2012/07/04
دارين صالح - الوطن السورية
عرف بجرأته اللامحدودة التي بلورها من خلال أعماله التي كانت مرآة حقيقية للواقع، لامس الخطوط الحمراء وغاص بتفاصيلها فأثار الانتقادات وحفيظة رجال الدين.... عمل نجدة أنزور على تطوير العمل الإخراجي واحترم عقل وعين المشاهد في أعماله وقدم في مسلسلاته رؤى بصرية جعلته من المخرجين السوريين المميزين... تمكن المخرج نجدة أنزور، بفضل موهبته ومثابرته، من الارتقاء بمستوى الدراما السورية والعربية، فلم تكن تجربته على امتداد السنوات الماضية خبط عشواء، ولكنه كان واثق الخطوة ويعرف إلى أين يذهب فتجاوز المألوف والكلاسيكي إلى التجديد، ليصنع مدرسة إخراجية خاصة به.
«الوطن» التقت المخرج الكبير نجدة أنزور وكان معه اللقاء التالي:
ما مشاريعك القادمة؟
حالياً نتابع تصوير مسلسل محمود درويش، وانتهينا من تصوير مسلسل شيفون من إنتاجي، ومن كتابة هالة دياب وهو مكمل فكرياً لمسلسل ما ملكت أيمانكم.. عمل يتحدث عن الإرهاب والفيس بوك ومشاكله من خلال المراهقين الذين لهم مشاكلهم أيضاً كالمخدرات والجنس والتعليم والتربية في البيت..
هذا العمل سبق الأحداث ومهد لها، فعندما بدأنا بكتابته لم يكن هناك ثورات ولا الأحداث التي شهدناها مؤخراً، ولكن العمل قابل للتكيف مع الوضع الراهن، لذا طورنا بعض الأحداث خلال التصوير وبما يتناسب مع المضمون، والمسلسل ينتهي قبل بداية الثورات ويكشف الحقائق التي تُظهر كيفية التأثير في الشباب من خلال الفيس بوك...
مسلسل ما ملكت أيمانكم لاقى استحسانا كبيراً من المشاهدين، وفي المقابل أثار انتقادات واسعة واعتبره البعض تجاوزا للخطوط الحمراء، وأنه لامس ثالوث المحرمات الدين والجنس والسياسة.... ومعروف عن أعمالك على العموم أنها تتسم بالجرأة من حيث الشكل والديكور والملابس والمضمون... فمن أين تستمد هذه الجرأة؟
في النهاية هناك شيء حتمي سيحدث وهو التطور الذي يشهده المجتمع، فلا يمكن معالجة هذه القضايا مالم نضعها تحت الضوء ونظهر ظروفها وكيفية تجاوزها، فالرقابة نسبية حتى لو حاولت توقيف عمل ما فسيتوقف في قناة وسيبث على قناة أخرى ومن ثم سيصل إلى الجمهور... فلم يعد مجدياً أن نخبئ رؤوسنا، ولا بد من التحدث عن قضايا الشباب الذين
سبق أن أخفينا مشاكلهم والنتيجة كانت فلتاناً وفوضى وعدم فهم الآخر، لذا يجب أن يكون هناك حوار، وبهذه المناسبة أتذكر آخر فيلم لفليني أنجزه بالثمانينات قبل وفاته بعنوان (صوت القمر) وكان يتحدث عن المشكلة التي يمكن أن تحدث في القرن القادم، العالم كله يتحدث في الوقت نفسه ولا أحد يسمع أحداً وهو ما يحدث معنا حالياً فجميعنا نتحدث ولكن لا يوجد من يسمعنا، فلا بد أن أسمعك وتسمعني لنصل إلى نتيجة.
من خلال مسلسل شيفون حاولنا توضيح نقاط أساسية متعلقة بالشباب وهذا الجيل الذي يتسرب من بين أصابعنا كالرمل، فالأب لا يعرف ماذا يفكر ابنه والأم لا تدري ما يدور في ذهن ابنتها، كما نبين للمشاهد من خلال العمل مضار وفوائد الإنترنت.
