2012/07/04
هند بوظو - الثورة
تأسس المسرح الفقير باقتراح من المسرحي البولندي الشهير (غروتوفسكي) 1933-1999 ويسمى أيضاً (المسرح النقي) مبدأ الاقتصاد في الوسائل والأدوات المسرحية أو الاستغناء عنها كاملاً باعتماده شبه التام على (الممثل)
كأهم أدوات هذا المسرح نجد في كل ما يمكن الاستغناء عنه في العرض (النص -الديكور- الاضاءة- الموسيقا- الملابس- المكياج- والمؤثرات الصوتية).
الجسد والنفس
بالمسرح الفقير يعتمد حرفياً على مهارات الممثل (جسدياً ونفسياً) وكما يقول الأستاذ علي عواد: إن على الممثل إيجاد موسيقا طبيعية بدلاً من الموسيقا والأصوات المسجلة وعليه أن لا ينتقل من تقمص إلى آخر إلا بفضل مهارته الجسدية وأن يصنع قناعة من النسيج الحي لجسده بدلاً من المكياج.
ويعتمد غروتوفسكي في أسلوبه بالكامل على طريقة إعداد (الممثلين- القدسيين) والتي ترجع جذورها إلى اليوجا والطقوس والألعاب السويدية والغناء.
ويمكن الاقتصاد في مسرح غروتوفسكي حتى في الممثلين والمتلقين بحيث لا يبقى ممثل واحد يقابله متلق واحد وهذا كاف ليكون ثمة مسرحاً كما يقول (المعجم المسرحي) لماري الياس وحنان قصاب حسن.
وحاول غروتوفسكي تحقيق ذلك عملياً في مختبره المسرحي (1992) ثم تحول المختبر إلى مركز أبحاث حول أداء الممثل ثم ترك المسرح وتوجه إلى ما يسمى (ضد المسرح).
في عام 1975 تحول المسرح المميز الى معهد الأبحاث التقنية في 1979 أعلن غروتوفسكي أنه عاد إلى المسرح ولم يلبث في الثمانينات أن تحول المعهد بأعضائه إلى جماعة مغلقة على نفسها تعيش التجربة المسرحية الشبيهة بطقوس القبائل البدائية كنوع من البحث الفلسفي الصوفي جاعلة جمهورها منفصلاً عن حياته اليومية ومهنه ومشاغله وكأن المسرح يهدف إلى نسيان ضرورات الحياة وليس مكيفاً لحياة الإنسان.
مقاومة إغراء السوق!!
وعن نوع الممثل الذي يبحث عنه غروتوفسكي استخدم مجازاً المسرح الفني بطريقة ثانية كأحد المسارح التي اشتقتها الحقائق التجارية (التي لا يمكن تجاهلها) حيث يبيع الممثل نفسه في نوع من الرخص الفني ونتيجة لذلك تأتي كلمة الفقير لتحمل معنى المذهب المتقشف رافضاً ايديولوجية السوق التي يكون فيها الممثل مادة تباع وتشترى حيث أكد أن المسرح الفقير يتحدى المفهوم البرجوازي لمستوى المعيشة ويقدم بديلاً للثروة المادية طيف مفهوم (الغنى) أيضاً على أشكال الثروة الأخلاقية والمعنوية الأخرى غير المسرح وعلى الجماهير والأشكال الجماهيرية للسينما والتلفزيون بتقنيات لا يستطيع المسرح مضاهاتها قاوم المسرح الفقير إغراء السوق الجماهيرية وحدد نفسه بجمهور حل النخبة غير ساع إلى التسلية أو السلعة الثقافية.
رؤية غروتوفسكي الإخراجية
في مختبره المسرحي حيث ولادة ما يسمى (المسرح الفقير) مسرح بدون موسيقا وأزياء باذخة وديكورات ومؤثرات ويتحدد مسرحه بنزع الثياب المستعارة باحتجاج واضح على المسرح الباذخ والمترف.
لا موسيقا إلا أصوات الممثلين حيث تخلق الجو المسرحي المطلوب واللازم للعرض المسرحي عبر العويل والصراخ وضرب الأقدام على الأرض.
وفي الإضاءة اقتصر على أضواء الشموع والبروجيكوتورات يقول غروتوفسكي في ذلك تنازلنا عن اللعب بالضوء ومنحنا ذلك قدرات هائلة في مجال تطبيقات الممثل للضوء النابع من المكان الساكن ووعي الممثل بالظل أضحت بلا إضاءة وظيفة جديدة إذ تتناول الممثل والمشاهد معاً ينبثق النور على أحد المشاهدين فيشرع بالتأهب استعداداً للمشاركة المسرحية مع بقية الممثلين.
وعن المكياج يقول تنازلنا عن الأنوف المعدلة والبطون المنتفخة وعن كل ما يستعد له الممثل في غرفة الممثل إن ممثل غروتوفسكي قادر عبر عضلات وجهه وقسمات محياه التعبير ببلاغة.
ولفظ الديكور واستعاض بحركات الممثل بحيث يقوم بتحويل الأرض إلى مجرة أو مائدة أو منضدة.
أسيء فهم (المسرح الفقير) في المسرح العربي كثيراً وتوهم بعض المسرحيين أنه (مسرح متقشف) لدواع مادية فقط غافلين عن ثورته على وسائل الحرفية المتقدمة والتي شابته تطورات تكنولوجية عصرية وسرقت هويته وتميزه.