2012/07/04
دارين صالح – دارين صالح
غنت وشاركت في الكثير من ورشات العمل مع كبار الموسيقيين والمغنين العالميين مثل إليانا كوتروباش وفيوريكا كورتيز وإيللي إيميلينغ وقائد الأوركسترا العالمي ريكاردو موتي الذي أدهشته خامة صوتها فوصفها بأنها من أكثر الأصوات ندرة وجمالاً في العالم. هذا إضافة لامتلاكها صوتاً شرقياً منقطع النظير يعيد المستمع إلى زمن عمالقة الغناء العربي. سمعها صميم الشريف الباحث الموسيقي الأهم في الوطن العربي وهي تغني «مراثي موت الأطفال» لغوستاف مالر فقال: «لا بد من الاعتراف بسوزان حداد كمغنية عالمية محترفة». وسمعها زكي ناصيف تغني لأم كلثوم فأكد أنها ستكون «وريثة عرش أم كلثوم» بلا منازع إذا خاضت غمار الغناء العربي. ولقّبها وديع الصافي بـ«الوديعة الصافية» عندما غنّت على مسمعه «لبنان يا قطعة سما». «الوطن» التقت مغنية الأوبرا السورية سوزان حداد وحاورتها حول تجربتها وجديدها، وكان معها اللقاء التالي:
يقال إن صوتك الأوبرالي من أكثر الأصوات النسائية ندرة في العالم، من أين تأتي ندرته؟
من المعروف أن للأصوات النسائية أنواعاً، فالآلتو يضم النوتات المنخفضة ويستطيع الوصول إلى طبقات منخفضة جداً في القرار، لا يستطيع الإنسان العادي الوصول إليها أبداً. وهناك «السوبرانو» النوع الأكثر شيوعاً، إذ إن نحو 90 بالمئة من مغنيات الأوبرا تُصنّف أصواتهن ضمن هذا النوع الذي يتميز بطبقاته ونوتاته الحادة والعالية جداً.
أما «الميتسو» فيدل على الأصوات النسائية التي تقع بين النوعين السابقين من حيث نوتاتها الموسيقية ولون الصوت. أما أكثر الأصوات النسائية ندرة على الإطلاق فهو الـ«آالكونتر آلتو» الذي يتميّز بمساحة صوتية كبيرة تبدأ من أكثر النوتات الغنائية انخفاضاً ليصل إلى أكثرها علوّاً، دون أن يفقد شيئاً من عمقه ورخامته، ويُصنّف صوتي ضمن هذا النوع، وهناك عدد قليل جداً من المغنيات اللائي يمتلكن هذا النوع من الأصوات.
كيف تتعامل الجهات القيمة على الثقافة في سورية مع صوتك المشهود له بندرته وجماله؟
لم يعد بالإمكان لمغنية الأوبرا أن تعتمد على الجهات المعنية بل إنها مضطرة لأن تسعى بنفسها من خلال العلاقات العامة لإثبات وجودها وحضورها في المعهد العالي للموسيقا والغناء والمعهد العالي للفنون المسرحية وفي دار الأوبرا كل يوم، فلا يكفي أن تمتلك صوتاً نادراً مدعوماً بالعلم والأكاديمية لتحقق ما يطمح إليه مغني الأوبرا.
كتب الباحث الموسيقي صميم الشريف مقالاً يتحدث فيه عن جمال وندرة صوتك الشرقي، لماذا أسكت هذا الصوت الذي قد تبلغين به قمة الشهرة فآثرتِ الاستمرار كمغنية أوبرا على الرغم من وعورة الطريق؟
يجب أن نفصل بين الغناء الشرقي كغناء هابط وبين الغناء الشرقي الراقي الذي أستطيع أن أؤديه، والنوع الأخير يحتاج إلى مقومات كثيرة ليست متوافرة، أهمها التعاون بين الموسيقيين من خريجي المعهد العالي لكن كلٌ يعمل وفق أجندته الخاصة، فاليد وحدها لا تستطيع التصفيق وإلا فإن أي مشروع للغناء الشرقي الراقي يتطلب تمويلاً كبيراً لا أمتلك منه شيئاً، ومع هذا فقد اغتنمت كل فرصة أتيحت أمامي للغناء الشرقي مع الأوركسترا أو مع غيرها من الفرق الراقية وغنيت لأسمهان ولأم كلثوم وغنيت القدود الحلبية والتراتيل البيزنطية وكان آخر غناء شرقي لي منذ أيام في إيطاليا بمرافقة الأوركسترا عندما أديت أربعة تراتيل سريانية.
