكثر من أي أحد في العالم، والتي شاركها بعاطفة جياشة وهي تخطو خطواتها الأولى في عالم السينما والمسرح .
إلى جانب هؤلاء، كان هناك الصديقات المقربات مثل بريجيت باردو التي وقعت بطريقة مثيرة بقلمها على ألبوم صور للذكرى سيصدر قريباً، وهناك الشريكات اللواتي صاحبنه منذ خمسين عاماً أمام كاميرات أشهر المخرجين السينمائيين .
وأخيراً يتضمن الكتاب بعض الأسرار التي يفصح عنها ديلون للمرة الأولى كارتباطه بقصة حب عنيفة مع المغنية المشهورة داليدا التي تعرف إليها عام 1956 حين كانت تجاوره بغرفتها في أحد الفنادق الواقعة في المنطقة رقم ثمانية في العاصمة الفرنسية باريس .
وعند الحديث عن آلان ديلون صاحب النظرات الساحرة والوسامة المعروفة بين ممثلي السينما الفرنسية والعالمية لا يمكننا إلا أن نتذكر ساعة لقائه الصحافي الفرنسي المعروف ميشيل دروكير الذي تربطه به علاقة صداقة منذ زمن بعيد، حيث يقول دروكير: “كنت على موعد مع آلان ديلون في مطعم لورون “مطعم الوزراء ورجال الأعمال والشخصيات المرموقة” في باريس، وعندما وصلت حسب الموعد وجدته يتحاور مع امرأتين شقراوين، فجلست بعيداً بعض الشيء كي أفسح له المجال لإنهاء الحوار، وكنت أنظر إليهما كيف تحدقان به وهو منطلق في الحديث، وعندها قلت في نفسي إنه يوم جميل وسيكون اللقاء ناجحاً، فالحوار مع آلان ديلون ليس سهلاً ويمكن أن تتوقع منه أي شيء فهو معروف بغضبه السريع إذا استفز بطريقة أو بأخرى، ولحسن الحظ أنني في هذا اليوم وجدته مبتسماً وسمعت سيدتين تتحدثان بهمس مسموع وتقولان إنه “مازال وسيماً وجذاباً كما عرفناه” .
عن وسامة ديلون - يتابع دروكير - حدث ولا حرج، ففي سن السابعة عشرة كانت والدته “مونيت” تقول: “عندما كان يأتي إلى الملحمة التي كان يعمل بها والد زوجي، كان الزبائن “لاسيما النساء منهم” يفتنون بنظرات آلان الساحرة، فهو يمتلك عينين زرقاوين ساحرتين بالفعل، كفيلتين بإيقاع كل من تنظر إليه .
ويعلق دروكير على كلام والدة آلان: “هاتان العينان أوقعتا في حبائلهما أجمل نساء السينما “الفرنسية والعالمية”، فديلون كان واحداً من أكثر الرجال وسامة في السينما وربما في العالم . ولذا يقول ديلون في الألبوم المصور الاستثنائي المليء بالصور الجديدة التي لم تنشر سابقاً: “أردت بهذا الألبوم أن أثني على كل النساء اللواتي أحببتهن وأحببنني وأنا مدين لهن بما وصلت إليه من شهرة” .
ويضيف دروكير: “لاشك في أن ممثلاً مشهوراً مثل آلان ديلون مدين للنساء بشهرته لأن لم يكف عن فتنهن علماً بأنه تجاوز السبعين من العمر، فهو لم يزل ينحني أمام المرأة الجميلة وتجذبه بالتحديد ابتسامتها المشرقة، ويريد دوماً أن يفهم من أمامه من الجنس اللطيف أنه ليس “حبيباً لأمه فقط” بل لكل الجميلات .
يشير دروكير الذي أجرى الحوار، إلى أن ديلون بدا له على مدى الزمن الذي مر خلال الجلسة، وكأنه ينظر بشيء من السوداوية إلى الأمور، مظهراً في بعض الأحيان نوعاً من الكلل والإنهاك أو التعب من الظهور بمظهر الرجل الفاتن مع مرور الزمن . ويضيف دروكير أن هذا الرجل الموهوب في كل شيء تقريباً، لم يكن موهوباً من أجل السعادة . وفي هذا الصدد تعبر الممثلة بريجيت باردو عن ذلك في مقدمة الألبوم بالقول: “إذا كان صديقي آلان ديلون يعطي عنه تلك الصورة لرجل يعض بالنواجذ على الحياة، فإنه يعرف أيضاً كيف يتآلف مع فكرة الموت، فهل سيكون الموت آخر النساء في حياته؟” .
من هنا يبدأ ميشيل دروكير حواره مع آلان ديلون، والذي نشرته مجلة “باري ماتش” الفرنسية .
