2012/07/04
لمى طباخة – الوطن السورية
تعتبر قضية الإعلام بشكل عام واحدة من أدق إشكاليات العصر وأكثرها مدعاة للجدل مستندة إلى أسس من المعارف النظرية والخبرات العملية في مجال صناعة الثقافة وكما قيل دوماً فإن الإنسان هو كائن اتصالي بطبيعته، وليس هناك مجتمع إنساني قائم من دون منظومة الاتصال التي تعتبر عند البعض شرطاً من شروط بقاء هذه المجتمعات، ويشهد التاريخ أن الاتصال دائماً ما كان وراء كل وفاق وصراع فكلاهما ينشأ ابتداء من عقول البشر.
إن قوافل الاتصال قد شدت رحالها إلى منازلنا: هاتف- تلفاز- إنترنت- قنوات فضائية.. ويعد هذا الترحال نتيجة منطقية للتوجه الأشمل لصناعة الثقافة كلها التي يراد بها أن تستهدف المنازل لا المؤسسات لأنها تتميز بتلك القاعدة العريضة من جمهور المشاهدين الذين شُكلوا بالفعل على يد التلفزيون في قالب نمط استهلاكي حتى باتوا جاهزين من فورهم لامتصاص المزيد من المستهلكات.
لقد ظن البعض خطأ أن إعلام عصر المعلومات هو طغيان الوسط الإلكتروني على باقي وسائل الاتصال الأخرى لكن الأخطر من ذلك هو طبيعة الأشخاص والرسائل التي تتدفق من خلال هذا الوسيط الاتصالي وطرق توزعها واستقبالها، حيث نجمت عن ذلك تغييرات جوهرية في دور الإعلام، جعلت منه محوراً أساسياً في منظومة المجتمعات بحيث بات محور اقتصاد الكبار وشرطاً من شروط تنمية الصغار، وما يؤكد ذلك الاهتمام الشديد الذي تحظى به قضايا هذا الإعلام في الفكر الاقتصادي والثقافي والسياسي وبجميع التوجهات سواء كانت رأسمالية أم ماركسية، ثورية أم محافظة، فباتت الثقافة متمثلة بإعلامها تصنيعاً لا تنظيراً وخصوصاً حين بات للتلفاز وجود في كل بيت.
تناقضات الإعلام العربي الحديث
إن الإعلام الحديث كغيره من الأمور بات على مفترق طرق فعلي، وعلى ما يبدو فإن معظم فروع الثقافة: لغة وتربية وإعلاماً محكوم عليها بأن تحمل في جوفها تناقضاً جوهرياً من نوع ما، فكان تناقض اللغة في ثنائية شفافيتها وعتمتها وتناقض التربية في تنازعها بين الوفاء بمطالب استقرار مجتمعاتنا ومطالب تغييرها معاً، أما الإعلام فيكمن تناقضه في حيرته بين رسالة الإعلام وهوى الإعلان، وبين مراعاة مصالح الدول، وبين غايات التنمية الاجتماعية ومطامع القوى الاقتصادية، ولا تناقض أكثر سخرية بين ما يدعيه الإعلام من كونه أداة للترابط الاجتماعي على حين نجده يستخدم من أجل إشاعة التفرقة وتنمية نزعات الحقد والكره تجاه البعض. لم تكن مظاهر هذا التناقض الجوهري في صلب منظومة الإعلام أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن في ضوء المتغيرات الحديثة وكما هي عليه الحال على جبهتي اللغة والتربية فقد بات هو الآخر في أمس الحاجة إلى رؤية جديدة ومغايرة لما هو عليه، فالمنظومة الإعلامية العربية بصورتها الحالية تعد مثالاً صارخاً لإساءة استخدام التكنولوجيا ويكفي دليلاً على ذلك تلك الهوة الفاصلة بين غايات الإعلام وواقعه وزيف أقنعته وحقيقته ودوافعه.
القنوات العربية والشارع (إعلام مخز)
ما أن الإعلام من أكثر القوى الرمزية حضوراً وتجلياً وتأثيراً فقد بات ارتباطه بالعملية السياسية والاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بحيث بات المشاهد يتفهم طبيعة هذا النوع من التحالفات، ولكن أن يتم اتخاذ الأداة الإعلامية وسيلة للنيل من بعض المجتمعات التي لا ذنب لها إلا أنها اعتادت على مشاهدة تلك الأدوات هو شيء يفوق ما يمكن أن يحتمل، ففي العرف العالمي تستطيع أن تصنع الأداة وتجعل منها وسيلة للتعريف بما هو غير معرف لدى البعض (على الأقل) بحيث تبين الحقيقة وتوضح المجهول، وفي أعرافنا نحن بلدان العالم الثالث لم يكن هناك القيمة الفعلية لمثل هذه الأدوات حتى وقتنا القريب، فكان لا بد من عدة قنوات تكون متنفساً للمشاهد العربي ومنبراً لتبيان واقع ما يجري في مجتمعه الضيق (بلدانه) حتى تشكل في ذهن المشاهد أن مصداقية ما يبث تعلو ولا يعلى عليها لتدخل العملية الإعلامية فيما بعد مراحلها المتقدمة ولتكشف عن غاياتها الفعلية التي أسست من أجلها وليكتشف المشاهد نفسه أن مصداقية القناة التي اعتاد عليها طوال عقد من الزمن قد ولت أدراج الرياح.