خلال السنوات السابقة قدمتِ الكثير من الحفلات في أوروبا وأميركا اللاتينية في وقت تُلاحظ فيه قلة غنائك في دار الأوبرا السورية، وقلة ظهورك في فعاليات مع الأوركسترا الوطنية، فما السبب؟
عندما أتلقى دعوة للغناء في دار الأوبرا أو للسفر مع الأوركسترا الوطنية لتقديم حفل في أي بلد فأنا أشارك بكل سرور، ويبدو أن هذه المشكلة بدأت تتحلحل فخلال شهر آذار الماضي قدمت حفلاً في دار الأوبرا غنيت فيه أغاني وتراتيل شرقية وأغنيات أوبرالية بالغة الصعوبة، كما غنيت مع الأوركسترا السورية في افتتاح مهرجان عالمي في مدينة أورفييتو الإيطالية منذ أيام قليلة، وأحضر في الوقت الراهن لدور رئيسي في عمل أوبرالي كبير سنقدمه منتصف شهر أيار المقبل على مسرح دار الأوبرا السورية إضافة إلى أعمال أخرى سأشارك بها في الأشهر المقبلة، وفي الحقيقة أنا أتمنى أن أظل موجودة مع الأوركسترا في حفلاتها القادمة لأشاركها في تقديم هذا الوجه الحضاري لبلدي لأنني مغنية وهذا هو المجال الوحيد المتاح أمامي لأخدم وطني.
تقولين إنه لا يكفي لمغنية الأوبرا أن تمتلك صوتاً نادراً مدعوماً بالعلم، هل تشيرين إلى نوع من الظلم لغياب المقياس الصحيح الذي يجب أن تُعامل وفقه مغنية الأوبرا؟
جميع مغنيات الأوبرا عندنا مظلومات، فالمغنية هي موسيقية والحنجرة هنا هي الآلة الموسيقية، وإذا اعتبرنا أن غناء الأوبرا مهنة أو مصدر رزق، وهو مصدر رزق وافر في البلدان الأخرى، فهل يكفي مغنية الأوبرا أن تقدم أو تشترك بحفلتين خلال السنة تتقاضى عليهما معاً قرابة ألف دولار؟ فما تتقاضاه المغنية عندنا قد لا يفي ثمن الفستان الذي ستخيطه من أجل الحفلة، وهذا هو واقع الحال، فالغناء الأوبرالي كمهنة في بلدنا لا يطعم خبزاً وأنا لا أستطيع الغناء إلا على المسرح حتى ولو كان الغناء من دون مقابل.
هل يمكن أن يكون السبب في هذا الظلم هو أن الأوبرا لا تزال فناً مستورداً وغريباً لم يكتسب جمهوره حتى الآن؟
لم تعد الأوبرا فناً غريباً إذ أصبحت تحظى بجمهور لا بأس به في سورية علماً أن الأوبرا في كل البلدان لها جمهورها الخاص جداً، وفي سورية أصبح للأوبرا جمهورها وهناك الكثيرون حتى من أهل القرى البعيدة يترقبون الحفلات ويتكبدون عناء السفر لحضورها.
لنتحدث عن الفرقة السيمفونية الوطنية السورية.. يقال إنها باتت من أهم الأوركسترات في المنطقة، فما رأيك؟
نعم، الأوركسترا السورية أصبحت من أهم الأوركسترات في المنطقة، وتفوقت حتى على الأوركسترا المصرية التي تتمتع بصيت ذائع، ويدل على ذلك أن مغني الأوبرا العالمي بلاسيدو دومينغو اختار الأوركسترا السورية لتعزف معه عندما غنى في دبي، وكذلك تم اختيارها من بين العديد من الأوركسترات العالمية لتقدم حفل افتتاح النسخة الأولى من مهرجان فيستيفال ديباسكوا بمدينة أورفييتو الإيطالية في نسخته الأولى وعندها قدمت حفلاً مبهراً منذ أيام قليلة مضت، بحضور أهم الموسيقيين الإيطاليين والعالميين وأمام الجمهور الإيطالي، على حين قدمت أوركسترا روما حفل ختام المهرجان الذي يقوم على فكرة الحوار بين ثقافات العالم.
