دم الضحايا وسُم العسل من خلال شريط أنجلينا عن البوسنة··

محمد حجازي - اللواء

<أرض الدم والعسل> هو عنوان الفيلم الأول الذي تخرجه أنجلينا جولي، هذه المرأة التي تشغل العالم، حيناً كممثلة، وأخرى كأم لعددٍ من الأولاد إما أنجبتهم أو تبنّتهم من أكثر من بلد في العالم، مُضافاً إلى ذلك دورها كسفيرة للنوايا الحسنة لشؤون اللاجئين في العالم، ودخولها على خط التبرّعات حيناً لمنكوبي تسونامي في اليابان وأحياناً في أفغانستان، وعندما أرادت تقديم فيلم من إخراجها اشتغلت على موضوع ضحايا الاغتصاب في البوسنة في الحرب المقيتة التي حصلت هناك وتدخُّل الطيران الغربي وقصف مناطق الصرب كي يكفّوا أذاهم العنصري عن أهل البوسنة·

<أنجلينا> ورغم كل القصص المنفّرة عن حالات الاغتصاب بالعشرات والجرائم المُرتكبة جنسياً، اشتغلت على فيلم يروي قصة حب بين شابة بوسنية وجندي صربي، وهو ما دفع مئات النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب إلى التظاهر، مطالبات بوقف تصوير الفيلم لأنه يمس كراماتهن وشرفهن، ويناقض واقع الهمجية التي مورِست ضدّهن في واحدة من أقسى الحروب المعاصرة، ومع ذلك رفضت أنجلينا المناشدات المتتالية للتخلّي عن المشروع وأكملت تصوير عملها، ليُعلن منذ أيام عن أنّه تحدد عيد الميلاد المُقبل موعداً لعرضه الجماهيري عالمياً· إنّه فيلم امرأة وليست أي امرأة·· إنّها أولاً وأخيراً معنية بقضية المرأة، انطلاقاً من جنسها، ومعنية بها إنسانياً استناداً إلى دورها في منظمة اليونيسكو كسفيرة تُعنى بشؤون اللاجئين، وصولاً إلى المشاعر الإنسانية الخاصة المُفترض أنّها مضاعفة لدى أي امرأة تسمع عن اغتصاب امرأة أخرى، فكيف والصورة شاملة للمئات من ضحايا الاغتصاب·

البعض قالوا: لماذا لا تنتظرون مشاهدة الفيلم وبعدها تحكمون؟!

وآخرون قالوا: لماذا نحكي عن حب في وقت لم نرَ جميعاً إلا الكراهية بين الطرفين·

والواقع أنّ الأمر مُحيِّر مع أنجلينا، فكل ما تفعله يتم عن رغبة خاصة وإنسانية لديها في الخدمة، والدعم، والدلالة على مواطن القُصور وعدم الالتزام، ومع ذلك تُقدِّم هذا الشريط، فهل هو اشتغال على الاستثناء بدل اعتماد القاعدة نفسها أساساً لأي سلوك أو رأي يُعطى·

نعم نفهم أنْ يُحبَّ شاب وفتاة من طرفين متناقضين في الاعتقاد، الدين، الوطن، وفي التطلعات، لكن من أين يولد حب بين ضحيّة وجلاد، في وقت تدافعت فيه التطورات لتأكيد صورة تصب في هذا الاتجاه وتنم عن منطق في التعاطي، وإلا فما معنى ذهاب الأمور في اتجاه دراماتيكي ميدانياً، وفي اتجاه عاطفي نموذجي في الصورة السينمائية·

من حق السينما أنْ تتخيّل تتصوّر، تحلم، وترسم، لكن إذا لم يبن ذلك على أساس قابل للتصديق، يسقط البناء بأكمله ولا تبدو معه الصورة قابلة لأي تأويل إلا النهاية الحتمية·

<أرض الدم والعسل> سيكون حدثاً إنسانياً قبل أن يكون سينمائياً، فالأساس الذي بُنِيَ عليه، يعني آلافاً من الضحايا الأصحّاء وأضعاف أضعافهم ممّن قضوا في عمليات التصفية التي واكبها الجميع بالصور المباشرة، ولم يستطع العالم إلا أنْ يُعلن عن رفضه لكل ما حصل، لكن أنجلينا تركب موجة خاصة ومُستقلة من دون أن نعرف على ماذا تعتمد، وعلينا الانتظار حتى أواخر العام لحسم حكمنا عليها·