2012/07/04
زهرة مرعي – الكفاح العربي
«شنكبوت» أول «ويب دراما» ناطقة بالعربية من إنتاج لبناني يفوز بجائزة «إيمي» عن فئة الأعمال الرقمية إثر مشاركته في مهرجان «كان» للتلفزيون MIPTV في فرنسا. هذه الجائزة الدولية التي تعادل جوائز الأوسكار للأفلام، وجوائز «غرامي» للموسيقى أثبتت تفوق «شنكبوت» في مجال «ملتي ميديا» المشارك في هذه المسابقة. المسلسل الذي تنتجه شركة «أفلام بطوطة» تنافس مع أربعة أعمال رقمية من المملكة المتحدة وهولندا والبرازيل، وكان قد فاز في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بالجائزة الذهبية «روفليه دور» لأفضل مسلسل «ويب دراما» في مهرجان جنيف الدولي. ماذا عنه؟
"شنكبوت" إسم تمّ إبتكاره من كلمتي الشبكة والعنكبوتية، ومن ثم صار"ويب دراما" تمر أحداثه على الإنترنت من خلال العنوان www.shankaboot.com صار لهذا المسلسل آلاف المشاهدين. المسلسل اللبناني هو الأول في تاريخ دراما الإنترنت العربية وتكمن أهميته في كونه يتيح التفاعل مع الشباب من خلال الإنترنت. وفي موضوعاته يناقش ما يهم هؤلاء الشباب طارقاً باب المحرمات، ولا يزيد عمر جمهوره على الـ35 سنة.
في هذا التحقيق نحاول الإطلالة على "شنكبوت" ومن خلاله على "ويب دراما" مع منتجة وصاحبة شركة "أفلام بطوطة" كاتيا صالح، وأن نرد على سؤال: ماذا بعد جائزة "إيمي"، وهل دخل شنكبوت في التحدي مع ذاته؟ تقول صالح: التحدي أننا سنقدم أفضل مما قدمنا، كما أننا لن نتوقف. الآن ومع الجزء الخامس انتهى تمويل الـ"بي بي سي" لنا ونحن أكثر إصراراً على الاستمرار. الجائزة برهنت أننا على الطريق الصحيح، رغم تحدياتنا الكبرى مع الإنترنت الضعيف في لبنان. ومع كل ذلك ربحنا جائزة كبيرة، وهذا دليل على أننا نقوم بما هو صحيح.
تتحدث صالح عن تأثير جائزة "إيمي" على جمهور "شنكبوت"، تقول: ازداد الجمهور وليس بنسبة كبيرة. جمهور "شنكبوت" احتفل معنا بالجائزة. صار لدينا مزيد من المشاهدين لكنها ليست زيادة لافتة. قبل الجائزة كان لدينا 22 ألفا على الفايسبوك وحالياً ازددنا 500. ونحن لا ننسى أن الإنترنت في هذا البلد عاطل جداً. مؤكد أن "شنكبوت" مطلوب ومحبوب لكن الناس "يفقع قلبها" خلال عملية الـ"Download".
وماذا عن الدعم المالي؟ تقول كاتيا صالح: الله كبير. قد نسعى الى دعم من الإتحاد الأوروبي أو مؤسسة ثقافية عربية، و"أكيد في أمل".
وتؤكد كاتيا أن الجائزة كانت مفاجئة جداً. وتضيف: مشروعنا جيد جداً، والقصة حلوة وتمس القلب، وهي الأولى في لبنان والدول العربية. أما الفوز فلم أكن أتوقعه أبداً أبداً. كان المرشحون الآخرون أقوياء جداً على الصعيد التقني بشكل خاص، قد تكون قصتنا هي الأقوى.
كيف خطر "شنكبوت" على بال كاتيا صالح؟ تقول: كانت الفكرة أن نتوجه الى الشباب، خصوصاً مدمني الإنترنت، والهاربين من التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية. الشباب الباحث عن موضوعات تخصه لا يجدها في وسائل الإعلام التقليدية. الشباب يذهبون إلى الإنترنت بحثاً عما يهمهم من موسيقى، مخدرات، حب، فن وجنس. كل هذه العناوين غائبة أحياناً عن الاعلام التقليدي. هكذا بدأنا في الوقوف إلى جانب الشباب ومساعدتهم في موضوعات يريدون حواراً حولها. حلاوة "شنكبوت" أنه يحكي في مواضيع اجتماعية هي من المحرمات. جمهورنا عمره بين 16 و35 سنة، وقد يحبنا آخرون أصغر أو أكبر، المهم أن تكون العقلية شابة وتهمها المواضيع الجديدة والأوريجينال. والمهم ايضاً كذلك متابعة الحالة التفاعلية مع الشباب. مشروعنا في أساسه تفاعلي يتيح للجمهور أن يبدي رأيه في القصة. والشباب يقولون لنا ماذا يريدون، ما يعجبهم وما لا يعجبهم، بماذا يرغبون أن نناقش. الجمهور شعر أنه جزء من القصة وأن بصماته موجودة فيها. لهذا "شنكبوت" محبوب. كذلك زرنا المدارس وكان لنا شرح حول الـ"شنكبوت"، وأتحنا للشباب عرض أفلامهم على ال"ويب سايت" الخاص بنا. مثلاً قلنا لهم كيف نرى موضوع العنف الأسري وسألناهم كشباب كيف يرونه، فكانت لهم مشاركات مميزة. التفاعل هو أهم ما في "شنكبوت" .