* من كانت صاحبة أول وجه أثرت في حياتك؟
- كان وجه والدتي مونيت، ولذا وضعت صورتها في أول الألبوم المصور “نساء في حياتي”، وفي هذه الصورة تظهر والدتي وهي تغسلني في مغطس نحاسي صغير . . كانت مونيت التي تسمى أصلاً إيديت تحبني كثيراً، وكانت فخورة جداً بالنجاح الذي حققته والشهرة التي بلغتها، ولقد فهمت سريعاً أنني لم أكن ولداً مثل بقية الأولاد من جيلي، وكانت والدتي تريد أن تكون ممثلة، وكانت لديها الموهبة لكن الحياة ومآسيها وزواجها الثاني حالت دون ذلك، لذا أصبحت أنا ما كانت تريده هي، وأراني مديناً لها بكل شيء .
* هذا الألبوم المصور الذي عنونته “نساء في حياتي” هو كتاب للذاكرة بطريقة مصورة اخترت له عشرات الصور، فماذا كنت تشعر خلال الاختيار؟
- عندما كنت أنظر إلى كل صورة كنت أشعر بحنين إلى الماضي وبشيء من الألم الشديد وكأن حياتي مرت عبر 200 صورة فقط، والحقيقة أنني لم أتعرف إلى بعض هذه الصور، لكن الكثير من الذكريات عادت إلى الواجهة وكأنها بالأمس القريب، وهذا يشعرني أحياناً بالكآبة والسوداوية لأن عدداً من هؤلاء النساء لم يعدن على قيد الحياة وكأنهن لم يملأن هذه الحياة ضحكاً وحيوية، بل إن بعضهن يكبرنني بعشرين سنة وقد شارفن على الموت، وعلى الرغم من عمرهن المتقدم إلا أن ذكراهن راسخة في عقلي ووجداني إلى الأبد .
* هل قصدك أن تتحدث عن بريجيت أوبير وميشيل كوردو؟
- بل أستطيع أن أؤكد لك أنهما أسهمتا في انطلاقتي السينمائية في خمسينات القرن الماضي، فبريجيت أوبير كانت نجمة مشهورة جداً ونحن نذكرها جيداً وهي بطلة فيلم “موعد في يوليو” للمخرج جاك بيكر، وفي فيلم “اليد في الطوق” لألفريد هتشوكوك إلى جانب ممثلات جميلات أمثال غريس كيلي وممثلين مشهورين مثل كاري غرانت . في هذه السنوات أنا لم أكن شيئاً يذكر أمام هؤلاء العمالقة، وعندما عدت من الهند الصينية في تلك الآونة، كانت مقابلتي أو لقائي مع بريجيت أوبير في شارع سانت بونوا في أحد الملاهي الموسيقية “الجاز” حاسمة، حيث سكنت عندها فترة وهي التي عرفتني إلى ميشيل كوردو زوجة المخرج إيف اليجريه، هذه الأخيرة فرضتني على زوجها الذي أعطاني أول دور في فيلم “عندما تتدخل المرأة في بعض الأمور”، وبعد أكثر من خمسين سنة على هذه التجربة، لم أزل أتذكر جيداً هاتين المرأتين اللتين أدين لهما بالكثير .
* هناك أربع نساء يحطن بك في هذا العدد من مجلة “باري ماتش”: رومي شنايدر ونتالي وميراي وأنوشكا، كيف أحببنك وكيف أحببتهن؟
- مع رومي شنايدر الذكريات حلوة تارة ومريرة تارة أخرى، وما أحمله في قلبي لها ابتسامتها المشرقة التي لا تنسى، فعندما كانت تبتسم كان كل شيء يضيء ويتحول إلى جمال . وفي عام ،1958 كنت لم أزل في بداية الطريق وكانت هي النجمة الأوروبية التي جسدت دور الملكة سيسي وكان عمرها لم يتجاوز العشرين سنة، أما أنا فلم أكن سوى شاب صعب المراس والعقلية خاصة بعد عودتي من الهند الصينية، والواقع أن كل شيء كان يزيد من ابتعادنا عن بعضنا بعضاً، ولكنني حاولت أن أهذب من عقليتي واختارتني كي أكون إلى جانبها في فيلم “كريستين” ثم ومع تدخل صديقي جون كلود بريالي الذي اشتقت إليه كثيراً، أصبحنا حبيبين .
* في هذا العرض الجميل المصور في كتابك، هناك واحدة تسمى “مدام ديلون” فهلا حدثتني عن أم أنتوني ابنك؟
- في الواقع تزوجنا أنا ونتالي أم ابني أنتوني عام 1964 وكان هناك تشابه كبير بيننا إلى درجة أن الكثيرين كانوا يظنوننا إخوة . والحقيقة أن علاقتنا الزوجية لم تكن تلك العلاقة الهادئة بل كانت مليئة بالعواصف لأن طباع نتالي قريبة من طباعي النارية، ولكن مع الزمن عدنا وتلاقينا وأنا فخور بأنني أنجبت منها ولدي أنتوني .
