2012/07/04
مسعود أمر الله آل علي – خمس الحواس
أن تُشاهد اليوم فيلماً تدور أحداثه في العام 1927؛ فهو أمر لا يبدو مدهشاً وجديداً؛ ولكن أن تستعيد مواصفات صناعة الفيلم في تلك السنة، مع الالتزام بأغلب التفاصيل الصغيرة في عملية التنفيذ؛ فهو أمر مدهش وحديث يقدمّه لنا فيلم (الفنان) للمخرج ميشيل هازانافيشيوس ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان.
نحن أمام فيلم صامت يُصاحبه موسيقى وضعها لودفيتش بورسي؛ وكأننا نستعيد اللحظة الفالتة من صناعة الفيلم في ذلك الزمن، ونرممها من جديد بلغة اليوم. هل محاولة مثل هذه تبدو مجنونة؟ ما يُشاهده الجمهور الذي أخذ ينحو تجاه الفيلم السريع في إيقاعه، المعبّأ بالحركة، والمؤثرات البصرية والصوتية، وما يستجد من أفلام ثلاثية الأبعاد وغيرها من صخب بصري وفكري؛ يجعل من هذه التجربة خارج السائد، وفي إطار استعادي خاص لسينما الأمس بهدوئها ورومانسيتها وألقها الجاذب حينما كانت السينما محفلاً للرقي والافتتان؛ يحيي الفيلم هذه الحقبة التاريخية من عمر السينما، ويضعها في بؤرة الضوء من جديد. سينما مشغولة بقص سردي، ولون أسود وأبيض، ولغة سينمائية تعتمد على اللقطة الواحدة؛ وأداء تمثيلي يغلب عليه الإيماء في غياب الحوار الصوتي؛ وشاشة سوداء يُكتب فيها الحوار بخط أبيض، إضافة إلى الموسيقى الحية التي تُعزف بينما المايسترو يعّلق نظراته مراقباً الحركة واللقطات في الفيلم.
حياة النجومية
إذن، نحن في العام 1927 في هوليوود؛ وأمام الممثل المشهور في السينما الصامتة (جورج فالنتاين ـ الذي يؤدي دوره بشكل بارع ومحكم جان ديوردين). هو في قمة ألقه، ويكاد العالم لا يستوعبه، يعيش حياة النجومية المرفهة، ويعتقد ضمناً أنه الأهم، تتقاذف الفتيات من حوله لاستراق ابتسامة، أو توقيع، ويتجمع المنتجين أيضاً للحصول على عقود لأفلامه المقبلة؛ هي الفترة الذهبية في حياته. يُقابل صدفة فتاة معجبة (بيبي ميلر ـ تؤدي الدور بيرنيس بيو) تبحث عن فرصة تمثيل، ويمنحها هذا الشرف.
الأفلام الصامتة
بحلول السينما الناطقة، يحدث أمر غريب، ربما هو الكسر الأول في الفيلم لمنهجية السينما الصامتة، يدخل الصوت إلى فيلمنا هذا، ولكن ليس مع بطلنا. عندما يضع (جورج) كأسه على الطاولة مثلاً، نسمع نحن المتفرجين صوت احتكاك الكأس بالطاولة، ولكن عندما يتحدث لا نستطيع الاستماع إلى صوته. الأشياء من حوله تضج بالأصوات؛ إلا صوته هو. هذا الإغفال هو في الحقيقة السبب في أفول نجمه. هو يصلح فقط لأداء الأفلام الصامتة؛ بينما هذا الاختراع الجديد يقصيه تدريجياً عن المنتجين، والنجومية، والحياة الباذخة.
في الوقت نفسه، يبدأ بزوغ نجم بيبي تلك الممثلة الثانوية المعجبة، بل المحبة والعاشقة، تبدأ في تلقي الكثير من العروض للتمثيل أمام مشاهير السينما، وتصبح إحدى نجمات السينما الأساسيين. في الوقت الذي ينكفئ فيه جورج على ذاته، منسحباً، متخاذلاً، ومراقباً المشهد من بعيد، مضطراً لبيع ممتلكاته للحفاظ على القليل من كرامته، وبيبي من الجانب الآخر تظل محتفظة بجميله لها، بل تحاول مساعدته، والتقرّب إليه لأنها تعلم في عمقها أنها تعشقه.
مغامرة محسوبة
المخرج ميشيل هازانافيشيوس الذي عُرف بسلسة (أو إس إس) في فيلم (الفنان) يحاول جادا استعادة هذا النمط السينمائي ويدخل هذه المغامرة المحسوبة بثقة واضحة، ويقدّم بإتقان فيلماً ربما يستفز الجمهور؛ يقول: (الفيلم الصامت هو سينما عاطفية؛ وحسيّة، وحقيقة أنك لا تلتزم بنص مكتوب يُرجعك إلى القاعدة الأساسية في سرد الحكاية التي تعتمد كلية على المشاعر. إنها طريقة رائعة للعمل. ما يهمني هو خلق العرض نفسه؛ وللمتفرج الاستمتاع به في إطار هذا المفهوم). فهل ينجح؟ في انتظار إجابة للجمهور!