2012/07/04
ن ج - السفير
يُمكن القول، ببساطة، إن الآثار الفنية الأولى، التي أنتجتها «ثورة 25 يناير» في مصر، بدأت تظهر للعيان. يُمكن القول إن البذور الفنية المتأتية من هذا الحراك الشعبي العفوي باتت جاهزة لتوليد عناوين متفرّقة، لا شكّ في أن قراءتها النقدية الهادئة مقبلة لاحقاً. تزامن هذا كلّه وظهور نتاجات بصرية متعدّدة من تونس، البلد العربي الأول الذي أطلق «ربيع العرب» مطيحاً بنظاميّ زين العابدين بن علي وحسني مبارك،. هذا ما
تتيحه الدورة الرابعة والستين لمهرجان «كانّ» السينمائي، التي انطلقت مساء أمس (وتنتهي مساء الثاني والعشرين من أيار الجاري): قبل أيام قليلة، أعلنت إدارة المهرجان السينمائي الأعرق والأهمّ تخصيص حيّز ما بدولتي تونس ومصر، احتفاءً بالانجاز الشعبي الثوريّ، بعرض أفلام مختارة من الإنتاجات الأخيرة.«لا خوف بعد اليوم»أولاً، هناك تونس. فقد ذكرت معلومات صحافية أن «الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام»، بالتنسيق مع «جمعية السينمائيين (المكتب المؤقّت)» وبإشراف «وزارة الثقافة»، أعـدّت برنامجاً خاصّاً بالمُشاركة التونسية في المهرجان، اختير فيه «لا خوف بعد اليوم»
لمراد الشــيخ لعرضه في قسم «عروض خاصّة». وسيُكرَّم الراحل الطاهر شريعة في احتفال ساهمت في ترتيبه «المنظّمة الدولية للفرنكوفونية»، في إطار مسعاها إلى «فتح آفاق جديدة للسينما التونسية، وجيل الشبّان من المنتجين والمخرجين، (خصوصاً) في ما يتعلّق بالإنتاج المشترك. وذلك في إطار لقاء تُنظّمه «الغرفة الوطنية...» و«جمعية المنتجين الفرنسيين» و«المركز الوطني السينمائي الفرنسي» في السابع عشر من أيار الجاري. كما دعت «الغرفة» نفسها خمسة سينمائيين شباب لمتابعة الدورة الرابعة والستين هذه، كي «يتسنّى لهم تعريف إنتاجاتهم، والبحث عن فرص إنتاج وتوزيع لأعمالهم». وفي المناسبة، تُعرض خمسة أفلام في إطار «ركن الأفلام القصيرة» في «سوق الفيلم»، اختارها «المعهد الفرنسي للتعاون بتونس»، أنجزها معزّ بن حسن ومحمد بن عطية ومليك عمارة وأمان الغربي ونصر
الدين معاطي، بالإضافة إلى «ماء الورد» للمنتج غانم غوار. أضافت المعلومات الصحافية أن خالد البرصاوي ومحمد علي بن حمراء يُشاركان في ورشة المنتجين: «سيكون الجناح 107 في «القرية الدولية» الفضاء الأمثل للسينمائيين التونسيين للتلاقي مع زملائهم العرب والأجانب، ومنصّة لإطلاق مشاريع سينمائية واعدة»، كما سيكون الجناح نفسه «في حلّة متميّزة تُعبّر عن ثورة الحرية، بعرض فيلم وثائقي قصير رَصَد يوميات الثورة، أنجزه إلياس بكار، وصوَر تُخلّد مشاهد من الثورة. فضلاً عن سلسلة عروض لأفلام متفرّقة وثّقت الحدث». أما داخل «سوق الفيلم»، وبحسب المعطيات الصحافية نفسها، فستعمل «الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام» على تسويق «تونس الجديدة»، باعتبارها «وجهة نموذجية للتصوير والسياحة»، بعرض ملصقات عدّة في أروقة السوق، وصفحات دعائية في المجلاّت السينمائية المتخصّصة.