ويذكر كاتب "شنكبوت" باسم بريش أن دراما الإنترنت بدأت تنتشر عالمياً في السنوات الأربع الأخيرة ولا تزال محدودة جداً، و"شنكبوت" هو المولود الأول لبريش على صعيد الدراما. نسأله:
■ هل من اختلاف بين "دراما وي" ودراما شاشة التلفزيون؟
ـ الدراما هي نفسها سواء كانت في فيلم سينمائي، أو على شاشة التلفزيون أو شبكة الانترنت. أساس الدراما القصة. في مسلسل التلفزيون تفتتح الحلقة بما هو محوري وجاذب، وتنتهي بما هو مشوق لجذب الجمهور الى الحلقة المقبلة. هذا ما يحصل كذلك في الفيلم السينمائي. زمن الإنترنت محدود وعلينا تقديم القصة في أربع أو خمس دقائق، وهي تعتمد شروط الحلقة التلفزيونية نفسها لجهة التشويق. إذاً مبدأ القصة هو نفسه والمعالجة مختلفة لأن الإنترنت أكثر سرعة، ولن نجذب المشاهدين بقصة طويلة. خصوصاً إذا كان مقيماً في بلد عربي حيث يعاني الإنترنت بطئا قاتلا. من المؤكد أن هناك صعوبة في جذب الناس إلى موضوع يكون جديداً ومشوقاً في دقائق معدودة. وهذا عبء لا يشعر به كاتب الدراما التلفزيونية أو السيناريو السينمائي.
■ نحن حالياً مع "شنكبوت4" ما الذي يجمع بين الأجزاء الأربعة؟
ـ "شنكبوت" عبارة عن Delivery boy لبناني. هذا الولد يدخل كل بيت تقريباً في بيروت، وهو يعرف أخبار البيوت وأخبار الشارع الذي يرابط ويسير فيه. وهكذا تكون حكاياته "ملَمْلَمة" من الشوارع. في سردنا نتتبع قصته وهي في خط درامي واحد، وفي الوقت نفسه نقوم بأبحاث عن قصص نهتم بها كلبنانيين في الدرجة الأولى وكعرب في الدرجة الثانية. مثلاً في الجزء الثالث عالجنا موضوع العمالة الأجنبية في لبنان. طرحنا السؤال عن أسلوب التعامل مع العاملات الأجنبيات اللواتي تأتين إلى لبنان من سريلانكا وأثيوبيا والفيلبين وغيرها. سألنا عن حياة هؤلاء الفتيات، وهذا كله يتم عبر الـDelivery boy الذي يساعد تلك الفتاة على التخلص من القهر الذي تسببه لها صاحبة المنزل.
■ تبحثون إذاً عن إشكاليات إنسانية من ضمن الواقع اللبناني؟
ـ هذا صحيح، لكن في مكان ما قد نلتقي مع إشكاليات مماثلة في بيئات عربية أخرى. في الجزء الثاني عالجنا قضية المخدرات المنتشرة في بلدنا. لكن أحداً لم يعالج أساس المشكلة التي تبدأ في المنزل والعائلة والمشاكل العاطفية وغيرها.
كما عالجنا في الجزء الأول حلم الفتاة اللبنانية التي ترغب في أن تكون مغنية. دخلنا المراحل التي تمر بها وصولاً الى تحقيق حلمها. ومن الممكن أن يتم بيعها وشراؤها قبل أن تصل الى تحقيق حلمها. كذلك عالجنا قضية العنف المنزلي. هذه قضايا مطروحة في مجتمعنا، عالجناها بالتوازي مع حكاية البطل "سليمان" والتي هي أساس كل القصص المتتالية.
■ وماذا عالجتم في الجزء الرابع؟
ـ نعالج قضية السلاح الموجود في أيدي الأطفال اللبنانيين. هناك عصابات من الأطفال تملك سلاحاً. نحن نشاهد "أولاداً" يحملون مسدسات في بعض أحياء بيروت. حتى وإن نضجوا، فلماذا تكون معهم مسدسات يستعرضونها في الشارع؟ ثقافة السلاح الموجودة في لبنان تكشف مفارقات موجعة في بلدنا وكم نحن في حاجة الى التربية والتأهيل.