* هلا حدثتني عن “ميمي” أو بالأحرى ميراي دارك؟
- الواقع أن لها مكانة كبيرة في هذا الألبوم، وهي بلاشك واحدة من بين النساء اللواتي أحببتهن كثيراً وأكثرهن معرفة بطباعي ونفسيتي، ولقد تعارفنا عام 1968 أثناء تصوير فيلم “المسبح” وكنت حينها قد انفصلت عن نتالي، وأمر بفترة نفسية حرجة مع كثير من المشكلات المهنية وغيرها، وفي تلك اللحظات كانت ميمي إلى جانبي أحبتني ودعمتني واستمر ذلك أكثر من 15 سنة، وأستطيع أن أقول إن الأمر مستمر هكذا حتى الآن، فهي بطريقة ما المرأة التي أثرت في حياتي بشكل جذري لأن علاقتنا واشتراكنا في الكثير من الأمور لم يفترا أبداً .
* لاشك في أنها تستحق الكثير من الإطراء لأنها تحملتك طوال تلك السنين لأنك تعترف بأن العيش معك ليس بالأمر الجميل كما يمكن أن يتخيله البعض .
- نعم أعترف بذلك، فأنا سريع الغضب ومزعج وأثير الجلبة وغير عادل في بعض الأحيان، خاصة عندما أكون في انتظار أمر ما فأنا أكره الانتظار . والحقيقة أنني لا أحب النفاق وأقول ما أؤمن به بكل وضوح رغم أن ذلك يصدم الكثيرين . ولقد عاشت ميراي لحظات قاسية معي إلى درجة أنها عانت معي أمراضاً خطيرة في القلب وخضعت لعمليات عدة، ولذا أقول إن علاقتي بميمي لن تنقطع أبداً .
* يوجد في كتابك اعتراف مهم ومثير ومؤثر وهو قصة حبك مع المغنية الشهية داليدا في ستينات القرن الماضي فهلا حدثتني عنها؟
- - لقد تعارفنا قبل هذا التاريخ بفترة طويلة نسبياً أي في الخمسينات، حينها كنت أعمل ليلاً ونهاراً وأقبع في غرفة متواضعة في أحد الفنادق في شارع جون ميرموز بالقرب من الشانزيليزيه . وفي الطابق نفسه كانت تسكن بجانبي فتاة تسمى يولدندا جيوليوتي، وكانت قادمة من الشرق الأدنى وتحمل في جعبتها لقب ملكة جمال مصر عام ،1954 وكنت أنا
وهي نحلم بالمجد والظفر، وبعد عشر سنوات تحولت هذه الفتاة إلى داليدا وأنا إلى ديلون . وأذكر أننا التقينا ثانية في روما، وكنا نحب بعضنا بعضاً بعيداً عن العيون وكاميرات الباباراتزي وظلت المرات النادرة التي ظهرنا فيها سوياً طي الكتمان سنوات طويلة، وعندما اقترح علينا إيدي باركلي وأورلاندو “أخو داليدا” تسجيل أغنية “كلمات، كلمات” بغناء ثنائي “ديو” كانت علاقتنا السرية غير واضحة، وأنا لست آسفاً إلا على أمر واحد، هو أنني لم أتمكن من الحديث إليها في الهاتف قبل أن تضع حداً لحياتها .
* من اليوم المرأة التي تشاركك حياتك؟
- ابنتي أنوشكا، فقبل سنوات عدة عندما صعدت سلم مهرجان “كان” معها وهي تشبك ذراعها بذراعي لا تتخيل الشعور الذي انتابني وأنا معها، واليوم أعيش لحظات رائعة مع تجربتها في المسرح، كيف لا وقد غدت خلال سنوات قليلة كوميديانة جيدة بل وممتازة، وأنا أحبها بشغف كما أحب أخاها آلان فابيان، ولها في ذلك عليه درجة ربما لأنها أنثى، ولذا فأنا أرضخ .
* لماذا أنت وحيد اليوم، فهل هذا خيارك؟
- أنا لست وحيداً أبداً، ولكن مع من سأعيش، مع امرأة أصغر مني بكثير، فأنا لم أعد شاباً فتياً، وعندما ندخل في سن الشيخوخة تصبح لنا عادات خاصة، ولا نعد قادرين على منحهم عقلية الشبان الذين يقضون جل أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر أو مع هواتفهم الجوالة . والواقع أنه يوجد لدي تناقض تعرفه جيداً، فلقد كنت قبل ذلك سعيداً وأنا مع زوجة لكنني أيضاً أحب أن أكون وحيداً مع كلابي التي شاركتني حياتي على مدى أربعين عاماً ومنحتني الحنان والطمأنينة اللامتناهية التي لم يتمكن البشر من منحي إياها أبداً . وكما تقول بريجيت باردو هذه الصديقة التي أحبها كثيراً، إنه يوجد لدي جانب وحشي أو بربري، وأنا لست إلا هراً برياً غير قابل للترويض، ولذا تبقى هذه الهررة وحيدة .