2012/07/04
محمد عبود - تشرين
المخرجة الفنانة رغدة الشعراني تعمل باجتهاد عبر عدة عروض سابقة، اتسمت بمتابعة جماهيرية كبيرة لم نشهدها منذ زمن بعيد في المسرح القومي،.
وقد لقيت ترحيباً لا بأس به، إن كان عبر التغطية الإعلامية، أو المناقشات العامة بين أهل المهنة كما يقال، وخاصة في العرضين السابقين على العرض الحالي وهما عرض «شوكولا» وعرض «تيامو» اللذان قدمتهما في الموسم الماضي. ويبدو أن هذه الحالة الجماهيرية قد أعطتها ثقة عالية بالنفس، فتابعت ما بدأته من عروض تتوسل الجماهيرية على حساب القيمة الفكرية والفنية للعرض ويبدو أن الخط البياني لأعمالها بدأ السير بانحدار، فقد كان عرض شوكولا أفضل فكرياً وفنياً بما لا يقاس عن العرض الثاني تيامو، كما أن العرض الحالي «لحظة» أو Amoment كما أحبت أن تدعوه أقل بالمستوى من العرضين السابقين ولا أردي إلى أين ستتجه في العرض القادم إذا استمرت بهذا الخط.
حلم البداية
العرض الحالي يبدأ من حلم وإذا كان مبرراً لنا أن نرى ما نشاء في الحلم، فإن الفعل المسرحي يحتاج أكثر من الحلم لتقديمه بشكل مبرر وهو ذو قيمة فعلية يستحق أن يقدم على أساسها بعمل مسرحي متكامل فهناك الكثير من الأعمال التي ابتدأت من حلم ولعل أشهرها رواية فرانز كافكا «التحول»، لكن العرض المسرحي يفترض به أن يبقى ضمن قوانينه الداخلية التي تنتمي إلى المسرح حصراً، سواء كانت الفكرة حلماً، أو لحظة تأمل، أو لعبة فانتازيا مغرقة في الخيال، أو عبر نص كلاسيكي يفجر فيه المخرج قدراته الإخراجية لتقديم رؤية مختلفة وهذا كله لا غبار عليه بل يدخل ضمن اللعبة المسرحية التي تتسع عباءتها لكل التجارب المسرحية مهما كانت، حتى المتطرفة منها، لكن ضمن الشرط المسرحي، بينما هذه الخلطة المشهدية التي قدمتها لا يمكن بصراحة إدراجها تحت أي مسمى، وحتى إدراج العرض ضمن عنوان المسرح التجريبي لا يبرر البتة هذا الانحدار.
اقتصاد الاستعراض
ربما كان باستطاعة النص المقدم وبقليل من الرتوش، وبالاقتصاد الاستعراضي إلى حد كبير تقديم عمل مسرحي جيد وبفكرة جيدة، ورؤية إخراجية متفردة، لكن هذا الانسياق وراء الاستعراض أثقل العرض إلى درجة مؤذية وأفقد العرض الكثير من الجدية والقيمة الفكرية مع أهمية الفكرة المطروحة، ووضع المتفرج أمام لوحة كولاج سريالية، لم نر مبرراً للكثير من الحركات والصيغ المشهدية التي قدمت بهذا الشكل، وإن هذه الاستعراضات كانت تشكل عبئاً على العرض بدلاً من أن تكون مادة جديدة وممتعة ولو استغنت عن الكثير منها لقدمت عرضاً يحمل الكثير من الجماليات والروح الذكية، بعيداً عن فذلكات لا مبرر لها فنياً لها على الإطلاق.
في هذا العرض قدمت مقطعاً حوارياً زجلياً، وكانت قد قدمت ما يشبه ذلك في العرض السابق «تيامو» وكما كان في العرض السابق مقطع مقحم وغبي وبعيد كل البعد عن روح النص، وجاء تماماً خالياً من أي معنى، ولا أرى أي مبرر لهذا الزجل سوى أن يكون تقديم فرصة لموهبة مكبوتة حاولت ان تضيء شيئاً منها في هذه اللحظة أو المقطع، ولم نجد مبرراً لهذا المقطع الزجلي حتى ضمن الخلطة العجائبية من الاستعراضات.