وثائق سرية بصيغة إعلامية(وثائق ويكيليكس)
من المثير للسخرية أن الإعلام الغربي قد شرع باستخدام أدوات جديدة موجهاً إياها صوب الشارع العربي لتحل فيما بعد محل قنوات فقدت مصداقية تحلت بها سابقاً، ومن جملة هذه الأدوات كانت وثائق استخباراتية أميركية مرقمة ومؤرخة وكأنها صحف أنزلت من السماء وقد حاول الغرب من خلال هذه الوثائق أن يفضح قضايا كبيرة كانت خفية على الشارع العربي من فضح لقادة دول عربية ومن تآمر الأشقاء على بعضهم البعض وغيرها من انتهاكات لحقوق الشعوب العربية، وبالتأكيد لا من أجل شيء إلا لتكون تلك الوثائق مصداقية في عقول قارئيها ولتقدم في المراحل القادمة ما هو أكثر من تعرية للحقيقة، وإيضاحاً لما هو مخفي، من تسريب لبعض الوثائق الكاذبة التي قد تؤدي إلى صراعات ما بين بعض الدول.
مواقع التواصل الاجتماعي(الفيس بوك) مثالاً
بالتأكيد ما يمكن أن يتماشى مع المجتمعات الأخرى ليس بالضرورة أن يكون متماشياً مجتمعاتنا بالمستوى نفسه، وإذا كان الفيس بوك ليس صناعة عربية إلا أنه جزء من مجتمع الشباب العربي بشكل من الأشكال، وبالتأكيد لم توجه هذه الأداة
إلى المجتمع العربي لتأثر بالطريقة نفسها التي يتأثر بها المجتمع الغربي، وتعتبر هذه الوسيلة من الاتصال مع عدد من مواقع التواصل كالتويتر والبالتوك من أخطر ما يمكن أن تمثله الأداة الإعلامية فيما لو لم يتم التمكن منها ومعرفة خبايا صيرورتها، فمن الواضح والجلي أن تلك الأدوات قد صممت من أجل إحداث بعض التغييرات في عدة أماكن في العالم تحت مسميات حرية التعبير عن الرأي ومعرفة ثقافة الآخر ورفض لثقافة الذات وقد قامت الإدارة الأميركية بتدريب أشخاص عرب وتحت مسميات عدة بغية الاستخدام الأمثل لهذه الأدوات للاستفادة منهم في مراحل لاحقة أثناء تنفيذ مخططاتهم في المنطقة.
حقوقيو الإنسان منبر إعلامي
لم يعد خافياً على أحد أن العديد من المنتمين لمؤسسات حقوق الإنسان قد فقدوا مصداقيتهم لدى الشارع العربي لسببين رئيسيين أولهما أن الكثيرين منهم حاقدون بالدرجة الأولى على الأنظمة القائمة بالبلدان التي ينتمون إليها وثانيهما أنهم قد تثقفوا بثقافة الآخر والتي لا تتلاقى مع النهج العربي الذي اعتاد عليه مواطنو الدول العربية، فكانوا منبراً إعلامياً بكل ما للكلمة من معنى مهمتهم دب الرعب والقلق والفزع في قلوب شعوبهم العربية، ولم تتوان القنوات عن استقبالهم صباحاً ومساءً وكله لأجل الانتقاد والتهويل عما يجري في بلدانهم وقد تعزز حضور هذه الفئة من الناس منذ اندلاع ما يسمى الثورة التونسية بداية العام الحالي.
الإعلام السوري ( بين قوسين)
لطالما وصم إعلامنا السوري المحلي وبمختلف وسائله بالتخلف عن الإعلام العربي والعالمي، ولكن ما لم يكن واضحاً للكثيرين أن هذا الإعلام الملتزم تجاه قضايا الأمة العربية وعبر أربعة عقود قد أثبت جدارة ومصداقية ومراعاة للحدث خلال الأزمة التي نعيشها وذلك لكونه عرى الحقائق بشكل لم تتوقعه كبرى وسائل الإعلام بحيث كان العثرة والصخرة التي وقفت بوجه الهجمة الكبيرة التي شنت تجاه هذا البلد، ومهما يكن فإن تكاتف الإعلام المحلي وبجميع أشكاله قد استقطب الشريحة العريضة من المشاهدين لكونه فضح القنوات التي قررت أن تتآمر على المواطن السوري وبكشفه للدور الذي يلعبه الأشخاص الذين يتمتعون بمصداقية في الشارع العربي بحيث بات المتنفس الحقيقي لهم وليتأكدوا مما يحصل داخل هذا البلد من تآمر خارجي هدفه الرئيسي زعزعة استقرار هذا البلد خصوصاً والأمة العربية عموماً.
انتبه أنت في سورية
المؤامرات كثيرة وتتكرر بين الوقت والآخر ولكن ما لا يعرفه العالم أن في سورية مواطنين وبغض النظر عن نوعية ثقافاتهم وبمختلف شرائحهم قد تربوا على الفكر القومي وتثقفوا بالثقافة العربية وبقوا محافظين على عاداتهم الأصيلة من تمجيد للأرض والوطن وتقديسهم لحق الحياة، وإذا كانت اللعبة الإعلامية قد أخذت مفعولها على الشعوب الأخرى فإن الشعب السوري قد فهم هذه اللعبة جيداً ومررها من دون أن يتأثر بها، ففي سورية أشخاص تعرفوا إلى الثقافة الغربية ولكنهم لم يتطبعوا أو يتأثروا سلباً بها، وبعد فترة أي بعد ذهاب مفعول المليارات التي تدفقت لجيوب الإعلام العربي والعالمي.. وبعد أن نجتاز هذه المحنة، سندرك جيداً مفاهيم الإعلام السليمة.