فللحرية مفهومها وتأثيرها في الشباب، والجيل بين 13 و18 عاماً له مفاهيمه المختلفة وطريقة تفكيره المغايرة، حيث بيننا وبينه فروق شاسعة ما يفسح المجال أمام طرف ثالث خفي من التأثير فيهم، وإذا أجرينا إحصائيات فسنجد أن هذه الفئة - الشباب- بكل العالم العربي لا تتابع المسلسلات فيتوجهون إلى عوالم أخرى، ولكي نعيد هذه الفئة ونجذبها لا بد من معرفة طريقة تفكيرهم وما يحبون ونحاول أن نقدم دراما تتناسب معهم لنرجعهم رويداً رويداً، وهو ما حاولنا تقديمه في شيفون...
وأما مسلسل ما ملكت أيمانكم فكانت تداعياته التي حدثت أمراً طبيعياً لأنه عمل صدمة وكان له تأثير كبير وهناك بعض رجال الدين وعلى رأسهم البوطي الذي على ما يبدو أن العمل لا يتناسب مع طريقة تفكيره ومفهومه للمجتمع، وقد أشار في خطابه الأخير الى أننا سبب الأزمة التي تحدث في سورية مؤخراً، وبهذه المرحلة لن نقف عند هذه النقطة وسنتجاوزها لأن البلد أهم...
جنود اللـه رواية لفواز حداد ستتحول إلى عمل درامي ستتولى عملية إخراجه.. أين أصبح هذا المشروع؟
توقفنا نتيجة للأزمة الراهنة، إلا اننا سنستأنف العمل ولكن على شكل فيلم سينمائي لأن فعلاً القصة جريئة وغير عادية ويمكن أن تكون نواة لفيلم عالمي وليس مجرد فيلم عربي، فنأمل أن تتحسن الأوضاع والظروف لنبدأ بتصوير الفيلم مع بداية العام.
من المعروف أن لديك مشروعاً سينمائياً كبيراً!
سيكون جنود اللـه فأنا مهتم جداً بالرواية فإذا تناولنا الإطار العام لها فسنجد أن لها علاقة بأحداث العراق متقاطعة مع الفكر السلفي والفكر الإرهابي ولكن إذا فكرنا بها بطريقة أبعد فسنجد أنها تتحدث عن كل شيء يجري حالياً.
البعض يمكن أن ينظر إلى تناولك للسلفيين ومعاداتك لفكرهم من خلال أعمالك عدم حيادية وانعداما للموضوعية؟
على العكس حاولنا أن نكون موضوعيين فقدمنا الإسلام الحقيقي مقابل الإسلام السلفي المتطرف الإرهابي... وخلال لقائي ومجموعة من الفنانين مع السيد الرئيس مؤخراً أشار بعد الترحيب بنا وفي مقدمة كلامه إلى مسلسل ما ملكت أيمانكم بالاسم وقال: عندما قدم هذا العمل الفكر الإرهابي، استهجن الناس واعتبروا أن هذه الوقائع ليست موجودة في سورية، إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت وجودها وهو دليل على فعالية الدراما وقدرتها على استقراء الواقع، وهو ما يؤكد إن ما تناولته في المسلسل موجود داخل المجتمع، فدور الفنان مهم ويجب ألا نختلف بطريقة تولد شرخاً بين الفنانين.
وحاولت أن أقول باللقاء وضمن الوقت المتاح لي إن الفنان يقرأ دوراً مؤلفاً من 300 إلى 400 صفحة ويحفظه ويناقش بأدق تفاصيله فهل من المعقول أن يوقع على بيان دون معرفة فحواه وإلى ماذا يرمز طبعا دون تشكيك بالوطنية؟
فالناس الذين كتبوا البيان الأخير أو ساهموا في نشره ناس معاديون وموجودون في الطرف الآخر ومحطات معادية تعمل بشكل يومي ضد البلد، والفنانون الذين وقعوا على هذا البيان لم يستطيعوا أن يستشفوا الخطر أو الفخ، علما أنني ارى الفنان نموذجاً مختلفاً عن المواطن العادي وموقفه مؤثراً وهو الأمر الذي أكده السيد الرئيس حيث يرى أن الفنانين فاعلون ومؤثرون في المجتمع وعندما يختلفون يختلف الشارع.