■ هل تخطى جمهور "شنكبوت" النطاق اللبناني إلى الدول العربية؟
ـ الجمهور الأكبر بطبيعة الحال لبناني، لأن هذه الدراما قائمة على حكايات لبنانية وهي تنفذ في لبنان. لكننا وصلنا الى جمهور كبير في مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، عُمان، فلسطين والأردن. جمهورنا إلى اتساع لأن الصيغة جديدة وسريعة وتمّ تصويرها بأسلوب يماثل السينما. والقضايا التي نطرحها تجد صداها عند جمهور عربي واسع، وقريباً سنكون كدراما في صلب التغيرات والثورات التي يشهدها العالم العربي، وكلها مسائل تعالج تتم عبر "سليمان". نحن نطرح الإشكاليات ونتركها للنقاش.
■ النقاش مفتوح عبر موقعكم؟
ـ أكيد. وهذا ما يفرِّق الإنترنت عن التلفزيون. مع الأولى التواصل والنقاش مستمران. يمكن للمشاهد أن يقول لنا على سبيل المثال "أنتم طرحتم أمراً خاطئاً"، ويمكن للمشاهد أن يقول الطريقة المثلى في نظره للمعالجة. نحن نسأل بدورنا المشاهدين رأيهم في الطريقة المثلى. الحوار مفتوح وهو تفاعلي وهو الذي يميز الشبكة العنكبوتية، في حين يختفي أو ينتفي دور الجمهور مع التلفزيون، هو فقط يتحكم بالريموت كونترول. في الجزء الثاني على سبيل المثال مرّت عبارة في حوار سليمان مع "تاتا لطيفة"، هي تسأله اذا كان مسلماً أو مسيحياً؟ فيأتي جوابه: أنا "شنكبوتي". هذا التعبير أدى الى نقاش امتد لوقت طويل، بين الكفر والإيمان والعلمانية، والـ"شنكبوتي".
■ من هو "سليمان" الذي يبدو أنه يحمل عبء الـ"شنكبوت" بقوة؟
ـ هو حسن عقيل، شاب في عمر الـ18 سنة، لم يسبق ان مارس التمثيل.
■ لماذا تمّ اختيار إسم "شنكبوت"؟
ـ الإسم كان من أكثر المحطات التي عانيناها. كنا نبحث عما يشبهنا ويشبه الإنترنت. شبكة العنكبوت كانت الحل بعد شهر من البحث، فخلقنا إسماً "مغوغلاً".
الممثلة سميرة قواص تلعب دور البطولة النسائية في مواجهة البطل حسن عقيل. تقول: "شنكبوت" هو أول تجربة لي في التمثيل. درست الإخراج السينمائي وأعمل في تخصصي. دخولي التمثيل تمّ مصادفة أو بـ"الغلط" إن صح القول. إنه الحظ. فمديرة التصوير في "شنكبوت" صديقتي أخبرتني بالكاستنغ وسألتني إن كنت أرغب في تجريب الـ Web series. برم رأسي عند سماعي "الخبرية" التي لا أفقه ألف بائها. لكنني في اليوم التالي خضت الاختبار، وبعد أيام تلقيت اتصالاً للقيام بدور "رويدا". حتى الآن وقعت معهم أربعة عقود. وهكذا كانت "كل الخبرية" حلوة. وهكذا ألعب مع حسن عقيل الشخصيتين الرئيستين في المسلسل، ونحن معاً مبتدئان ولسنا محترفين.
■ هل أسس لك "شنكبوت" جمهوراً كما يحصل مع ممثلي التلفزيون؟
ـ المعجبون ليسوا كثراً، لكن في بعض الاحيان يستوقفني أحدهم ليسأل: أنت "الشنكبوتايي". البعض يلاحظني ويعرفني.
■ أي جزء من "شنكبوت" ترك أثره في نفسك؟
ـ لكل جزء طعمه وموضوعه. قد أكون أكثر تأثراً بالجزء الأول لأنه الأول في حياتي، خصوصاً وأنني في هذا الجزء "تبهدلت" ووقعت عليَ القهوة حقيقة. الأجزاء الأخرى عالجت قضايا مهمة للغاية في مجتمعنا. كما أن شخصية رويدا في أحد الأجزاء الخاص بمعالجة العنف المنزلي عاشت الويلات على يد زوجها.
■ هل يختلف التمثيل للشبكة العنكبوتية عن التمثيل التلفزيوني؟
ـ هو التمثيل نفسه، لكن الإخراج هو الذي يختلف، وعلى الممثل أن يبرز مشاعره في مكانها.