أما بالنسبة إلى مصر، فهناك مشروع وحيد استطاع أن يبصر النور في الفترة القياسية الممتدّة من انتهاء الحراك الشعبي وانطلاق الدورة الجديدة لمهرجان «كانّ»، وهو «18 يوماً»: عنوان فيلم جماعي مؤلَّف من عشرة أفلام قصيرة، بتوقيع عشرة مخرجين مصريين مُكرَّسين وصاعدين. اللافت للانتباه في هذه التجربة، وبحسب تعليقات صحافية ونقدية متفرّقة، كامنٌ في أنها جمعت مخرجين معروفين بآخرين شباب، وبعاملين في صناعة أنماط شتـّى من الفن البصري: منهم من اشتهر بالكوميـديا، ومنهم من عُرِف بفضل التلفـزيون، وذلك بقــيادة المخرج المعروف يسري نصر الله، الذي قدّم آخر أفلامه عام 2009 بعنوان «إحكي يا شهرزاد»، المستلّة مادته الدرامية من واقع الحال المأزوم في المجتمع المصري،
على مستوى العلاقة الصدامية القائمة بين هذا المجتمع ونسائه، اللواتي وجدن أنفسهنّ في مواجهة عنيفة ضد سلطة الرجل، وضد الأحكام المسبقة، وضد القمع المبطّن والفقر والآلام والتمزّقات. في الإطار نفسه، يُذكر أن مشاركة نصر الله في «18 يوماً» لم تقف عند حدّ الإشراف العام على المشروع، لأنها أثمرت فيلماً قصيراً بعنوان «داخلي- خارجي»، دارت أحداثه في شقّة أسرة مصرية، راصداً ردود فعل أفرادها إزاء اندلاع الثورة. وقد احتاج تصوير الفيلم، كما قال المخرج، إلى يوم ونصف اليوم فقط.
شارك في المشروع أيضاً، الذي يرمز عنوانه إلى الأيام الثمانية عشر الأولى من الثورة، المخرج شريف عرفة بفيلم «احتــباس». ومن سيـنمائيي الجيل الأصغر، انضمّ إلى اللائحة مروان حامد (صاحب «عمارة يعقوبيان») بفيلم «19-19» وكاملة أبو ذكري (مخرجة «واحد ـ صفر» و«ملك وكتابة») بفيلم «خلقة ربّنا»، وخالد مرعي، المعروف بإخراج أفلام كوميدية للممثل أحمد حلمي مثل «عــسل إسود» و«بــلبل حيران»، بفيلم «كعك التحرير». هناك أيضاً محمد علي وفيلمه «لما يجـيك الطوفان»، علماً أن علي معروف بتجربته في الدراما التلفزيونية من خلال «مجنون ليلى» و«أهل كايرو». مثله، جاءت مريم أبو عوف من تجربة «هالة والمستخبي» في الدراما التلـفزيونية، لتقدّم في «18 يوماً» فيلماً قصيراً بعنـوان «تحرير 2/ 2». هناك أيضاً أحمد علاء في «حلاّق الثورة»، هو الآتي من تجربة طويلة مع شريف
عرفة، الذي عمل معه مساعد مخرج في أفلام عدّة، قبل أن يقدّم باكورته في «بدل فاقد». أما شريف البنداري، فاستكمل من خلال «حظر تجول» تجربته في الفيلم القصير، التي أثمرت لغاية اليوم فيلمين مميزين هما «صباح الفل» و«ساعة عصاري». ويطلّ المخرج الشاب أحمد عبد الله، صاحب الفيلمين الروائيين الطويلين الجميلين والمهمّين «هليوبوليس» و«ميكروفون»، بفيلم «شباك»، علماً أن «ميكروفون»، الذي أُنجز العام الفائت، غاص في مآزق الحياة اليومية لمجموعة من الشباب المصريين في الإسكندرية، متوغّلاً في تفاصيل عيشهم وآفاق أحلامهم المنغلقة والمسحوقة والمختنقة وسط الانهيارات كلّها. «ميادين» التحريربعيداً من يُسري نصر الله، الذي كشف عن فكرة فيلمه في تصريحات صحافية عدّة، لم يتحدّث المخرجون الآخرون عن مواضيع أفلامهم. لكن نصر الله صـرّح أن الأفلام لا تدور بالــضرورة حول أحداث ميدان التحرير فقط، «بل تمتدّ أيضاً إلى جوانب الثــورة كافة وتأثيرها على شرائح المجتمع». هناك، بحسب نصر الله،
فيلم يتناول التحقيق مع أحـد الثوّار في أحد مباني جهاز أمن الدولة، وآخر عن مجموعة من الثوّار أثناء وجودهم في الشارع خلال الثورة. ولا تقتصر الجهود في «18 يوماً» على المخرجين فقط، إذ شارك فيه كتّاب سيناريو أيضاً، أمثال تامر حبيب («سهر الليالي» لهاني سلامة) وبلال فضل (مسلسل «أهل كايرو») وعباس أبو الحسن («إبراهيم الأبيض» لحسام علي)، بالإضافة إلى الممثلين يسرا اللوزي وهند صبري ومنى زكي وعمرو واكد (أحد أوائل الفنانين المصريين الذين افترشوا أرض ميدان التحرير منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة) وإياد نصّار وأحمد حلمي (الذي استُقبل في ميدان التحرير استقبال الأبطال من قبل الثوّار الشباب) وباسم سمرة وآخرون.
يُذكر أن رئيس المهرجان جيل جاكوب أعلن أن «18 يوماً» سيُعرض في التاسع عشر من أيار الجاري، بحضور مخرجيه وكتّابه وممثليه، «من دون توضيح الإطار الذي سيُعرض فيه».