تقنيات السرد
استخدمت المخرجة تقنية السرد عبر إحدى الشخصيات بشكل كبير وعلى مساحة كبيرة من العرض، وهنا يأتي السؤال مادام كل هذا الحضور للسرد عبر شخصية بحر الذي مثل الراوي أو صاحب الحلم، فلماذا الإصرار على تقديم المقاطع المصورة والغرافيك، لإظهار حالة أو تعميق موقف، وكان من المفترض أن تكتفي بأحدهما، ولا أظن أن أدوات المسرح قاصرة على تقديم هذه الأشكال من دون الاستعانة بأي أداة أخرى.
إضافة جديدة أخرى لجأ لها بهذا العرض وهي الشاشة الثانية، فإذا كانت الشاشة الأولى لم تستطع تبرير وجودها فكيف بشاشتين، ولم أر مهمة لهما إلا تشتيت ذهن المتفرج، وتبديد زاوية الرؤية وإشغاله عما يجري على الخشبة، خاصة أن مهمة الشاشة الجانبية على الإسقاط للفعل المسرحي الموجود على الخشبة في اللحظة نفسها، خاصة أن المخرجة استخدمت الخشبة بالكامل للفعل المسرحي أو الاستعراض، ولم أر مبرراً لهذه المرافقة البصرية للفعل المسرحي، ونتج عن ذلك تشتت كبير، ما أفقد الكثير من المتعة المسرحية
كان من الممكن كما قلنا منذ البداية أن يشكل النص المقدم مادة مسرحية جيدة لتقديم عرض متميز ومتماسك بتكنيك لكن يبدو أن بعض المقاطع لا تمت لعمل السيدة رغدة بصلة، إن كان من جهة النص الذي قدمته كمؤلفة أو من جهة الإخراج الذي وقعت عليه، ومنها مشاهد الفيلم المصري، أو الزجل أو البلياردو أو عرض one man show على سبيل المثال لا الحصر.
رؤية معاصرة
من جهة أخرى قدم لنا العرض رؤية معاصرة تماماً، من خلال رؤية المجموعة الشابة غير المتجانسة، والتي يعمل أفرادها على أن يبقى التجانس موجوداً فيما بينهم من خلال إبعاد البعض من المجموعة عما تمارسه المجموعة من أفعال لا تروق للبعض الآخر، شخصية زين المتفردة مثلاً - وسلوكه الجاد وأبحاثه العلمية والكل يداري حتى لا يعرف زين ما يدور من أمور عند ذهابه المبكر للنوم أو لأبحاثه العلمية، وحتى قدمت هذه الشخصية بشكل هزلي يقربها إلى التوحد أكثر مما يقربها من الحياة الطبيعية، وإغراقاً في المواكبة والمعاصرة للأحداث تردد صدى كلمات القذافي «زنقة.. زنقة» وفي الوقت نفسه لم نستطع التعامل مع الموضوع المصري خارج النمطية الراسخة أو الصورة التي كوناها عن الدراما المصرية، أو الميلو دراما تحديداً في تقديم صورة للمصري، مع أن الشباب المصري يستحق التعامل بصورة أكثر احتراماً من هذا النمط بكثير، ولا أجد مبرراً لها ولو كان تاريخ كتابة النص سابقاً للأحداث المصرية، لأن المتابعة يجب أن تشمل كل ما حولها، وإلا فحذفها أفضل.
قدمت المجموعة الشابة المشاركة في العرض أداء اتسم بالحرارة في أكثر مراحل العرض، وكان إيقاع العرض مقبولاً إلى حد بعيد، لكن كانت هناك بعض المحاولات للتفرد مجانية أحياناً ومنفرة أحياناً أخرى لدى البعض.
لاحظنا على البروشور وجود كريوغراف، لكن على الخشبة لم نر خطوات أو استعراضات مرسومة بحرفية، بل كانت أقرب إلى الفوضى أحياناً، مع إصراري على تأكيد مجانية هذه الاستعراضات والحركات لكن باعتبارها وجدت في العرض كان يجب أن تقدم بشكل أجمل.
رغدة الشعراني مخرجة مجتهدة، وتمتلك أدواتها، لذلك أتمنى أن أشاهد عرضاً مسرحياً ينتمي إلى المسرح الحقيقي، بعيداً عن هذا التجريب الذي ينحدر من عرض إلى آخر وأرجو أن تقدم عرضاً بتوقيع رغدة المخرجة فقط، بعيداً عن نص تصر على كتابته، وبعيداً عن آراء قد تأخذ بها وتأتي بعيداً عما ترمي إليه.