منذ بداية الأزمة التي شهدتها سورية مؤخراً صدرت عدة بيانات عن عدد من الفنانين كان آخرها (بيان الحليب) وقمت بدورك بالرد عليه برأيك هل الوقت مناسب لإظهار كل هذه البيانات؟
كثرة البيانات هي التي خلقت حالة عدم الاستقرار..... وهنا أود أن أطرح سؤالاً: أين النقابة التي من المفروض أن تكون الحاضن للفنانين؟
فلو كان دورها فاعلاً لكانت أصدرت بياناً عن كل الفنانين وانتهت القصة وهو الأمر الذي أكدته أثناء اجتماعنا مع السيد الرئيس، وأن تفعيل دور النقابة كان من الممكن أن يجمع كل الآراء مع بعضها، وكذلك لا بد من تفعيل دور المنظمات الشعبية لكونها تعبر عن الشباب.. وفي غياب الدور الفاعل للنقابات والمنظمات ستكون النتيجة الفوضى.
كيف تقيم مجمل اللقاء الأخير بين الفنانين والسيد الرئيس بشار الأسد؟
أولاً طمأئنا سيادته على وضع البلد وأن الأمور تسير نحو الأفضل وبالاتجاه السليم، وأكد ضرورة الإصلاح ضمن ثوابت البلد، وأعطى مثالاً أن بان كي مون اتصل به وأكد له أنه يود أن يبعث معونات لأهل درعا، فقال له السيد الرئيس: إن هناك فيضانات في الحسكة والناس فقدت بيوتها ومزارعها فهل من المعقول أن هذه القصة لم تستفزكم؟، من الواضح أن هناك أمراً ما يحاك ضد سورية لذلك رفض الموضوع... ومن الجلي أن هناك خطة وخططاً بديلة، لكننا شعب (عايش على السبحانية).
هل أثرت الأزمة الأخيرة التي تشهدها سورية في الدراما السورية؟
الأزمة أثرت في عدة قطاعات والدراما هي أحد هذه القطاعات المهمة وهو الأمر الذي يدفع سيادة الرئيس للاجتماع بنا والتأكيد على حل مشاكلنا لأنه مدرك تماما لأهمية الدراما السورية وقدرتها على تصدير البلد للخارج فهي منتج ممتاز كصناعة.
عندما أرى أن الخليج يوقف الأعمال السورية ويرفض أخذها وأربطها مع الأزمة فسأكون صاحب حق إذا قلت إن هناك مخططاً..
وعندما يطلبون من المنتجين السوريين أن يصنعوا أعمالاً خليجية ليشتروها فهذا الأمر يثير التساؤلات!
وانضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي سيؤدي إلى كارثة جديدة في الدراما السورية، لأن المقاطعة التي فرضت على الفنان الأردني بعد حرب الخليج الثانية زالت واستعاد الأردنيون مكانتهم وسيحصلون على فرص كثيرة، والفرص التي كانت ستحصل عليها الدراما السورية ستذهب إلى الدراما الأردنية.
فأين دور الشركات الخاصة؟ علماً أن الشركات الخاصة إمكانياتها محدودة والدولة ليس لديها إمكانيات لإنتاج كل هذا الكم من الأعمال وليس لدينا محطات جيدة؟ لذلك تفعيل دور المحطات والمعلن المحلي يمكن أن يحمي الدراما السورية..... فإذا استعاد المنتج السوري الخاص خمسين بالمئة من رأس ماله داخل سورية فهو بخير ولكن نحن لا نستطيع أن نصل إلى 10% من التكلفة لذلك عملنا كله سيتوقف.
الأيام القادمة غير مبشرة أبداً بأشياء إيجابية بما يخص الدراما السورية وهناك أمر آخر لا بد من التنويه به وهو أن القضية الفلسطينية لم تعد تهم أحداً، كل المنتجين يبتعدون عن كل موضوع له علاقة بالقضية الفلسطينية لأن المحطات ترفض شراء هذه الأعمال ولا تعرضها أيضاً.
لذلك نرى أن مواقف سورية القومية ودفاعها عن القضية الفلسطينية واحتضانها للمقاومة جميعها مؤشرات مهمة وإيجابية ولكن نحن ندفع ثمنها كمنتجين..
كيف ترى مستقبل سورية في هذه المرحلة؟
حتى نكون واقعيين سأقول: كلما خففت الأعباء عن المواطن ومُنح مزيداً من الحرية مع تحميله مسؤولية هذه الحرية فنحن سنذهب بالاتجاه الصحيح.... وكلما ضيقنا الخناق على المواطن تركنا الباب مشرعاً أمام التدخلات الخارجية.