نسأل الممثل حسن عقيل عن حاله وأحواله مع شخصية سليمان التي يلعبها منذ حوالى السنة فيقول: الكل يناديني "شنكبوت" حتى كدت أنسى إسمي. جاءتني هذه الفرصة مصادفة بعد مشاركتي في الاختبار. أن أكون "شنكبوت" هذا يفرحني. أحببت التمثيل وانسجمت سريعاً مع شخصية سليمان. وحسن يرغب في التخصص في الإخراج، و"شنكبوت" زادت من حماسه. أما الشهرة فليست "هذا الهدف العظيم" الذي يسعى إليه، لكنه يجد من يعرفه أينما تجول في بيروت.
و"شنكبوت" شخصية فتحت أبواباً أمام حسن الذي تلقى عروضاً لأكثر من إعلان. لكن انشغاله بـ"شنكبوت" وأمور أخرى يستغرق وقته كله. هو يقول: صديقي مخرج من المكسيك ونحن معاً أنجزنا فيلماً من 30 ثانية يتمحور حول إقفال الخلوي خلال العرض السينمائي، وقد كان لنا حظ بيع هذا الفيلم إلى هوليوود حيث سيعرض في كل الصالات الأميركية وقد يتمدد إلى صالات العالم أجمع. وهكذا نحن معاً نعمل لدخول عالم الإخراج بثبات وهدوء ونسعى للحصول على تمويل.
المخرج أمين درّة الذي يوقع إسمه على مسلسل "شنكبوت" بأجزائه كلها حتى الآن، في تاريخه الفني أفلام قصيرة. عمل في باب الإعلانات، وصولاً إلى أول مسلسل إلكتروني عربي هو "شنكبوت". بحثه عن new media دفعه الى إخراج "شنكبوت". يقول: جذبني إلى "شنكبوت" خوض تجربة القصة الطويلة، وتجربة مناقشة المواضيع التي تنكوي على أبعاد إنسانية وإجتماعية. 90 في المئة من الأفكار التي تتم مناقشتها في "شنكبوت" لا نجدها في الدراما العادية على شاشات التلفزيون. كما جذبني إلى "شنكبوت" أنه يتواصل مع شريحة الشباب.
■ بين "شنكبوت1" وشنكبوت4" ماذا أضفت إلى مهماتك كمخرج؟
ـ في كل جزء من "شنكبوت" إضافات. كما أن "شنكبوت" لا يضعنا في أي نوع من الروتين. هو دائماً يبث فينا الشغف لتقديم الجديد على كل الأصعدة. هذا الشغف يفرض أن يستمر في "شنكبوت" لذلك أجرب في كل جزء الحفاظ على روح شنكبوت، مع إضافة بعض التفاصيل على صعيد تقديم السيناريو، كذلك في ما يمكن تسميته "تفينكات" الإخراج. كما حدث تطور على صعيد الشخصيات، وصار التعامل مع الممثلين جزءاً مني. فطرياً صرت أعرف كيف تتجاوب تلك الشخصية مع ذلك الموقف، أو أي نوع من المواجهة من ضمن السيناريو. حتى أن التواصل الفكري مع الممثلين صار سريعاً جداً.
■ هل نقول أن مشاهدي "شنكبوت" إلى ازدياد؟
ـ أكيد. هي ليست قفزة صاروخية. لكن في كل شهر نجد من يدخل الأسرة الشنكبوتية. مثلاً على صفحة الفايسبوك يبلغ عدد الـ Fans 22 ألفاً، وقد ازدادوا بعد جائزة إيمي. وعلى اليوتيوب بلغ المجمل العام للمشاهدين الذين تابعوا الحلقات حوالى الـ500 ألف مشاهد. الملاحظ أنه بين كل حلقة وأخرى هناك بين8 و10 آلاف شخص مواظبين على متابعة "شنكبوت" بكل حلقاته.
■ هل تفرحك النتيجة كمخرج؟
ـ جيد جداً كبداية، وجيد جداً أن ننال جائزة إيمي، لأننا في لبنان أمام عائق الإنترنت والذي تبدو الدولة عاجزة عن تطويره. يردد المعنيون رغبتهم في الوجود على اللائحة العالمية للإنترنت ولا يفعلون شيئاً. العالم يتحرك من خلال الشبكة العنكبوتية وهي عندنا بدائية. والواضح أن أحداً من المسؤولين لا يجني أرباحاً من الإنترنت ولا أحد يرغب في اصلاحه. وهذا هو العائق الأساسي أمام المشاهدين في لبنان. على كل مشاهد في لبنان أن ينتظر حوالى الساعة لإنتهاء الـ Loading والعدد الأكبر من مشاهدي الشنكبوت هم خارج لبنان.