2012/07/04
أنور محمد – تشرين دراما
الفن عموماً وكذا الدراما هي اختراع إنساني يُعيد إلينا توازننا حين تحل بنا الكوارث. وهو- الفن- محرِّض قوي لامتلاك الحياة, يثقِّف ويُثير المشاعر- يهزُّها. بل يمكن أن يصبح وسيلة للتأثير الفكري. كما هو لعب؛ دعوة للعب/اللعب الذي يمارس نفوذاً على وعينا. لعب, تعبير يُثير انفعالات تتدافع, تتصارع, تتعارض, تذهب نحو الانفجار, ونرتاح. نهدأ. وبعدها نعاود اللعب؛ اللعب الذي لم تلعبه حتى الآن الدراما السورية في القضايا الوطنية. فهي سبق ولعبت ولا تزال على القضايا التاريخية والاجتماعية, لكنَّها لم تعرف كيف تشتغل على المأساة الوطنية: معركة ميسلون التي أتمنَّى أن أكتب عنها شخصياً مسلسلاً,الثورة السورية بكل أسرارها, الاستقلال, الوحدة السورية المصرية, الانفصال, حرب 1967و 1973؛ لعباً يتأسَّس على الجدل الفكري في قراءة لتاريخٍ مسكونٍ بالثورات. تاريخ من أحداث مليئة بصراعات عنيفة- والعنف مادَّةٌ مشوِّقة في الدراما وخاصة إذا كان العنف (ثورياً)؛ معارك وطنية قادها ثوَّار مثل سلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو, سيما وأنَّ العنف يجتذب الأبصار والأسماع, لأنَّه يستثير الانفعالات, وقد يثير ذكريات, أو يعيد خلقها وبعثها وكأنَّها دواء؛ موقف علاجي لكثير من الأمراض التي تصيب الصحة الوطنية بفعل وباءٍ ما.
وبالمناسبة تاريخنا السوري الحديث الذي صنعنا فيه استقلالنا ككل تاريخ الثورات الوطنية في العالم مضمونه يتَّسم بالعنف, لكنَّه العنف الذي ينتصر للحق وليس للقوَّة,على اعتبار أنَّ القوَّة ليس بالضرورة هي (حق). فقد تكون باطلاً أو شراً كما نرى في معظم التراجيديات الإنسانية. والدراما ربَّما تكون أكثر الفنون تعبيراً وتصويراً لانتصار الحق/الجمال الذي يحميه العقل النقدي.
والدراما التي نقصدها هنا – هي دراما القضايا الوطنية التي هي قطعة من حياة عاشها آباؤنا وأجدادنا, دراما فيها غنى وثراء (ملحمي)؛ فيها حكايات تسطِّر وتؤسطر لهؤلاء البطال: كمْ كانوا وطنيين شجعان, وكمْ كانوا عظماء وشاعريين في عشقهم لسورية, وأذكر على سبيل المثال ماجاء في رواية «حسن جبل» التي من طبيعة حيَّة, والتي كتبها ساحر؛ فنَّان كبير؛ خالقٌ للوحدة الوطنية, صاحب فكر ناقد ثاقب وحسَّاس (فارس زرزور) والذي وقف في هذه الرواية - التي أتمنَّى على المنتج الدرامي السوري أن يحوِّلها إلى مسلسل تلفزيوني- ضدَّ انهيار العقل الوطني في صراعه مع العقل الاستعماري الفرنسي؛ العقل المثقوب الذي يرى بعين واحدة, والذي رغم كل مايملك من أدوات قتل وذبح لم يستطع أن يقوِّض الهوية الثقافية والحضارية للشعب السوري. قلت أتمنَّى بل أدعو- دعوة أخشى ألاَّ يضيق بها صدر هذا المنتج ولو كان في تلبيتها خسارة مادية له, ذلك لأنَّ القضايا الوطنية يُفترض أن ينتصر الفن لها, كي لانلبس أكفاننا على موسيقا لحن جنائزي يُعدُّ خصيصاً لدفننا كأمَّة.