مزيد من الحرية ومزيد من التعقل ومزيد من الحوار سيوصل البلد إلى شاطئ الأمان ولو كان الآمان جزئياً في هذه المرحلة لأن القادم على المنطقة سيكون عنيفاً وخطراً جداً.
ونحن لا نريد أن تطيح عاصفة ثانية بكل شيء فلا بد من تحصين أنفسنا والتحصين يتم من خلال تكاتف كل أفراد الشعب مع بعضهم وفهمهم للحقائق وأن نكون شفافين أكثر وأن يتمتع إعلامنا بمصداقية أكبر حتى لا يلجأ المواطن للخارج للحصول على المعلومة.
أخرجت الجزء الأول من ثلاثية الكاتبة أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد) وسمعنا عن وجود الجزء الثاني من الثلاثية؟
لا شيء من هذا الكلام، ولا أحد سينتج هذا العمل.
أحلام مستغانمي صرحت أنها ستطلب من حاتم علي إخراج الجزء الثاني، بعد أن سحبته منك!
لم نتفق على شيء من هذا القبيل، العمل جاء لي مصادفة وأنا لم أسع لذاكرة الجسد ولا هو من اهتماماتي.
محطة أبو ظبي كانت لديها مشكلة مع أحلام مستغانمي حول إنتاج هذه الرواية فاشتروا حقوق الرواية وكلفوا شركة أردنية لإنتاج المسلسل وتعثر العمل لثلاث سنوات تقريباً لعدة أسباب.
في النهاية طلبت أبو ظبي مني أن أنجز المسلسل وأن أنهي هذه المشكلة وفعلاً أخذت العمل وأنجزته ولا يعنيني جزءاً أول ولا ثانياً ولا ثالثاً..
قالت الكاتبة أحلام مستغانمي في تصريح صحفي إنك لم تعط العمل حقه لكونك كنت مشغولاً بإخراج مسلسل ما ملكت أيمانكم.. فارتأت أن تكلف المخرج حاتم علي بإخراج الجزء الثاني!
لا مشكلة، أنا متأكد أن العمل سيكون جيداً... بالنهاية لا تعنيني أحلام مستغانمي ولا روايتها الأولى ولا الثانية ولا الثالثة لأن هذا العمل نفذته بناء على طلب تلفزيون أبو ظبي الذي طلب مني حل المشكلة. ليس هناك ضمن برنامجي الأساس أي شيء له علاقة بأحلام مستغانمي ولا رواياتها.... فأود التركيز على جنود اللـه وأنجزت شيفون وما زلت أعمل على محمود درويش فلا مكان لأي عمل حالياً.
وللتوضيح أخرجت العملين في السنة نفسها ولكن ليس في الفترة ذاتها فبعد أن انتهيت من ما ملكت أيمانكم بدأت بذاكرة الجسد.
سمعنا مؤخراً عن عمل ضخم ستنتجه MBC وهو مسلسل الفاروق الذي سيتولى إخراجه المخرج حاتم علي وسيتناول قصة حياة الخليفة الراشدي عمر الخطاب.... إلا أن العمل أثار انتقادات بعض رجال الدين لكونه سيجسد فيه ممثلون شخصيات الصحابة والخلفاء.... ما رأيك بتجسيد الخلفاء والصحابة بالأعمال الفنية؟
العمل من إنتاج MBC وقطر أيضاً، وإذا كانت الغاية من العمل نبيلة فأنا لست ضد ذلك، إلا أن توقيت العمل هو المهم.
المشكلة الآن بتوقيت العمل، فهل نحن نعيش بظروف تسمح لنا بإنجاز عمل عن تلك الحقبة وتناول حياة هذا الصحابي الجليل... بالنسبة لي أشك بوجود فتنة وراء هذا العمل! ولا أشك إطلاقاً بإمكانيات حاتم علي ولا بإمكانيات وليد سيف كاتباً..... لذلك سننتظر حتى نهاية العمل لنقيّمه فنياً، ومن المؤكد أن هذه الإمكانات ستتيح للمخرج فرصة كبيرة لإنجاز عمل كبير ومميز، يخرج به عن المألوف، إلا أنني أرى أن توقيته غير مناسب تماماً وخاصة أنه يخرج من سورية.