2012/07/04
ابراهيم حاج عبدي – دار الحياة
حتى وقت قريب لم يكن لمن يسمى بـ «شاهد عيان» سوى مساحة قليلة على الفضائيات، غير ان الثورات التي عصفت بالعالم العربي جلبت له أهمية استثنائية في ظل ظروف التضييق التي تمارسها السلطات المعنية في هذا البلد أو ذاك ضد الصحافيين والإعلاميين. وهكذا، غدا «الشاهد العيان»، مصدراً رئيساً للخبر، وصوتاً مجهولاً يغزو غالبية الفضائيات الإخبارية، المتعطشة الى «تفاصيل» عصية المنال، ذلك ان التلفزيونات الرسمية راحت تحتكر الخبر، بل تلفقه عبر صوغه من الألف الى الياء، وتقدمه على انه الحقيقة التي لا يرقى اليها الشك!
من الطبيعي ان يتعرض هذا «الشاهد العيان» للسب والشتم والذم من أولئك المحتكرين للخبر، إذ وجدوا فيه «خصماً طارئاً، جاهلاً» يعكر صفو الاخبار «الصادقة» التي ينتجها الإعلام الرسمي. هذا الإعلام المتمادي في التغني بانتصارات القائد وانجازاته، بينما «الأوطان تحترق»، وكأن دروس الثورات القريبة التي كشفت أكاذيب الإعلام الرسمي لم تصل الى الاستوديوات الرسمية الملونة، المرفهة والتي تصدح بـ «الحماسة والتحدي والإصرار»، فأنى لهذا «الشاهد العيان» أن يشوّه هذه «الصورة الهادئة النقية» بمفرداته المتعثرة، ونبرته القلقة!
لن يقر القائمون على الإعلام الرسمي بأن لجوء الفصائيات الى «الشاهد العيان» كان ضرورياً في سبيل جلاء الحقائق، فهذا الإجراء، من وجهة نظرهم، هو محض «مؤامرة» تستهدف «وطناً هانئاً»، وما يكرس مثل هذا الافتراض هو ان الشاهد العيان ينساق، أحيانا، مع انفعالاته ومشاعره، فلا يكتفي بسرد ما شاهد ورأى، بل يمضي في تأويل ما رآه وتحليله وفقاً لقناعاته وموقفه مما يصف، ناهيك عن أن وصفه غير مقرون بصور تدعم صحة ما يقول، ولعل هذه الملاحظة الأخيرة تضعف، أحيانا، من صدقية «الشاهد» الذي يستغل غياب الصور لوصف الحدث كما يتمنى ويرغب، لا كما وقع فعلياً، خصوصاً وأن هذا الشاهد العيان هو مجهول الاسم غالباً.
هذا البطل الفضائي الجديد ما كان في مستطاعه ان يكرس حضوره لولا التعتيم الإعلامي المتعمد، فالمهنيون من أصحاب «مهنة المتاعب» يتعرضون لشتى صنوف المنع والقمع والطرد وصولاً الى الاغتيال. وحين تغلق الابواب في وجه من يستطيعون نقل الأحداث بحرفية ومهنية، يطل «شاهد عيان» ليرسم صورة الثورات وفق مزاجه وثقافته وقناعاته. وهو إذ يقوم بهذه المهمة لا يكون شاهداً على مسار وشكل الاحتجاجات فحسب، بل يقدم كذلك برهاناً على خوف السلطات من الإعلام الموضوعي المحايد. ولئن شككت السلطات، كما هو دأبها، في صحة المطالب التي يرفعها المحتجون هنا وهناك، فإنها لن تستطيع التشكيك في مطلب «حرية الرأي والتعبير»، ذلك ان هذه المساحة الواسعة التي تخصصها الفضائيات لـ «الشاهد العيان» تثبت صحة هذا المطلب على الأقل