تدأب الأوركسترا السورية على تقديم أعمال لمؤلفين سوريين أينما ذهبت، على أن ما تقدمه هو موسيقا سورية عالمية، فلماذا لا يُستفاد من هؤلاء المؤلفين لتقديم أغنيات سورية عالمية؟
هذا ما أتمناه، وأؤكد أننا لا نمتلك موسيقا غنائية في سورية، ولكن لدينا مؤلفين كباراً لديهم أعمال موسيقية وغنائية مشرفة وهم ما زالوا في قمة العطاء مثل نوري اسكندر الذي تجاوز عمره الـ75 عاماً ولا يزال يؤلف الموسيقا الراقية، ولكن هؤلاء يحتاجون للدعم المعنوي والمادي وللاهتمام إذ لا فائدة من الصوت إذا لم يلق أذناً تسمعه.
قيل لي إن العازف الأجنبي في الأوركسترا يتقاضى أكثر من عشرة أضعاف ما يتقاضاه العازف السوري، فهل ينطبق هذا على مغنيات الأوبرا السوريات والمغنيات الأجنبيات اللائي يدعين للغناء في سورية؟
أعتذر عن الإجابة لأنها ستكون جارحة.
هل يلعب هذا الأمر دوراً في هجرة الموسيقيين والمغنين السوريين إلى الخارج وخصوصاً أن بعضهم يتقاضى الآن 23 ضعف ما كان يتقاضاه في سورية؟
هذا صحيح، ولكن بالنسبة لي لا أستطيع العيش إلا في بلدي ولو تجردت من عاطفتي لكنت أعيش في أوروبا منذ سنوات طويلة ولكنني رفضت أثمن الفرص لأبقى ولأعمل ولأنجح في بلدي.
لتحدثينا عن مشاركتك الأوركسترا السورية في حفلها الأخير الذي قدمتموه بإيطاليا؟
كانت هذه التجربة رائعة لأننا في هذا المهرجان العالمي الذي افتتحته الفرقة السيمفونية الوطنية لم نقدم برنامجاً كلاسيكياً يشبه البرامج التي تقدمها الفرق السيمفونية عادة كموسيقا وغناء، وإنما قدمنا أعمالاً شرقية لمؤلفين سوريين يستحقون بالفعل أن يكونوا سفراء الموسيقا السورية العالمية إلى العالم، وقدمت الأوركسترا السورية في حفل الافتتاح مجموعة من الأعمال الموسيقية لمؤلفين سوريين مثل نوري اسكندر وشفيع بدر الدين ومحمد عبد الكريم وغيرهم. أعمال أذهلت الجمهور الإيطالي الذي لم يعتد سماع مثل هذه الموسيقا.
ماذا عن الغناء وعن التراتيل التي شدوت بها؟
قدمت مع الأوركسترا أربع قطع من التراتيل السريانية العريقة، وهي «افتح لي بابك يا الله» و«تكلم سيدنا بالأمثال» حيث أديتهما مع الأوركسترا ثم أديت قطعتين أخريين مع الأوركسترا والكورال وهما ترتيلا «نسجد لآلامك» و«على باب كنيستك».
وكيف تلقى الجمهور الإيطالي مما قدمتم؟
ما قدمناه هو شيء جديد، فنحن لم نذهب لنقدم للحضور من مختلف أنحاء العالم من موسيقيين ومهتمين، ولم نقدم للجمهور الإيطالي موسيقاه وأغنياته الأوبرالية، بل قدمنا شيئاً جديداً على مسمع هذا الجمهور هو موسيقانا التي أذهلته فترجم إذهاله موجات من التصفيق راحت تعلو وتعلو بين كل قطعة وأخرى، وكان الجمهور بعد انتهاء كل قطعة ينهض واقفاً ويصفق لفترة تطول وتطول ومعها يطول اعتزازنا بفننا.
ماذا تحضّر سوزان هذه الفترة لجمهور الأوبرا في سورية؟
أحضر لعمل مسرحي أوبرالي كبير سيقام منتصف شهر أيار القادم على مسرح دار الأوبرا السورية، واسم هذه الأوبرا هو «جينيسكيكي» وهي من أعمال المؤلف «بوتشيني»، وأؤدي في هذا العمل دور «زيتا» وهو من الأدوار الرئيسية، وسيؤدي مغنيان إيطاليان دور «جينيسكيكي» ودور «رينوتشو» كما سيشترك معنا في هذا العمل مغنون سوريون آخرون.